قضايا وآراء

إلى أين يقود ابن سلمان السعودية؟

عبير كايد
1300x600
1300x600
إن كل من يعتقد أن قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي قد طويت وأصبحت اليوم فقط أوراق ضغط سياسية لابتزاز السعودية؛ فهو على خطأ، بل ويجهل تداعياتها الإقليمية والدولية على صورة السعودية دوليا، ومكانتها الجديدة التي حددتها دول كبرى بين دول العالم!

ومن يعتقد أن قضية الاغتيال أصبحت أوراق ضغط سياسية بيد كل من تركيا والاتحاد الأوروبي، فعليه أن ينظر للكونجرس الأمريكي الذي يقف بأغلبيته ضد ترامب، وينتقده بشكل شبه يومي بسبب مواقفه المعادية لمؤسسات دولته ومصداقيتها، والوقوف بجانب ولي عهد لدولة أجنبية وتصديق روايته، وذلك عبر التستر عليه وغض الطرف عن دوره الحقيقي.

أمريكا دولة مؤسسات وموازنة بين القرارات والسلطات، بمعنى أن الموقف من قضية اغتيال خاشقجي باعتبار القيم الأمريكية أهم من صفقات السلاح، كما يقول أعضاء بارزون في الحكومة الأمريكية، لذا فالأمر لن يمر مرور الكرام!

وهذا إضافة - بالطبع - إلى تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) التي تؤكد صدور الأوامر بقتل خاشقجي مباشرة من ولي العهد بن سلمان، وأنه تم رصد مكالمات هاتفية لشقيقه، السفير السابق للسعودية لدى واشنطن خالد بن سلمان، للتنسيق لاستدراج خاشقجي إلى إسطنبول، كما تؤكد سي آي إيه أن فريق الاغتيال الذي قام بالعملية هو من الحلقة المقربة جدا من ولي العهد، وبعض أفراده كانوا قد سافروا معه خلال جولاته الخارجية.

لذا، فمن يعتقد أن القضية طويت يكون على خطأ. بل على العكس، أخذت مسارا جديدا، خاصة أن الرئيس ترامب ربما يكون متورطا مع ابن سلمان على خلفية قضايا مالية وصفقات شخصية وتضارب للمصالح، مما يعزز ربما من فرضية هذا التورط لاعتبارات شخصية.

ومحاولة السعودية تمييع القضية وعدم التعاون مع القضاء التركي وعدم الإجابة على كل حيثيات الاغتيال ومصير الجثة، والإصرار على عدم الإفصاح عن مصير جثة خاشقجي والوقوف على نظرية سُلمت لمتعاون محلي، ستزيد من الطين بلة.

فقد أظهرت التحقيقات التركية والتسجيلات أن جثة خاشقجي قطعت، وقد طُلب رأس خاشقجي للرياض وبأوامر عليا. إذن نتساءل اليوم: أين رأس خاشقجي الذي طلبته السعودية بقيادة ولي العهد بن سلمان؟ وماذا فعلوا به ومن نقله إلى الرياض؟ وإذا اعترفت السعودية بقتله وتقطيع جثته، حسبما قال المدعي العام السعودي شلعان الشلعان، فلماذا لا تستكمل التحقيقات مع الجناة وتقول أين رأس خاشقجي؟ ومن الذي طلبه؟ إذا كانت السعودية كما تزعم فيها قضاء مستقل ونزيه، لماذا لا تستكمل التحقيقات وتستنطق الجناة قبل إعدامهم، وتنتزع اعترافات منهم بمصير رأس خاشقجي وماذا فعلوا بجثته، وبعيدا عن التحقيقات التركية التي تقول إن جثة جمال ربما تمت إذابتها بالأسيد لوجود بقايا حامض الفلوريك؟!

وكيف تمت إذابة جثته؟ نعم السؤال ربما يكون صعبا جدا أخلاقيا، لكن يجب معرفة تفاصيل الجريمة، ولماذا شنّعوا بالجثة بهذه الطريقة اللاإنسانية، كون الجريمة من أبشع ما يشهده العصر من جرائم بحق إنسان، بغض النظر عن وظيفته وآرائه، وعن الحيثيات والأسباب التي أدت إلى قتله بهذه البشاعة والفظاعة؟! ولماذا تصر السعودية على إخفاء حقيقة مصير جثة جمال خاشقجي ورأسه؟

استمرار التمييع السعودي لن ينفع!

بسبب تمييع السعودية لقضية جمال خاشقجي وإصدار روايات مهترئة وعبثية، انهالت عليها كمية كبيرة من الانتقادات العالمية. فلم تسلم السعودية من الانتقادات، سواء في التشكيك بمكانتها الروحية للمسلمين كونها قبلة المسلمين، أو في حقيقة الدين الإسلامي الحنيف الذي يطبق فيها، كونها بلاد الحرمين ومهبط الرسل، إلا أنه اليوم يتولى قيادتها ولي عهد برتبة سفاح لا ينسجم مع هذه الصورة الدينية العظيمة لدولة لها ثقل ديني! فأصبح السؤال عن خلفية هذه الشخصية المتهورة أمرا مشروعا على كل قنوات الإعلام الغربي والعربي، أيضا مواقع التواصل الاجتماعي.

العالم والساسة والجميع اليوم يجردون سياسة ابن سلمان منذ عامين، ويرى البعض أنها لا تناسب العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين السعودية والقوى العظمى والعرب، وبالذهاب بعيدا إلى مشروع ابن سلمان الإصلاحي الذي يراه الكثيرون مزيفا وملطخا بالاعتقالات التعسفية والقتل تحت التعذيب في الريتز كارلتون، واحتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في الرياض، مرورا بحرب الإبادة والاحتلال لليمن مع شريكته، الإمارات.

هكذا، سقطت السعودية سياسيا وأخلاقيا ودوليا بسبب التهور الدموي الذي يقوده ولي عهد مارق، والذي يعتبر نفسه (بأمواله ونفطه) فوق القانون الدولي والدستور الأمريكي، ويستطيع شراءهما عبر ترامب.. والذي يشجع ابن سلمان على التمادي بهذه الوقاحة؛ هو ترامب الذي يرفض الاعتراف بمسؤولية ولي العهد، فهل هذا الثراء وتدفق الأموال على ترامب وعائلته يمنح ابن سلمان غطاءً لمواصلة جرائم لا تتوقف عند مقتل خاشقجي فحسب، بل تتخطى إلى انتهاك الدستور الأمريكي وربما إعطاء رشوة مالية لترامب؟ وبسبب تضارب المصالح الشخصية معه، يصر ترامب على عدم رؤية الحقيقة، والتشكيك بوكالة الاستخبارات الأمريكية وأعضاء في الكونجرس. وما دور وزير خارجيته بومبيو الذي ذهب ليعطي مخططا لابن سلمان للخروج من الأزمة؟

جولة السقوط!

تأتي جولة السقوط لابن سلمان إلى دول عربية مؤيدة للسعودية، وهي الأولى له بعد مقتل خاشقجي، في وقت يدرك الجميع أن السعودية بأمسّ الحاجة إلى هذا الدعم الخليجي والعربي السياسي كونها سقطت سياسيا لدى الغرب، وبسبب ما تواجهه من انتقادات عربية شعبية (وحكومية واحدة فقط من من جمهورية الجزائر).

أما الجامعة العربية، فكان لها ردة فعل مبكرة تستبق الأحداث، فكان خطابها باهتا في بداية الأزمة، ووقفت مع السعودية ضد الهجوم العالمي عليها، وكأن قضية مقتل خاشقجي بنظر الجامعة العربية هي هجوم على السعودية، ولَم تذكر حتى اسم خاشقجي في خطابها! وهذا جزء من سياسة الجامعة العربية بأن المواطن العربي بلا أي قيمة، وإنما دور الجامعة العربية الحقيقي في الحفاظ على الأنظمة الفاشية بينها! وقد تناست جامعة الدول العربية أن من جلب هذا الهجوم والتنديد ضد السعودية هي أفعال ولي العهد المارق الذي يقود البلاد فعليا، وليس الشعب السعودي ولا حتى الملك سلمان.

ومن الطبيعي أن تبحث السعودية عن دعم عربي بعد سقوطها السياسي والأخلاقي والاستراتيجي دوليا! نعم، للأسف السعودية التي كانت تصدر للعالم بأسره، وخصوصا العربي، صورة إيجابية؛ باتت الآن على المحك، وكانت تتفاخر تاريخيا بدعمها المادي فقط للقضية الفلسطينية، لكنه ولّى إلى غير رجعة، خصوصا مع دفاع نتنياهو علنا عن ابن سلمان وزياراته المتوقعة إلى الرياض، قريبا كما أشارت بعض التسريبات!

والسعودية التي منحت لعقود المساعدات الإنسانية للشعوب المتضررة في أفريقيا أو الوطن العربي، تنسى اليوم أن الشعوب تضررت من أموال النفط التي تدعم التطرف وتموله، ومن ذلك المدارس الدينية المتطرفة في أفغانستان أو باكستان أو أفريقيا. فاليوم مساعداتها تم طمسها ونسيانها مع اغتيال خاشقجي بهذه الطريقة البشعة، فهي بلا قيمة بعد اليوم، بعد أن انكشف الوجه الحقيقي للقادة فيها.

كما أن هذا السقوط الذي أصبح جليا في أروقة الكونجرس الأمريكي، عبر الإهانات المباشرة من قبل أعضاء بارزين فيه لولي العهد بن سلمان واتهامه المباشر، واستخدام عبارات تدل على تحجيم المؤسسة التشريعية لدور السعودية في المستقبل القادم، يدل على السقوط السعودي، السياسي والأخلاقي.

وكذلك والاتحاد الأوروبي ترجم تحجيمه للسعودية عبر تجميد وإلغاء صفقات للأسلحة ومعاقبتها على سلوكها في الحرب في اليمن، كما تعتبر الأغلبية الأوروبية أن الحرب على اليمن غير شرعية وقمعية، هدفها إضعاف اليمن لاحتلاله تدريجيا، وليست تهديد إيران بالمنطقة وحصر تمددها هناك. وقد أدت هذه الحرب إلى تشريد الآلاف، وانتشار المجاعة ووباء الكوليرا!

تركيا والتدويل

كما أن تركيا التي وقعت الجريمة على أراضيها؛ من حقها مقاضاة القتلة ومن أمرهم بالجريمة. وقد أدى الرفض المستمر من قبل السعودية لتسليم الجناة للقضاء التركي، لتلميح أنقرة لمقاضاة المتهمين دوليا عبر مجلس الأمن. فهل سيكون سقوط ابن سلمان حتميا لو واصلت تركيا تهديدها بالتوجه لمجلس الأمن ومعاقبة القتلة ومن أمرهم؟ وهل سيقود ذلك لإصدار مذكرة بحق ولي العهد بن سلمان واعتقاله في أي دولة تسمح قوانينها بذلك؟

أما روسيا التي كانت حريصة منذ البداية على محاباة السعودية، فتعتبر الجريمة أزمة آنية، كون سياساتها ضد المعارضين لا تختلف عن السعودية في اعتقال وتعذيب المعارضين لنظامها. فهل ستتشكل أقطاب جديدة في المنطقة على خلفية اغتيال خاشقجي؟ وهل ستنتصر القيم والدساتير أم أن عالم السياسية ما هو إلا براميل نفط وأموال تمنح لتغطية العيوب الخلقية للحاكم المستبد وجرائمه عابرة القارات؟
التعليقات (1)
شكرًا استاذة عبير
الأربعاء، 28-11-2018 01:50 ص
مقال رائع جداً