ساندت الأسرة الحاكمة في
الإمارات سلطة الجيش
المصري، بعد استيلائها على الحكم في تموز/ يوليو 2013، بمختلف الوسائل، بداية من المعونات السخية المادية والعينية والقروض الضخمة، إلى توريد احتياجاته من المنتجات البترولية.
إلا أن تلك المساندة السخية لم تتواصل لفترة طويلة، خاصة بعد تراجع أسعار البترول وبدء الحرب باليمن. فسرعان ما تم استبدال المعونات بعد عام واحد بالقروض، والتي توقفت بدورها بعد ذلك، لتحل التجارة والاستثمار محلهما لتحقيق الاستفادة العملية مما تم ضخه في الفترة السابقة، بعد تهيئة البيئة المساندة لتلك الصادرات والاستثمارات، خاصة من قبل النظام الحاكم المتحكم في كل الأمور.
ولعل استعراض تاريخ
القروض والمعونات والاستثمارات والتجارة الإماراتية مع مصر في السنوات الأخيرة؛ يوضح الأمور بشكل أكبر. ففي عام 2001، كانت قيمة القروض الإماراتية لمصر 105 ملايين دولار، وظلت مصر تسدد أقساط ذلك القرض لسنوات، حتى بلغ رصيده 21 مليون دولار عام 2012.
ورغم ارتفاع القروض الخارجية لمصر إلى أكثر من 43 مليار دولار في نهاية حزيران/ يونيو 2013 (قبيل استيلاء الجيش على السلطة)، لم تساهم الإمارات بشيء منها مطلقا، لكن بعد تولي الجيش بحوالى أسبوعين (في 17 تموز/ يوليو 2013)، قدمت الإمارات قرضا بنحو ملياري دولار لمدة خمس سنوات بدون فائدة.
أكثر من 4 مليارات دولار معونات
وفي نيسان/ أبريل 2015، قدمت قرضا آخر بملياري دولار بفائدة 2.5 في المئة. وفي أيار/ مايو 2016 قدمت المليار الخامس، بنفس معدل الفائدة السابقة. وفي آب/ أغسطس من نفس العام، قدمت المليار السادس بفائدة 4 في المائدة، لتعزير الموقف المصري في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي التي كانت تجري وقتها.
ثم توقف ضخ القروض الإماراتي، والتي بلغ رصيدها ستة مليار و583 مليار دولار في آذار/ مارس من العام الحالي، لتحتل المركز الثالث بين دول العالم المقرضة لمصر بعد السعودية وألمانيا. كما وافقت الإمارات على طلب البنك المركزي المصري بترحيل موعد سداد الأقساط التي حل موعد سدادها؛ لأجل آخر.
وفي مجال المعونات الإماراتية لمصر، خلت السنوات التسع السابقة على استيلاء الجيش على السلطة من أية معونات إماراتية، فيما عدا قدر ضئيل بحوالي 100 ألف دولار عام 2011، لكنها قدمت معونات بنحو مليارين و636 مليون دولار خلال النصف الثاني من عام 2013، والتى تمثل الشهور الستة الأولى للنظام الجديد، ثم تبعتها بنحو مليار و750 مليون دولار في النصف الأول من عام 2014.
وهكذا حصل النظام العسكري المصري على معونات إماراتية بلغت أربعة مليارات و386 مليون دولار خلال عامه الأول، لكن وتيرة تلك المعونات تراجعت في عامه الثاني، لتصل إلى 156 مليونا فقط، ثم تراجعت بشدة إلى 11 مليونا فقط في عامه الثالث، وإلى 13 مليونا في عامه الرابع، واستمرت على تواضعها في عامه الخامس.
كما استخدمت الإمارات السياحة الإماراتية كأحد وسائل مساندة النظام الجديد. فبعد أن كان عدد السياح الإماراتيين الواصلين لمصر عام 2011 قد بلغ 25 ألف سائح، و27 ألف عام 2012، و21 ألف عام 2013، فقد زاد العدد إلى 36 ألفا عام 2014، ثم إلى 46 ألفا في العام التالي. واستمرت الزيادة إلى 52 ألف في 2016، ثم إلى 62 ألف سائح في العام الماضي.
تضاعف الصادرات الإماراتية لمصر
وحتى لا يربط البعض هذا النمو في عدد السياح الإماراتيين بأسعار البترول، فقد كانت أسعار النفط في أعلى مستوياتها في أعوام 2011 و2012 و2013، والتي شهدت معدلات تدفق سياحي منخفضة، بينما زاد عدد السياح في السنوات التي انخفض سعر البترول لحوالي نصف عما كان عليه قبل ذلك.
وفيما يخص التجارة الخارجية مع مصر، وحسب بيانات البنك المركزي المصري، فقد شهدت الواردات المصرية من الإمارات طفرة كبيرة خلال العام الأول للنظام العسكري، لتصل إلى أكثر من ستة مليار دولار؛ لإمداده باحتياجاته، خاصة من الوقود، لتحتل الإمارات المركز الأول في الواردات المصرية من بلدان العالم بعد تضاعف قيمتها عن العام السابق.،
وهكذا، بلغ الفائض التجاري لصالح الإمارات في العام الأول للنظام العسكري ما يقرب من الخمسة مليارات من الدولارات. واستمر هذا الفائض التجاري الإماراتي في السنوات التالية، حتى حققت فائضا بلغ ما يقرب من تسعة مليارات دولار في السنوات الخمس الأولى من عمر النظام العسكري.
وتحسن مركز الإمارات في التجارة الخارجية المصرية، لتحتل المركز الأول في تلك السنوات الخمس المالية، فيما عدا العام الثاني للنظام العسكري، حين احتلت المركز الثالث.
خمسة بنوك إماراتية بمصر
والغريب أن بيانات جهاز الإحصاء المصري الذى يستمد بياناته من الجمارك عن التجارة مع الإمارات؛ تختلف عن بيانات البنك المركزي المصري الذى يرصد التدفقات المالية الخاصة بالتجارة، حيث تشير بيانات جهاز الإحصاء لحصول مصر على فائض تجاري بتجارتها مع الإمارات خلال نفس السنوات الخمس، وإن كانت ميلادية!
ووظفت الإمارات ما قامت به من مساندة للنظام الحاكم في الحصول على نصيب جيد من كعكة الاستثمارات الأجنبية بمصر، والحد في نفس الوقت من الاستثمارات القطرية في مصر، حيث بلغت قيمة استثماراتها المباشرة خلال السنوات الخمس الأولى من عمر النظام العسكري خمسة مليارات دولار، لتحتل المركز الرابع بين الدول المستثمرة في مصر في تلك الفترة، بعد بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا، لتصل قيمة أرصدة تلك الاستثمارات لأكثر من ستة مليار دولار في 868 شركة، موزعة على قطاعات مختلفة؛ أبرزها المولات التجارية، والطاقة، والبنوك، والعقارات، والصناعة، والصحة، ومحطات تموين السيارات بالوقود، والزراعة.. حتى أصبحت الدولة الوحيدة التي لها خمسة بنوك عاملة في بمصر، إلى جانب إحدى شركات المحمول الأربع، وشركة للنقل الجماعي، وهى المشروعات التي تحقق أرباحا جيدة، حيث حقق بنك الاتحاد الوطني عائدا على حقوق الملكية بلغت نسبته 17 في المئة العام الماضي.