هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دعا وزير الأوقاف المصري مختار جمعة، المصريين إلى التقشف وتقليل النفقات، مستخدما إحدى القصائد الشعرية لواقعة من التراث الإسلامي للتأكيد على أن التقشف كان سيرة الخليفة الثاني للمسلمين عمر بن الخطاب.
وزير الأوقاف خلال خطبة الجمعة أمس، في أحد مساجد مدينة بنها بالقليوبية (القاهرة الكبرى)، ألقى قصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم، مخاطبا بها النساء المصريات وهو يبكي، داعيا إياهن أن يقفن بجوار أزواجهن ويقللن المصاريف ويخففن أعباء الحياة.
دعوة جمعة للتقشف من فوق منبر خطبة الجمعة تتواكب مع نداءات رئيس سلطة الانقلاب عبدالفتاح السيسي، للمصريين التي طالما أطلقها خلال مؤتمراته مع الشباب وفي مواقف عديدة ومنذ الانقلاب وحتى اليوم للتقشف، بدعوى أن الدولة المصرية فقيرة.
وانتقد محللون ودعاة تحدثوا لـ"عربي21"، استخدام أذرع النظام الدينية للتراث وإقحام النص الديني في الخطاب السياسي لتلبية أهداف النظام والتغطية على أوضاع الاقتصاد والفقر، موضحين أنها ذات التهمة التي كان يوجهها الإعلام وحزب "النور" لجماعة الإخوان المسلمين في عام حكم الرئيس مرسي.
شر البلية ما يضحك
وفي تعليقه قال الإعلامي والباحث السياسي أحمد رشدي، إن "القصيدة هي إحدى روائع حافظ إبراهيم، والتي يتحدث فيها عن زهد الفاروق حين كان حاكما للمسلمين فهو يمتنع عن الطعام حتى تطعم الرعية ويمتنع عن النوم حتى يتفقد الرعية"، واصفا الواقعة بقوله: "شر البلية ما يضحك".
رشدي، أوضح لـ"عربي21"، أنه "من العجيب أن يتم توجيه هذه القصيدة للمواطنين"، متسائلا: "هل كان عمر في عام الرمادة وبطنه تقرقر من أكل الزيت والخبز مجرد فرد من الرعية؟ هل حينما وقف له أحدهم ليقول للفاروق وهو يحكم وقتها نصف الأرض لو قلت برأيك هكذا لقومناك بسيوفنا هكذا؟ ثم لم نسمع باختفاء القائل قسريا أو توجيه تهمة تهديد الأمن القومي".
وأضاف الباحث المصري: "من اللافت للنظر في زمن العسكر هو محاولة تطويع النص لأهواء الطغاة"، مستدركا: "لكن يأبى الله إلا أن يفضحهم فما من نقيصة اتهموا بها الإخوان بالباطل إبان حكمهم إلا وقعوا فيها هم حقيقة؛ من تأجير قناة السويس والأهرام إلى التنازل عن سيناء مرورا بتهمة استغلال الدين".
وتابع قائلا: "ولعل هذه الأخيرة تحديدا هي الأوضح منذ مشاهد الانقلاب الأولى وتزيين الجلسة بلحى حزب (النور) وما تبع ذلك من تبرير مذبحة فض (رابعة) وما وراءها باسم الدين، وتقنين مداهنة الظالمين بزعم إمارة المتغلب حتى ليمكننا أن نقول إن أبرز كوارث حكم العسكر هي التجارة بالدين وإراقة الدماء والتفريط في الأرض".
وأردف موجها حديثه لمختار جمعة: "كان يغنيك عن تصنع البكاء أن تصدع بالحق وتقول هذه الأبيات للسيسي ورفاقه، ولكن وقتها يجب أن تتحسس رأسك فلو سمعك السيسي تتحدث عن الفاروق لربما ألحقت بآخرين ممن كانوا من أعمدة الانقلاب والآن تطويهم الغياهب".
نفاق وتدليس وخداع
ويرى الداعية الإسلامي الشيخ شعبان عبدالمجيد، أن "أي دعوة تدعو الناس إلى الفقر، أو تحببهم فيه، دون أن تدعو الأغنياء والأمراء لهذا التقشف؛ هي دعوة فاجرة، يمارسها فجار لا علاقة لهم بالدين ولا القيم والأخلاق".
إمام مسجد الهدى بالولايات المتحدة، قال لـ"عربي21"، إنه "كان الأحرى بمختار جمعة، أن يوجه دعوته إلى العسكر وحكومتهم للتقشف وتقليل النفقات"، مشيرا إلى أن "السيسي يشتري أسطول طائرات مكون من 4 طائرات رئاسية غير الموجود لديهم، هذا إلى جانب القصور الرئاسية التي يبنيها، والبذخ في النفقات عليها".
وتابع عبدالمجيد في رصد مظاهر بذخ النظام، متحدثا عن العاصمة الإدارية الجديدة وما وصفها بـ"المبالغات التي نراها في تشييد المصالح الحكومية"، منتقدا "ارتفاع رواتب طائفة من المصريين، دون غيرهم (الجيش والقضاء والشرطة)".
وأشار أيضا إلى "المؤتمرات الدعائية التي يعقدها النظام والتي لا فائدة منها سوى التصفيق لمعتوه لا يحسن القول ولا الفعل"، مبينا أن "كل هذا السفه في الإنفاق وغيره من المظاهر يجب أن يتوقف فورا؛ وأن توجه هذه الأموال للتنمية الحقيقية والتخفيف من أعباء الشعب المسكين".
الداعية المصري، أكد أن "استشهاد وزير الأوقاف، بقصيدة حافظ إبراهيم، والتي تبرز تقشف سيدنا عمر رضي الله عنه، ترتد في نحره"، موضحا أن "عمر كان هو الحاكم وأمير المؤمنين وكان يتقشف في نفقته وهو حاكم، لكنه لم يدع إلى تقشف الناس".
وذكر عبد المجيد، أن "سلطان العلماء العز بن عبد السلام، رفض زيادة السلطان للضرائب، قبل أن يتم الإنفاق من أموال الأمراء والحكام أولا"، مشيرا إلى أن "تراثنا الجميل مليء بورع العديد من الحكام المسلمين"، ضاربا المثل بالخليفة عمر بن العزيز.
وانتقد إقحام الموالين للنظام النصوص الدينية لـ"تلبية أهداف النظام ولدغدغة مشاعر الناس البسطاء، وإقناعهم بمشروعية ما يفعلونه من إسراف وتبذير، وأنه على الناس أن تتقشف على اعتبار أن هذا من صميم الدين"، مؤكدا أن "هذا هو النفاق بعينه، والتدليس والخداع".