هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منصبه رمزي، ويكاد أن يكون شرفيا، وجزء من المحاصصة الطائفية والعرقية في البلاد، فقد جرى العرف في العراق أن يكون رئيس الجمهورية كرديا، ورئيس البرلمان عربيا سنيا، ورئيس الحكومة شيعيا.
لكن منصب رئيس الجمهورية ليس كرسيا فخريا فقط، فهو منصب قابل للتمدد بصلاحيات لا حصر لها قد تفوق بأهميتها منصب رئيس الوزراء. لكن "ما قيمة ذلك كله إن لم يتوفر للمنصب من يستحقه عن جدارة، وليس من يصل إليه عن طريق حسابات حزبية ضيقة". بحسب نائب الرئيس العراقي الأسبق طارق الهاشمي.
يعد برهم صالح، المولود في عام 1960 في مدينة السليمانية في "كردستان العراق"، لأسرة متعلمة ميسورة الحال ولأب عمل قاضيا، الرئيس التاسع للعراق منذ عام 2003.
اعتقل صالح إبان حكم "حزب البعث العربي الاشتراكي" في عام 1979 مرتين بتهمة انتمائه للحركة الكردية، و"تعرض للتعذيب" في سجن مدينة كركوك بسبب التقاطه صورا للمظاهرات المناهضة للحكومة في المدينة، بحسب السيرة الذاتية المنشورة له في الإعلام العراقي.
أدى امتحانات الدراسة الإعدادية في المعتقل ليغادر بعدها العراق متوجها إلى المملكة المتحدة لإتمام دراسته بعد الإفراج عنه.
حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من "جامعة كارديف" في عام 1983. والدكتوراه في الإحصاء والتطبيقات الهندسية في الكومبيوتر من "جامعة ليفربول" في عام 1987.
انضم في فترة مبكرة من حياته أواخر عام 1976 إلى "الاتحاد الوطني الكردستاني" (PUK) بزعامة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني. ومن ثم أصبح عضوا في تنظيمات "الاتحاد" في أوروبا ومسؤولا عن مكتب العلاقات الخارجية في العاصمة البريطانية لندن.
في عام 1992 أصبح ممثلا لأول حكومة في إقليم كردستان العراق التي تمخضت عن أول انتخابات برلمانية في الإقليم ومسؤولا للعلاقات الخارجية في العاصمة الأمريكية واشنطن، وذلك عقب خروج الإقليم عن سيطرة الحكومة العراقية في أعقاب حرب الخيلج الأولى في عام 1993.
واستغل الساحة الأمريكية ودوائر وأروقة صنع القرار هناك لشرح وجهة النظر الكردية وفتح قنوات مع عدة جهات أمريكية وغيرها.
فيما بعد عاد إلى العراق وتولى منصب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق للفترة من عام 2001 وحتى منتصف عام 2004 بتكليف من قيادة "الاتحاد الوطني الكردستاني".
وأصبح بعد سقوط حكومة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في عام 2003 نائبا لرئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة بالنصف الثاني من عام 2004 ووزيرا للتخطيط في الحكومة الانتقالية في عام 2005 ونائبا لرئيس الوزراء في الحكومة العراقية المنتخبة (حكومة نوري المالكي) وتولى الملف الاقتصادي على رأس اللجنة الاقتصادية.
توج علاقته بواشنطن بتأسيسه في عام 2007 "الجامعة الأمريكية" في مدينة السليمانية التي يشغل منصب رئيس مجلس أمنائها حاليا.
رشح من قبل قيادة حزبه رئيسا للقائمة الكردستانية التي حققت الفوز في الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان خلال عام 2009 وكلف بتشكيل الحكومة للإقليم من عام 2009 إلى عام 2011.
في عام 2014 رشح مع فؤاد معصوم لشغل منصب رئاسة الجمهورية إلا أنه استبعد في انتخاب أُجري بينهما من قبل أعضاء الكتلة الكردية في مجلس النواب ليكون معصوم المرشح الوحيد للكتلة ولينتخب فيما بعد رئيسا للجمهورية حتى عام 2018.
انشق برهم عن "الاتحاد الوطني الكردستاني" في 2016، وقام بتأسيس "حزب تحالف من أجل الديمقراطية" الذي فاز بمقعدين برلمانيين في الانتخابات الأخيرة.
وكان حزبه الجديد يأمل في أن يحصد أصوات جميع المعارضين لهيمنة الحزبين الكرديين التقليديين على الحياة السياسية في الإقليم بما في ذلك أصوات أنصار "حركة التغيير" أو "حزب كوملة" لكن أداء حزبه كان متواضعا ولم يحصد سوى مقعدين في البرلمان.
غير أن صالح ما لبث أن عاد إلى قواعده القديمة وإلى بيته وحبه الأول، إلى "الاتحاد الوطني الكردستاني" بعد انتخابات عام 2018، وترك حزبه الجديد، بعد حصوله على ضمانات من "الاتحاد" بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
وأوائل تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، صوت البرلمان العراقي بتصويت سري لانتخاب رئيس الجمهورية، ولم يحسم الأمر من المرة الأولى، وفي جولة الإعادة الثانية تنافس المرشحان الأعلى في الأصوات برهم صالح وفؤاد حسين من حزب مسعود البارزاني "الديمقراطي الكردستاني". وقبل إجراء الجولة الثانية أعلن "الديمقراطي الكردستاني" سحب مرشحه إلا أن رئاسة البرلمان لم تقبل وجرت الجولة الثانية.
وانتخب برهم صالح رئيسا لجمهورية العراق بحصوله على 219 صوتا مقابل 22 صوتا لصالح حسين، وسجلت 24 بطاقة باطلة و7 فارغة، وأكدت كتل "سائرون" و"الفتح" و"القانون والحكمة" التصويت لبرهم.
واختير صالح ليكون بذلك الرئيس التاسع للعراق بعد نهاية حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في عام 2003. وبذلك يواصل "الاتحاد الوطني الكردستاني" احتكاره لمنصب رئاسة الجمهورية منذ عام 2005.
ويعد منصب رئيس الجمهورية رمزيا في العراق، ولكنه ضروري لتشكيل الحكومة. وفي أول قرار للرئيس الجديد، كلف "مرشح التسوية" عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة الجديدة.
وبموجب الدستور العراقي أمام الرئيس 15 يوما لدعوة مرشح أكبر كتلة برلمانية لتشكيل الحكومة، وسيكون أمام رئيس الوزراء المكلف مهلة 30 يوما لتشكيل حكومة وعرضها على البرلمان للمصادقة عليها.
وهو ما يتفق مع ما يقوله رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن "رئيس الجمهورية ينتخبه البرلمان، لكن رئيس الوزراء تختاره الكتلة الأكبر"، مبينا أنه ليس مع "مرشح التسوية". لأن "مرشح التسوية مخالف للدستور والقوانين"، بحسب قوله.
ويعد فوز صالح برئاسة العراق ضربة موجعة ومباشرة لمسعود البارزاني، مهندس الاستفتاء على "انفصال كردستان العراق" الذي جرى العام الماضي.
وكان البارزاني قد أصدر بيانا انتقد فيه عملية اختيار رئيس الجمهورية قال فيه: "ما يجري الآن لاختيار رئيس جمهورية العراق مخالف للأعراف المتبعة في انتخاب رئيس الجمهورية في الدورات السابقة، فكان ينبغي أن يتم اختيار مرشح كردي من أكبر كتلة أو أن تحسم الكتل الكردية الأمر".
وأضاف البيان: "الآلية المتبعة حاليا ليست مقبولة على الإطلاق، وسيكون لنا موقفنا منه قريب".
شرخ كبير في جدار أكراد العراق الذي يعاني بالأصل من تصدعات عميقة خلفه انتخاب صالح رئيسا للعراق، إذ يعتقد "الديمقراطي الكردستاني" أن مرشحه لرئاسة الجمهورية فؤاد حسين جرى "تجاهله".
و"يعتقد الحزب أنه خُدع من قبل بعض قوى بغداد، التي وعدته بدعم حسين، إلا أنها منحت أصواتها لمنافسه صالح". بحسب بيان الحزب.
وكان نواب "الديمقراطي الكردستاني" انسحبوا من جلسة التصويت لرئيس الجمهورية، على خلفية خسارة مرشحهم.
ولا تخلو سيرة برهم صالح من الشوائب والحرج الشديد، فقد خصصت الإذاعة الإسرائيلية، فقرة خاصة عن انتخابه رئيسا للعراق، مسلطة الضوء على "العلاقات الحميمة بينه وبين عدد من الإسرائيليين"، واشتراكه بمؤتمر "أيباك" في الولايات المتحدة.
وقال المستشرق والمؤرخ الإسرائيلي موطي زاكين: "ككل حركة تدرك أهمية الولايات المتحدة، انتدب برهم صالح لواشنطن، بعد انتهائه من إنجاز الدكتوراه في بريطانيا، من أجل توثيق العلاقات بين الجانبين، كنت حينها في أوج إعداد بحث عن الأكراد".
وأضاف: "في فترة إقامة برهم صالح هناك، عمل على إقامة علاقات مع أصحاب النفوذ في أمريكا، ومن ضمنهم يهود الولايات المتحدة، ما أدى إلى اطلاعه على نشاطات لوبي أيباك المؤيد لإسرائيل".
وأوضح زاكين المتخصص في شؤون الأقليات في الشرق الأوسط، وله دراسات عديدة عن تاريخ الأكراد وكردستان، أن "العلاقة مع يهود الولايات المتحدة كانت مهمة بالنسبة لبرهم صالح، ولكن لا أعتقد أن العلاقات مع إسرائيل كانت مهمة له".
لكن الصحافي الإسرائيلي عيران زنغر المتخصص بالشؤون العربية يؤكد أن "العلاقة مع إسرائيل لن تشرف برهم صالح بالتأكيد، ولكنها لن تضر به"، مذكرا بالصلاحيات الرمزية التي يمنحا الدستور العراقي لرئيس الجمهورية، المخصص للأقلية الكردية.
مهمة صالح لن تكون سهلة في ظل الشحن الطائفي الإقليمي، والتوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وإيران، والمعارك المفتوحة بين القوى الإقليمية في سوريا واليمن.
مهمة صالح ورفاقه في الحكومة هي إبعاد العراق عن أن يكون وكيلا لأي جهة خارجية أو أجنبية، وأن يغير الصورة النمطية للعراق بأنه ساحة أو حديقة خلفية لدول مجاورة.