هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن مقالا للأكاديمي والباحث ألين غابون، يقول فيه إنه عندما يتذكر الشخص آمال الدمقرطة في الشرق الأوسط بسبب انتفاضات عام 2011، فإن الخارطة السياسية الحالية للمنطقة تصبح مؤلمة حقا، ويبدو القاموس الجديد لـ"ما بعد الربيع العربي" بل لـ"الشتاء العربي" مبررا تماما.
ويقول غابون: "تبدو المنطقة اليوم أبعد من أي وقت مضى عن رؤية الديمقراطية والعدالة في المجتمع، التي كان يحلم بها الملايين الذين تظاهروا في الشوارع والميادين العامة، حيث غمر الأمل والفرحة المنطقة من المغرب إلى البحرين إلى مصر واليمن".
ويجد الباحث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أنه "من الصعب التخيل أن هذا كله حصل قبل ثماني سنوات، فالشعور بأن تلك اللحظات المثيرة تعود إلى عهد تاريخي سابق".
ويؤكد غابون أن "الوضع يبدو أسوأ بكثير وأكثر كارثية الآن مما كان عليه قبل أن يقدم محمد بوعزيزي في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010 على حرق نفسه، الذي كان بمثابة شرارة أشعلت هذه السلسلة من الثورات غير العنفية المترابطة والمتعاطفة".
ويلفت الكاتب إلى أن "مصر، التي أصبح ميدان التحرير فيها الأكثر رمزية، الذي جعله الإعلام شعارا عالميا للربيع العربي وبوتقته، ترزح اليوم تحت نير طاغية فاشي مبالغ في العنف وشمولي أسوأ بكثير من سلفه حسني مبارك، وبقيت السعودية والإمارات والبحرين تحت حكم ملكيات مطلقة أو شبه مطلقة".
ويبين غابون أنه "في حالة السعودية، الدولة الأقوى في المنطقة والقادرة على التأثير، فإن حكم الرجل الواحد فيها، متمثلا بولي العهد محمد بن سلمان، القاتل ومرتكب جرائم حرب في اليمن، يشكل تراجعا كبيرا في طبيعة وممارسة القوة السعودية، حتى بموجب المقاييس السعودية البعيدة عن الديمقراطية".
وينوه الكاتب إلى أن "اليمن، الذي مزق شعبه بتشكيلة من الحروب بالوكالة والحرب الأهلية، والمجاعة التي صنعها الإنسان، والأمراض، بالإضافة إلى سوريا وليبيا، كلها تشرذمت أو انهارت، وبعض البلدان تحطمت بشكل كبير يصعب معه إصلاحها على مدى العقد القادم، بل وربما أكثر".
ويقول غابون: "لم يتعاف العراق بعد ثماني سنوات من الاحتلال الأمريكي وموجات العنف التي آثارها الغزو الأمريكي عام 2003، وبالكاد عادت له الحياة بعد ثلاث سنوات من وحشية تنظيم الدولة".
ويشير الباحث إلى أن "الوضع الإسرائيلي الفلسطيني وصل إلى طريق مسدود، وذلك بشكل أساسي؛ بسبب إصرار إسرائيل (وحلفائها) لمنع قيام دولة فلسطينية، والاستمرار في احتلالها الوحشي بقوة السلاح، والنزعة الاستعلائية اليهودية، وتحيز إدارة ترامب ودون قيود لإسرائيل أكثر من الإدارات الأمريكية جميعها منذ إنشاء إسرائيل".
ويعلق غابون قائلا: "يبدو أنه تم التخلي عن الفلسطينيين نهائيا من الجميع، بمن فيهم أمريكا والاتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية الآن، خاصة أن (أم بي أس) اصطف بالمملكة إلى جانب إسرائيل".
ويفيد الكاتب بأنه "حتى تونس، التي تعد قصة النجاح الوحيدة للربيع العربي، لا تزال تعيش لعدة سنوات وضعا هشا ومتقلبا، مع حكوماتها المختلفة والمؤقتة بعد الثورة، ومع أنها ملتزمة بالديمقراطية، إلا أنها عاجزة تماما عن حل المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الدولة، والمخاطرة بالمستقبل الديمقراطي للبلد".
ويبين غابون أنه "في الوقت ذاته تحاول البلدان التي هي في وضع أفضل، مثل لبنان والأردن والكويت، النضال من أجل البقاء بعيدة عن المشكلات، وتجنب الانجرار إلى التشرذم والتحطم، والمصحوب عادة بالعنف المخيف -من الدولة ومن غير الدولة ووطنيا ومن خارج الوطن ودوليا- الذي تبع انتهاء محاولات الانقلاب تلك".
ويقول الكاتب: "في كل مكان تنظر إليه يبدو الوضع مأساويا، حيث كان الوضع أسوأ في اليمن وسوريا ومصر، وليس من الصعب أن نفهم لماذا تحولنا من تلك الأحلام النبيلة واللامعة بحثا عن نظام عربي أفضل إلى كوابيس العنف بأشكاله كلها، التي يمكننا أن نشاهدها خلال المنطقة، لا شك أن العنصر الأساسي خلف هذه النتيجة التاريخية الحزينة هو القمع الوحشي الذي شنه رؤساء الحكومات مثل الأسد في سوريا، أو الدولة العميقة متمثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر ضد تلك الانتفاضات".
ويلفت غابون إلى أنه "بعد الإطاحة بالرئيس التونسي بن علي، أدرك المستفيدون من الحكم والمستبدون بأن الأمر خطير، وأنه قد يكون مؤشرا على قرب نهاية حكمهم، فتحولوا إلى وضع مكافحة الثورة بشكل كامل".
ويقول الباحث: "لقد فهموا جيدا بأن هذه معركة بقاء، ولأجل ذلك حشدوا إمكاناتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية والدعائية كلها قبل أن يصبح الوقت متأخرا، ويدعمون بعضهم عندما يصل الأمر إلى إطفاء تلك المظاهرات بالدم، كما فعلت السعودية في البحرين".
ويرى غابون إلى أنه "في مواجهة فاعلين يمتلكون الإمكانيات والقوة والذكاء والوحشية فإنه كان يصعب على الثوار بملايينهم الانتصار، فالثوار لم تكن لديهم قيادات ولا إمكانيات حقيقية غير أجسادهم وروحهم وشجاعتهم، (وهذه تثير الإعجاب لكنها ضعيفة أمام الرصاص) في غياب العمق البرمجي والمهارات الاستراتيجية، وكانوا بعيدين جدا عن قيادات الثورة الفرنسية أو الثورة السوفييتية، وارتكبوا عادة أخطاء فادحة".
ويوضح الكاتب قائلا: "فمثلا حركة تمرد، التي كانت ثملى بنجاح الربيع العربي، دعمت انقلاب السيسي العسكري في تموز/ يوليو 2013 ضد الرئيس المنتخدب محمد مرسي، واعتقد قادتها -بغباء، ويجب قول هذا- أن بإمكانهم السيطرة على قوة مثل قوة المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو إبقاء القيود عليها، ونتيجة لسذاجتهم وجد طلاب تمرد أنفسهم يشاركون الإخوان المسلمين الزنازين، حيث تحول السيسي ضدهم بعد أن انتهى من مرسي ومن الإخوان المسلمين، وكان يمكن توقع هذا أصلا دون الحاجة للنظرة للوراء".
ويلفت غابون إلى أن "السبب الثاني لفشل الربيع العربي هو أن المحتجين بالغوا في تقدير أنفسهم وقوتهم وإمكانياتهم، وقللوا من شأن الدعم لقطاعات واسعة من الشعب للديكتاتوريين والأنظمة التي سعوا للإطاحة بها، كما حصل في حالة الأسد في سوريا".
ويورد الباحث نقلا عن آدم روبرتز، قوله: "إن التخلص من حاكم ديكتاتوري ليس كافيا، فإن بناء المؤسسات الديمقراطية، وإعادة الثقة في بلد معيب، مهمة أصعب، وكان فشل أمريكا وبريطانيا في فهم هذا الأمر هو ما أدى إلى مغامرتها الكارثية في العراق عام 2003".
ويبين غابون أنه "في بلدان أخرى ليست عنيفة في الظاهر، وفي ظل حكام مثل الملك المغربي الملك محمد السادس وآل سعود، الذين وظفوا مزيجا من الإكراه والترضية، من خلال الفوائد المادية والأصلاحات السطحية التي لا تؤثر على حكمهم، وتوظيف الدين، وتعاون النخبة الدينية، والتهديد باستخدام القوة أو القمع الحقيقي أدوات استراتيجية متعددة المسارات، فإنها نجحت في إجهاض الاحتجاجات المحلية وتآكلها ونزع أنيابها وخنقها".
ويستدرك الكاتب بأنه بالرغم من الوضع الكئيب، إلا أن هناك أملا في معظم البلدان التي ذكرت أنفا، فمن الخطأ الرفض العرضي للربيع العربي، أو وصفه بأنه كان فشلا تاما، كما فعل معظم المحللين، بمن فيهم أفضل علماء السياسة الخارجية لسنوات عديدة.
فأولا: يجب عدم اعتبار الإطاحة بما لا يقل عن أربعة ديكتاتوريين وتبعت ذلك ثلاثة انتخابات حرة، ونجحت واحدة منها في تونس، بالإضافة إلى الإصلاحات في المغرب، إنجازات متواضعة.
ثانيا: تجربة الربيع العربي التي أحس فيها الملايين بطعم الحرية وسيادة الشعب ستبقى أساسا ونموذجا ومصدر إلهام للشعوب.
ثالثا: سقطت فكرة أن الشعوب العربية غير قادرة على فعل أو إنجاز أي شيء.
رابعا: تلك الأنظمة الاستبدادية، التي كان يظن أنها قوية، لم تكن سوى نمورا ورقية يمكن تحديها والانتصار عليها.
ويختم غابون مقاله بالقول: "إن أصبح الأسد و(أم بي أس) يقمعان أي إشارة للمعارض، فذلك مبعثه الخوف الشديد، وحتى اليأس".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)