وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "محنك في شؤون الشرق الأوسط"، فيما اختار نائب مستشار الأمن القومي السابق جون هانا، أن يطلق عليه "النسخة الأمريكية من لورنس العرب".
توقيت تعيينه سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة العربية
السعودية يبدو مناسبا وفقا لآراء متوافقة لمحللين ونخب أمريكية. فهو أمام عملية جراحية عاجلة، وهي ترميم العلاقات السعودية الأمريكية التي تواجه أزمة بعد أن أثبتت قناة "كوشنر- محمد بن سلمان" فشلها، وبأنها غير قادرة على ضخ مزيدا من الدفء في أوصال العلاقة بين واشنطن والرياض المحتضرة حاليا.
صاحب المهمة الطارئة،
جون أبي زيد، المولود في عام 1951 في كاليفورنيا، هو حفيد مهاجرين لبنانيين مسيحيين هجرا إلى
الولايات المتحدة من قرية مليخ في قضاء جزين في جنوب لبنان في عام 1915.
اهتم والده ، الذي كان يعمل ميكانيكيا في البحرية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، بتربيته بعد أن توفيت والدته بالسرطان وهو طفل صغير.
تخرج من "الأكاديمية العسكرية الأمريكية" في "ويست بوينت" في نيويورك في عام 1973، وحصل على ماجستير في دراسات الشرق الأوسط من جامعة "هارفارد"، وأعد خلال دراسته في " هارفارد" أطروحة حول الشرق الأوسط وآليات اتخاذ القرار في السعودية، في المجال الدفاعي، ثم قضى فترة دارسا في "الجامعة الأردنية" بعمان.
في أثناء دراسته في الأكاديمية العسكرية الأمريكية (وست بوينت) في نيويورك كان زملاؤه يطلقون عليه اسم "العربي المجنون". كما تشير بعض التقارير الصحفية.
بدأ مهنته العسكرية في عام 1970، مع فرقة المشاة المظلّية، واختير في العام نفسه من بين "وحدات النخبة" لتدريب القوات الخاصة الأردنية.
قاد في عام 1983 مجموعة من وحدات خاصة خلال الغزو الأمريكي لجزيرة غرينادا، كما قاد في عام 1991 أحد ألوية "الفرقة 325" التي أدت دورا رئيسيا في عمليات ما تعرف بـ"بروفايد كومفورت" في حرب الخليج.
كما تولى أبي زيد في عام 1991، قيادة فرقة من المظليين نفذت عمليات أمنية في إقليم كردستان العراق ضد القوات العراقية خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين. الأمر الذي اضطره لإنشاء شبكات استخبارية بالقرى الكردية وتحويل فرقة عسكرية مدربة للقتال إلى "فرقة لحفظ السلام"، في منطقة تواصلت فيها المواجهات بين الجيش العراقي والمقاتلين الأكراد.
وقاد أيضا في عام 1999 فرقة "المشاة الأولى" التي أدت دورا مركزيا بالحرب في كوسوفو.
المنصب الأكبر في مسيرته العسكرية كان توليه قيادة "القيادة الوسطى الأمريكية"، التي تشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في 27 منطقة، من القرن الأفريقي، شبه الجزيرة العربية، إلى جنوب آسيا وآسيا الوسطى، وتغطي معظم أنحاء الشرق الأوسط وتشرف على 250.000 فرد أمريكي.
وسيكلفه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن بالذهاب إلى قاعدة "العديد" في قطر عام 2003، وكان ذلك قبل بيومين فقط من الغزو الأمريكي للعراق.
وفي عام 2003، تسلم أبي زيد مهامه في "القيادة المركزية للقوات الأمريكية" المسؤولة عن غزو قوات بلاده للعراق.
وبعد توليه مهامه على رأس القيادة الأمريكية الوسطى، عُرف عن أبي زيد احتواء كافة شرائح المجتمع العراقي، ولقاءاته بهم، من سياسيين، وعسكريين، وشيوخ قبائل، وفصائل شعبية قاتلت عناصر تنظيم "القاعدة" إلى جانب القوات الأمريكية.
واعتمد أبي زيد في العراق استراتيجية مثيرة للتساؤل تقضي تدريجيا على المقاومة العراقية في محافظات العراق الشمالية والشرقية والغربية ذات الغالبية السنية، حيث تشكلت أثناء قيادته ما عرف حينها بقوات "الصحوة"، وهي فصائل مسلحة سنية دربت للانخراط في مواجهة " القاعدة". وتولى الجنرال دايفيد بترايوس، فيما بعد الموقع خلفا للجنرال أبي زيد في عام 2008.
لكن بترايوس حينما كان يشكل ويدير هذه الفصائل العشائرية حتى في مناطق محيط بغداد بحجة تقنينها رسميا وتوليها حفظ الأمن في البلاد، لم يشكل شيئا من هذا في المناطق الشيعية التي تسيطر عليها مليشيا "جيش المهدي" التابعة لمقتدى الصدر، أو حتى المليشيات الشيعية المرتبطة بالأحزاب السياسية ورئاسة الوزراء، حينما كان نوري المالكي رئيسا للحكومة.
خطوات بترايوس باحتواء ما يسميه "التمرد السني" في العراق انتهت إلى تسليم قوات "الصحوة" السنية إلى الحكومة العراقية بقيادة المالكي، التي بدأت بتصفية رموزها من اعتقال وتعذيب وإخفاء وإعدام؛ بحجة الانتماء للفصائل "الإرهابية".
ومنذ ذلك الحين، ارتبط بذاكرة العراقيين " السنة" أن قيادة القوات الأمريكية التي كان بتزعمها أبي زيد، ومن ثم بترايوس، كانوا على اطلاع واسع على التدخلات الخارجية في العراق، وبدهاء أبعدوا بغداد عن محيطها العربي بعد استدراج العشائر السنية التي وجدت نفسها لاحقا أمام نفوذ أحزاب شيعية موالية لإيران تتحكم بكافة مفاصل الدولة العراقية.
وبعد نحو 34 عاما من الخدمة العسكرية تقاعد أبي زيد في عام 2007.
وفي عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، قدم أبي زيد في عام 2016 استشارات لوزير دفاع أوكرانيا، وقال "البنتاغون" آنذاك إن أبي زيد يقدم استشارات لأوكرانيا في سعيها لإصلاح وتحديث قواتها المسلحة، ليقترب مستوى جيشها من جيوش حلف شمال الأطلسي.
وبحسب بيان للبيت الأبيض صدر أخيرا، يعمل أبي زيد حاليا مستشارا لشركة "جيه. بي أسوسييتس" وزميلا زائرا في مركز "هوفر" بجامعة "ستانفورد"، ومديرا لـ"مركز محاربة الإرهاب" في أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية.
وأعاد إعلان الرئيس الأميركي
ترامب تعيين جون أبي زيد سفيرا لدى السعودية، الجنرال المتقاعد إلى الواجهة من جديد.
ويتعين على أبي زيد الحصول على موافقة مجلس "الشيوخ" على تعيينه هذا، قبل أن يتسلم مهامه الدبلوماسية الجديدة.
وكان ترامب ترك العديد من المناصب شاغرة في إدارته، لكن ارتدادات عدم وجود
سفير للولايات المتحدة في الرياض برزت واضحة خلال الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين واشنطن وحليفتها التقليدية في الشرق الأوسط، على خلفية جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول، في تشرين الأول / أكتوبر الماضي.
في وقت تتصاعد فيه ضغوط المؤسسات التشريعية والأمنية والسياسية الأمريكية على الرياض، على خلفيّة قتل خاشقجي والحرب في اليمن، وتزايد الانتهاكات الحقوقية ضد الموقوفين، بحسب ما يتردد في وسائل الإعلام الأمريكية.
ويرى الباحث في "معهد بروكينجز" بروس أو ريدل، أن أبي زيد "خيار ممتاز" لشغل منصب سفير واشنطن لدى السعودية. واتفق معه رونالد نيومان، وهو سفير سابق في أفغانستان ورئيس "الأكاديمية الأمريكية للدبلوماسية"، قائلا إنه: "ترشيح جيد لأنه على دراية واسعة بشؤون المنطقة".
ويعتقد البعض أن اختياره سفيرا إلى الرياض يأتي لتعزيز الشراكة العسكرية بين الولايات المتحدة والسعودية.
وتنقل صحيفة "نيويورك تايمز"، عن أشخاص مطلعين، قولهم إن إدارة ترامب درست على مدى عدة أشهر، قضية ترشيحه سفيرا لدى السعودية، وقول أحدهم إن أبي زيد رفض هذا المنصب مرتين، قبل قبوله.
وفي هذا الإطار، قال بروس أو ريدل الباحث في معهد "بروكينغز"، عن ترشيح أبي زيد للمنصب، "خيار ممتاز فهو من ذوي الخبرة عن المملكة، لكنه يواجه تحديا غير مسبوق في التعامل مع ولي العهد الذي تتعرض سمعته للتفكك، وبشكل ربما لا يمكن إصلاحه".
وفي السياق، يقول جيرالد فييرستين، وهو سفير سابق في اليمن، إنّ اختيار أبي زيد أظهر أن ترامب يواصل تفضيل الضباط العسكريين، لشغل مناصب دبلوماسية عليا، مستدركا بالقول "لكن أبي زيد ليس اختيارا سيئا وقد يكون له بعض النفوذ مع السعوديين".
وبعد ترشيح ترامب له، يُطرح التساؤل حول إمكانية أن يمثل أبي زيد "حمامة سلام" تنقل الرياض إلى بر الأمان؟ أم أنه سينقل تجربة "الصحوات" ونتائجها في العراق إلى بلد جديد!. الأيام المقبلة كفيلة في كشف حقيقة نوايا ترامب.