نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" الأمريكية تقريرا، سلطت فيه الضوء على تداعيات قضية مقتل الصحفي السعودي جمال
خاشقجي على مسألة الخلافة في المملكة العربية
السعودية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن العاصفة التي شهدها
النظام الملكي في السعودية في الآونة الأخيرة، والتي أشعل فتيلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إثر الاشتباه بتورطه في عملية الاغتيال الوحشية التي طالت الصحفي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، بدأت تسير نحو الهدوء النسبي.
وقد كان إرسال المدعي العام سعود المجيب إلى تركيا للتحقيق في هذه القضية محاولة لإسكات الأصوات الدولية المطالبة بتقديم توضيحات حول ما حصل في مقر القنصلية. لكن، اتضح في نهاية الأمر أن الهدف من وراء هذا التحقيق يتمثل في معرفة المعلومات التي في جعبة السلطات التركية.
وأفادت الصحيفة بأنه، وفقا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية والعديد من الوكالات الغربية الأخرى، وُجهت أصابع الاتهام في هذه القضية كلها نحو أعلى هرم السلطة في البلاط الملكي. ولكن بعيدا عن مطالب تحقيق العدالة في حادثة مقتل خاشقجي، سلطت هذه القضية الضوء على خفايا أسلوب عمل النظام الملكي الذي أعطى الصلاحيات المطلقة في عملية صنع القرار لولي العهد، الذي أصبح الحاكم الفعلي للمملكة. وفي ظل هذا الوضع، أصبح هناك هواجس حقيقية حول مستقبل المملكة بعد أن استولى محمد بن سلمان على دواليب الحكم وسيطر بشكل كامل على تسيير شؤون المملكة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الملك سلمان، البالغ من العمر 82 سنة، ألغى في مناسبتين خلال هذه السنة قرارات كان قد اتخذها نجله. فقد علق في مناسبة أولى خطة طرح شركة النفط الحكومية، أرامكو السعودية، للاكتتاب العام، بالإضافة إلى أنه أعاد تأكيد الدعم العربي لدولة فلسطين، وعاصمتها القدس. وتجدر الإشارة إلى أن الأمير محمد بن سلمان قد لمح للأمريكيين والإسرائيليين بأن بلاده ليس لديها أي مشكلة إزاء الاعتراف الضمني للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، بعد أن نقل السفارة بلاده إليها.
وأكدت الصحيفة أنه في ظل الأخطاء التي ارتكبها محمد بن سلمان منذ توليه منصب ولي العهد، كان يجدر بالعائلة المالكة استعادة الدور الذي كانت تضطلع به في السابق، والذي يرتكز أساسا على اتخاذ القرارات بالإجماع والتنسيق فيما بينها. لقد استحوذت قضية خاشقجي، كغيرها من القضايا الأخرى، على اهتمام العائلة المالكة بسبب الضغط الدولي، وليس بسبب النقاشات الداخلية التي تمت بين أفرادها. وقد كان لهذه القضية تداعيات كبيرة على مسألة نظام الخلافة على العرش المتبع ومستقبل بيت آل سعود كله.
ومن المرجح أن يخلف الأمير محمد والده المسن في المستقبل القريب، إلا أنه خسر لقب "المصلح" بسبب جريمة القتل التي، وبغض النظر عن وحشيتها، تعد عملية تنم عن قمة الغرور وغياب الكفاءة. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال ولي العهد يعتمد على دعم الرئيس الأمريكي له. وفي الوقت الذي يهدد فيه دونالد ترامب بـتسليط "عقوبة مشددة" على السلطات السعودية، يبدو أنه يحاول أن يمتص غضب الكونغرس لاحتواء مواقفهم الساخطة إزاء حليفه في المنطقة.
وذكرت الصحيفة أن ولي العهد السعودي سيواجه مشاكل عديدة في حال تخلت الولايات المتحدة عن دعمه. فمن الواضح أن الإدارة الأمريكية مصممة في دعوتها إلى إنهاء الحرب التي تقودها السعودية في اليمن. وفي حال تجاهل التحالف الذي تقوده السعودية قرارات واشنطن، من المرجح أن يصوت الكونغرس لتعليق جميع مبيعات الأسلحة إليها.
علاوة على ذلك، يبدو أن الإدارة الأمريكية ستعيد النظر في خطتها لإنهاء الحصار الذي تفرضه السعودية على قطر. وتدعي السعودية أن هذه الإمارة الخليجية تدعم الإرهاب في العديد من المناطق في العالم، كما تجمعها علاقات وطيدة مع منافستها إيران. من جهتها، أقنعت الإدارة الأمريكية قطر بتوقيع ميثاق لمكافحة الإرهاب في وقت مبكر من هذه السنة، وهي الآن في وضع يخول لها أن تطلب من السعودية القيام بالأمر نفسه.
وأحالت الصحيفة إلى أن الاعتقاد السائد بأن المملكة العربية السعودية تمثل حجر الزاوية ضمن السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، بدأ يتداع، خاصة أنها لا تضاهي منافستها إيران على المستويين العسكري والأيديولوجي. لقد شتت الممارسات الغريبة المارقة التي أقدمت عليها السعودية مؤخرا، التركيز على القضية الرئيسية في المنطقة، ألا وهي الحد من المساعي الإيرانية لبسط نفوذها. فضلا عن ذلك، ساهمت هذه القضية في تراجع جهود السلطات الأمريكية في محاربة تنظيم الدولة.
من جهة أخرى، يبدو أن حزمة العقوبات الاقتصادية التي سلطتها الإدارة الأمريكية على إيران، والتي دخلت حيز التنفيذ خلال هذا الأسبوع، قد وقع التخفيف من حدتها. لكن البيت الأبيض ظل مصرا حتى الآن على عدم تقديم تنازلات بالنسبة للدول التي تستورد كميات كبيرة من النفط والغاز الإيراني.
وفي الختام، ذكرت الصحيفة أن سياسة محمد بن سلمان في المنطقة شهدت تعثرا واضحا بسبب الأخطاء التي قام بها، إلا أنه يبقى حليفا بارزا للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وفي ظل الضغوط الدولية، من المهم أن تعيد العائلة المالكة الموسعة النظر في دورها الأساسي الذي حادت عنه.