شهدت
فرنسا في الأيام الأخيرة
مظاهرات غاضبة أطلقتها حركة "السترات الصفراء"، احتجاجا على زيادة أسعار الوقود ونظام الضرائب في البلاد، وتحولت في بعض الأحيان إلى أعمال عنف واشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين، وسط تساؤلات حول من يقف وراء الحركة ومن يحركها.
هناك من يلفت الانتباه إلى أن هذه
المظاهرات تفجرت بعد مطالبة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بإنشاء جيش أوروبي موحَّد لمواجهة روسيا والصين والولايات المتحدة، وتأكيده على أن أوروبا يجب أن تحد من اعتمادها على القوة الأمريكية في الدفاع عن القارة العجوز. ويرى هؤلاء أن إشعال الشوارع الفرنسية يهدف إلى "تأديب ماكرون"، وأن الرئيس الفرنسي يعاقَب بسبب محاولة التمرد على الهيمنة الأمريكية.
أحداث غزي باركي التي هزت تركيا وكادت أن تطيح بالحكومة التركية قبل أكثر من خمس سنوات؛ ما زالت تداعياتها تتواصل، وتنكشف أسرارها
المظاهرات الفرنسية، بغض النظر عن الجدل الدائر حول من يقف وراءها، أعادت إلى أذهان الأتراك "
أحداث غزي باركي"، والمظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها إسطنبول وبعض المدن التركية الأخرى في صيف 2013. وكانت المظاهرات انطلقت آنذاك بحجة الاحتجاج على قطع أشجار في الحديقة التي يطلق عليها "غزي باركي" في منطقة تقسيم بمدينة إسطنبول، إلا أن مطالبات المتظاهرين سرعان ما توسعت، وشملت وقف العمل في مشاريع تنموية استراتيجية، مثل الجسر الثالث ومطار إسطنبول الجديد وقناة إسطنبول.
أحداث غزي باركي التي هزت
تركيا وكادت أن تطيح بالحكومة التركية قبل أكثر من خمس سنوات؛ ما زالت تداعياتها تتواصل، وتنكشف أسرارها، الأمر الذي دفع "مؤسسة المجتمع المفتوح" التي يملكها رجل الأعمال والمضارب اليهودي الأمريكي الشهير
جورج سوروس؛ إلى إنهاء عملياتها في تركيا.
هيئة التحقيق التركية في الجرائم المالية "ماساك"؛ كشفت في تقاريرها عن تلقي رجل الأعمال التركي المعتقل، عثمان كاوالا، 13 مليونا و526 ألفا و703 دولارات أمريكية من مؤسسة المجتمع المفتوح، ما بين عامي 2011 و2017، وأن مبلغا قدره 500 ألف دولار وآخر بذات القدر تم تحويلهما من مؤسسة المجتمع المفتوح إلى كاوالا؛ الأول قبل 12 يوما من اندلاع أحداث غزي باركي، والثاني في ذروة الاحتجاجات. وكان كاوالا قد اعتقل في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 بمطار أتاتورك في إسطنبول، بتهمة محاولة إسقاط الحكومة المنتخبة، وقلب النظام الدستوري، وتمويل المنظمات الإرهابية والمجموعات اليسارية المتطرفة خلال أحداث غزي باركي، بالإضافة إلى المشاركة في اجتماعات عقدها الباحث الأمريكي ومدير برنامج الشرق الأوسط في مركز ولسون للدراسات في واشنطن، "هنري باركي"، مع أجانب آخرين في جزيرة ببحر مرمرة لدعم محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها ضباط موالون لجماعة كولن في 15 تموز/ يوليو 2016.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، في خطاب ألقاه قبل حوالي أسبوع خلال الاجتماع الــ48 مع المخاتير، اتهم الملياردير، المجري الأصل الأمريكي الجنسية، جورج سوروس، بالوقوف وراء أحداث غزي باركي. وقال: "الشخص الذي موّل الإرهابيين خلال أحداث غزي باركي موجود في السجن. ومن يقف خلفه؟ إنه اليهودي المجري الشهير سوروس. هذا الرجل يجنِّد أشخاصا لبث الفرقة بين الأمم وتدميرها".
مؤسسة المجتمع المفتوح ترفض اتهامات الرئيس التركي، وتدَّعي بأن أنشطتها في تركيا كانت في إطار القانون، إلا أنها قررت تصفية أعمالها في تركيا والهروب من البلاد بعد انكشاف أمرها وظهور أدلة دامغة تؤكد تورطها في محاولات الانقلاب الفاشلة.
وسائل الإعلام الأوروبية خلال أحداث غزي باركي؛ تبث على مدار الساعة تقارير عن المظاهرات التي خرجت في إسطنبول وأنقرة وغيرهما، إلا أن معظمها تتحاشى اليوم تسليط الضوء على المظاهرات التي تشهدها فرنسا
كانت وسائل الإعلام الأوروبية خلال أحداث غزي باركي؛ تبث على مدار الساعة تقارير عن المظاهرات التي خرجت في إسطنبول وأنقرة وغيرهما، إلا أن معظمها تتحاشى اليوم تسليط الضوء على
المظاهرات التي تشهدها فرنسا، ولا تنقل من أحداثها إلا قليلا، في تضامن مع باريس. ومع ذلك، مشاهد العنف الذي تستخدمه الشرطة الفرنسية ضد المتظاهرين تصل إلى أنحاء العالم بفضل مواقع التواصل الاجتماعي.
تركيا أعربت عن قلقها من استخدام الشرطة الفرنسية القوة الخشنة والمفرطة ضد المتظاهرين. ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حامي آكسوي، السلطات الفرنسية إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان سلمية المظاهرات وسيرها وفقا للمعايير الديمقراطية، وحل المشاكل الداخلية عن طريق الحوار، وضمان أمن أبناء المجتمع التركي في فرنسا، مشيرا إلى أن فرنسا تضم جالية تركية تقارب 700 ألف نسمة.
أنقرة لديها خبرة واسعة في الكشف عن أسرار مثل هذه المظاهرات، والقوى التي تحركها، ومن المؤكد أنها لن تبخل في مساعدة فرنسا في مكافحة أعمال الشغب، إن أرادت باريس أن تستعين بهذه الخبرة، لإخماد الحرائق قبل أن تحرق شوارعها.