لم يكن يوما
عاديا بأي شكل من الأشكال، فلقد ظهر من بداياته وبعد صلاة الفجر أن يوما تاريخيا
يكتب على مهل، يوما دبر له بليل بخطة محكمة ليسطر أصحابه صفحة جديدة من صفحات
التاريخ التي لا تنسى ولن تمحى من ذاكرة الأمة الإسلامية، يوما كيوم صبرا وشاتيلا
أو سربرنيتشا أو كيوم من أيام بتليسوارزينجان وبايبورت وأرضروم وأزمير، تلك الأيام
التي حفرت في ضمير المسلمين بسكين العدو، لكن وياللأسف كان ذلك اليوم بيد من يدينون
بديننا ويتكلمون بلساننا. إنه يوم رابعة أو ما بات يعرف بمجزرة القرن، ذلك اليوم
الذي قتلت فيه قوات الجيش والشرطة المصريتان وأصابت الآلاف من المعتصمين السلميين
في ميدان رابعة العدوية شرقي القاهرة.
لقد استخدمت
القوات المهاجمة شتى أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة الحارق منها والخارق وحتى
المتفجر، لتظهر أشلاء المعتصمين كشبكة صيد من كثرة ما أطلق عليهم من رصاص فتاك،
ولم يسلم المصابون من عجلة القتل التي داست الجميع، كما لم تسلم جثثهم من الحرق
بعد الموت لتشويه الجثث وإخفاء الجريمة.
لكن الأكثر فُجرا، هو أن يعاقب من بقي حيا من هذه المجزرة، سواء من هرب منهم أو من قبض عليه من قلب
المجزرة. هذا الأسبوع قضت محكمة جنايات القاهرة في قضية فض رابعة والمتهم فيها
قيادات الحكومة
المصرية المنقلب عليها من قبل السلطة الحالية. وبنظرة بسيطة على
الأسماء المتهمة في القضية تعرف أن المحاكمة سياسية، حتى ولو قيدتها النيابة في قرار
إحالتها بقيد ووصف جنائي لتضفي الشرعية عليها، وتحول نظر المجتمع الدولي عن حقيقة
استخدام القضاء في التخلص من الخصوم السياسيين، القضية التي شملت 738 متهما، جاء
على رأسهم وزراء وقياديون في الحزب الحاكم قبل الانقلاب، وقيادات من أحزاب عارضت
الانقلاب على الشرعية الديمقراطية والنظام الدستوري للبلاد، لهذا كان لزاما أن يتم
التخلص منهم بشكل يوحي بأن قضية ما تم الحكم فيها على جريمة ما. ومع استخدام عامل
الوقت الذي يكفل نسيان المجتمع الدولي الأسباب الحقيقية وراء الحكم، يمكن تمرير
القتل المشرعن من قبل السلطات المغتصبة.
لكن الضمير الإنساني لا ينسى، والتاريخ لا يكذب طالما وراءه صادقون، والديان لا
يموت، فإن حكم المحكمة لن يمرر ولن يسكت عنه الأحرار. فالمنظمات الحقوقية المصرية
وبعد لحظات من صدور الحكم، خرجت ببياناتها لتدق ناقوس الخطر، وتذكر التاريخ أن اكتب
بما يمليه الضمير الإنساني لا بما تفرضه القوة، وهي الخطوة التي حركت المفوضية السامية
لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ودفعت رئيسة المفوضية ميشيل باشيليت إلى حث القضاء
المصري على إلغاء الحكم الصادر ضد الضحايا (المتهمين)، واصفة الحكم بأنه غير عادل.
يعلم العالم
أجمع أداء القضاء المصري واستخدام النظام له لتصفية الخصوم أو تبرئة الموالين أو تثبيت
القرارات وتحصينها. الكل يعلم إلا النظام المصري نفسه، الذي يحاول أن يجمل وجه ذلك
القضاء القبيح الذي عمي عن الحق ليحكم بما يمليه عليه النظام خوفا أو طمعا. وبما
أن الغي يلهي، فبدلا من أن يختبئ وزير الخارجية المصري من عار قضائه، تجرأ وخرج
ليدين بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان بشأن الأحكام الصادرة بقضية فض اعتصام
رابعة، واصفا البيان الصادر عن المفوضية بأنه بداية سيئة لرئيسة المفوضية في
منصبها الجديد لأنها - في رأيه - تراجعت عن مبادئ الموضوعية والمهنية وتجاوزت حدود
سلطتها، زاعما أن النظام القضائي المصري يراعي بشكل كامل حكم القانون، ويضمن تمتع
المتهمين بالحق في الدفاع عن أنفسهم.
وقد يمر كلام
وزير خارجية النظام المصري على عوام الناس، فهو خطاب شعبوي أكثر منه مهنيا، حيث إن
المتهمين لم يتمتعوا بأي حقوق حقيقية للدفاع عن أنفسهم، ويكفي بداية أن المحاكمة،
بالمخالفة لأحكام المحكمة العليا، تجري في أحد معاقل الشرطة المصرية الخصم الأول
للمتهمين، كما أن المتهمين أنفسهم، وأكثر من مرة، اشتكوا من عدم سماع المحكمة
لدفاعهم ودفوعهم، ناهيك عن أن بعض المتهمين كعصام سلطان قبض عليه قبل الفض بأكثر
من 17 يوما، فكيف له أن يقاوم السلطات كما ورد في حيثيات الحكم.
القضاء المصري
المسيس والمستخدم من قبل النظام أصدر 1300 حكم بالإعدام على معارضين، نفذ بالفعل
منها 35 حكما، وهي أرقام مرعبة فيما لو وضعت في محل التخلص من المعارضين، في ظل
تفاهمات دولية تسكت الساسة في الغرب (الحر) عن هذه الجريمة البشعة التي يقترفها
النظام ضد معارضيه السياسيين، ليستمرئ قضاء النظام ويتوحش ويتجاسر بمعاقب الضحية بدلا من محاسبة الجاني.