هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.
لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.
يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.
نفتح اليوم ملف الحركة الإسلامية في السودان، منذ بداياتها الأولى حتى وصولها إلى الحكم عام 1989، وما تلا ذلك من تطورات فكرية وسياسية سواء داخل البناء التنظيمي أو إزاء العلاقة مع باقي مكونات المشهد السياسي المحلي والإقليمي والدولي.
المادة الأولى، هي عبارة عن تقرير أعده الإعلامي السوداني خالد سعد خصيصا لـ "عربي21"، عن تجربة إسلاميي السودان بعيون قياداتها والخبراء المعنيين بملف الإسلام السياسي في السودان والمنطقة.
إسلاميو السودان.. قصة النشأة والمعارضة والحكم (1من3)
يُثير استمرار الإسلاميين في السلطة بالسودان، العديد من الأسئلة بشأن التحالفات السياسية المحلية التي استطاعت عبرها الحركة الإسلامية البقاء في الحكم قرابة ثلاثة عقود، فقد بدأ المناصرون ينظرون إلى تجربة الإسلام السياسي في السودان وكأنها معجزة في عالم يكره هذا التوجه، بينما يعتبرها آخرون ـ وبينهم إسلاميون ـ تجربة مشوهة لأفكار التيارات الإسلامية الطامحة إلى لعب دور في السياسة، في حين ما يزال العلمانيون يصفون إسلاميي السودان بـ "إخوان الشياطين".
نظرة تأريخية:
تجلس الحركة الإسلامية في السودان على إرث طويل منذ أربعينات القرن الماضي، إذ بدأت عبر مجموعة من الطلاب بمسمى حركة الإخوان المسلمين كامتداد لنشاط مشابه في مصر وكرد فعل على تمدّد التيار الشيوعي في البلاد، وعرفت بعد ذلك بجبهة الميثاق الإسلامي في الفترة 1965/ 1969م، كما اشتهرت في الجامعات باسم "الاتجاه الإسلامي" ثم في الفترة 85/1999م اختارت اسم الجبهة الإسلامية القومية، وفي جميع الحالات كانت الحركة الإسلامية "الإخوان المسلمون" هي النواة الأساسية لهذه التحالفات.
يقول الأكاديمي المعروف والمؤرخ للحركة الإسلامية بروفسور حسن مكي لـ"عربي21": "إن الحركة منذ نشأتها أعطت أولوية في عملها وخطابها للتربية التنظيمية المتصلة بمشروع تغيير سياسي، لكن يلاحظ أن خطاب الحركة ظل قائما على أدبيات الحركات الإسلامية ومركزا على شعار الإسلام دين ودولة وتحكيم الشريعة والمطالبة بالدستور الإسلامي والعمل المنبري وخوض الانتخابات في أجواء الحريات والديمقراطية".
وأوضح مكي أن فكرة التحالفات نشأت داخل الحركة الإسلامية مع ظروف الحكومات العسكرية، فكانت الحركة تلجأ إلى التحالفات مع الأحزاب والكتل الوطنية الكبيرة، وانخرطت في معارك عسكرية ولكن تحت مظلة الأحزاب التقليدية المعروفة، كما تحالفت مع نظام الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري ابتداء من عام 1978م/ 1984م حينما أعلن بصورة دراماتيكية تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان عام 1983".
بيد أن عبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق وهو من قدامى الإسلاميين يشير إلى أن فكرة "التحالفات" قديمة لدى الإسلاميين، وأن أول تحالف بين الشيوعيين والأخوان سنة 1945 باسم "جبهة مكافحة الديكتاتورية العسكرية" عندما أقالت مصر محمد نجيب وضربت حركة الإخوان المسلمين وحركة الشيوعيين في مصر، وأعدموا خميس والبطل بالمحلة الكبرى، وأعدموا عبدالقادر عودة والاخوان الآخرين في مصر".
وإضافة للصدمة التي تعرض لها الاسلاميون المتشددون ضد اليسار بعد التحالف التاريخي بين الشيوعيين والإخوان، عاد الإسلاميون بقيادة الراحل الدكتور حسن الترابي للانخراط في تحالف جريء ومفاجئ في العام 1967م مع حزب "سانو" الاتحاد الوطني الافريقي، وحزب الأمة بقيادة الصادق المهدي بهدف نسف الإئتلاف التقليدي في السياسة السودانية حزب الأمة بزعامة الإمام الهادي المهدي والاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني.
ويتفق كثير من الذين استطلعت رأيهم "عربي21" على أن هذه التحالفات التاريخية المرحلية مهدت للإسلاميين في السودان الطريق أمام الإنخراط في أي تحالف يسهم في توسيع مشاركتهم في السلطة أو مواجهتهم لعدو مشترك مع آخرين، وأن الإرث القديم كان مسهلا لإيجاد المبررات الفقهية لإقامة تحالفات متناقضة في توجهاتها الأيدولوجية.
بيد أن المحبوب عبد السلام الذي كان قريبا من مؤسس حركة الإسلام السياسي في السودان الراحل الدكتور حسن الترابي، يقول: "إن فكرة الحرية والمشاركة والتعددية ظلت مركزية في فكر زعيم الحركة الراحل وأدبيات الحركة ومرجعياتها الفكرية بل يرى أنها كانت أهم مسببات انشقاق الإسلاميين في العام 1999م بين جماعة الترابي (المؤتمر الشعبي) والرئيس المشير عمر البشير (المؤتمر الوطني).
ويعترف كافة قادة الحركة الإسلامية بمن فيهم المؤرخ البروفسور حسن مكي بأن الحركة الإسلامية في السودان رغم مرجعيتها الإسلامية، تعلمت من خصومها (اليسار) في عمل التكتلات والتحالفات وكثير من أوجه البناء التنظيمي.
تحالف الحرب المقدسة:
تصدّر العداء بين الإسلاميين واليسار المشهد السياسي في السودان عام 1965م بعد أن نجح الإسلاميون في هزيمة الصوت الشيوعي الإنتخابي عبر تحالف مع الأحزاب الكبيرة انتهى إلى تعديل الدستور وطرد النواب الشيوعيين من البرلمان وتحريم وتجريم الدعوة للشيوعية، ووقتها كانت الحركة الاسلامية ضمن تحالف إسلامي بين الإخوان المسلمين تيارات السلفية والطريقة التيجانية الصوفية، وتكون هذا التحالف لخوض انتخابات 1968.
لكن جزءا كبيرا من الإسلاميين من التيارين الغريمين المنتمين لمجموعتي الإسلام السياسي في السودان (الشعبي والوطني)، يتفقون على أن أبرز تحالفات الحركة الإسلامية تشكلت في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري، عندما كونت الحركة الإسلامية وحزب الأمة القومي بزعامة رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي والراحل الشريف زين العابدين الهندي زعيم الحزب الوطني الاتحادي، جبهة سياسية وعسكرية لـ "حرب مقدسة" ضد نظام الرئيس النميري الذي تسلم السلطة بانقلاب عسكري في العام 1969م بدعم ومساندة من اليسار السوداني بقيادة الحزب الشيوعي.
لكن تحالف "الحرب المقدسة" لم يحقق أيا من أهدافه، فقد أخمدت حكومة النميري التمرد في منطقة الجزيرة أبا معقل (الأنصار)، وفشل التحالف في حركة مسلحة لغزو العاصمة الخرطوم من الجوار (ليبيا)، فضلا عن محاولة انقلابية فاشلة قادها المقدم حسن حسين في 1975م.
ولما خشي الإسلاميون من تقلبات الأحزاب التي تحالفت معها أكثر من مرة، نفضت يدها عن هذه التحالفات واختارت تقاربا مع نظام الرئيس النميري الذي حاربته سياسيا وعسكريا، والتقط الإسلاميون نزعة النميري الإسلامية وإعلانه الحكم بالشريعة الاسلامية للإنخراط في النظام الذي انقلب على عدوهم التاريخي الحزب الشيوعي والأحزاب التقليدية الأخرى، واستثمر الإسلاميون هذا التحالف للتغلغل في السلطة والتمكين الإقتصادي، ونال الإسلاميون مساحة كبيرة من الحرية في النشاط الدعوي وزيادة العضوية في وقت لم تكن تملك غير 300 عضو فقط في العاصمة الخرطوم، وهو ما جعل مثقفا وكاتبا سودانيا كبيرا مثل الدكتور النور حمد أن يصفها بـ"انتهازية الإسلاميين" للتغلغل في السوق الإقتصادي و"التمكين" في مؤسسات الدولة، والإشتراك مع المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي للسيطرة على الإقتصاد السوداني.
وعندما قام الرئيس جعفر نميري بإعدام المفكر محمود محمد طه عام 1983م قابل الإسلاميون ذلك بارتياح لإبعاد خصم ومنافس قوي من ذات التيار الفكري الإسلامي.
اقرأ أيضا: الحركة الإسلامية في السودان تعقد مؤتمرها العام أكتوبر القادم