هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتهت الأربعاء محادثات بين حركة طالبان الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية، عقدت لمدة ثلاثة أيام برعاية إماراتية في أبو ظبي، وبمشاركة ممثلين عن كل من السعودية وباكستان.
وبينما أعلنت أبوظبي أن المحادثات خرجت
بـ"نتائج إيجابية وملموسة"؛ اكتفت "طالبان" على لسان المتحدث
باسمها ذبيح الله مجاهد، بالقول إن "المحادثات في أبو ظبي تركزت على خروج
القوات الأجنبية، ووضع حد للغارات الجوية العمياء والقاتلة على المدنيين، وإطلاق
سراح السجناء".
على الجانب الآخر؛ يرفض عدد من السلفيين الجهاديين
إقدام حركة طالبان على الدخول في محادثات مع الولايات المتحدة، مشككين في نجاعة
هكذا محادثات، وخصوصا أنها تمت برعاية دولة الإمارات التي يصنفونها على أنها
"معادية للإسلام وللحركة الجهادية"، على حد وصفهم.
انتقادات "السلفية الجهادية"
ورأى مصدر قيادي في التيار السلفي الجهادي، أنه من
"التساهل" وصف حركة طالبان بأنها "سلفية جهادية"، مستدركا بقوله إن هذا "لا ينفي وجود أشخاص داخل
الحركة يحملون منهج السلفية الجهادية، إلا أن أكثرهم ليسوا كذلك"، بحسب تقديره.
وقال المصدر لـ"عربي21" مفضلا عدم ذكر
اسمه، إن مؤسس "طالبان" وقائدها الراحل الملا عمر من أقرب قيادات الحركة
للسلفية الجهادية، لافتا إلى أن "الحركة عموما تقبل نصائح علمائنا، وتُظهر
تقبّلا لها، وتقديرا لأصحابها".
وأضاف أنه "من ملاحظات التيار السلفي الجهادي
على حركة طالبان تتمثل في توسعها في باب السياسة الشرعية، وحرصها على رضا بعض
الجهات الدولية عنها من خلال سعيها السابق بأن يكون لها مقعد في الأمم المتحدة،
وسعيها الحالي بأن تكون لها سفارة أو ممثلون في بعض الدول كقطر وتركيا وغيرهما،
بالإضافة إلى دفاعها عن بعض الدول والشخصيات كالرئيس المصري السابق محمد مرسي،
واستخدامها بعض الألفاظ غير الشرعية كالديمقراطية".
وذكر المصدر أن "طالبان قد تضطر أحيانا إلى
التساهل في التعامل مع بعض الأنظمة بحجة تحقيق مصالح معينة للجهاد"، مؤكدا أن
"هذا السلوك قد تبرره السياسة الشرعية، ما دامت الحركة غير عميلة، وتتعامل مع
هذه الدول كندّ لا كتابع، وفي إطار ما يسمى بتقاطع المصالح".
اقرأ أيضا: مسؤول أفغاني: المحادثات مع طالبان في تطور.. واتفاق قريب
وتابع: "إذا سألت طالبان عن المصلحة من خوض
مفاوضات مع أمريكا، فسيكون الرد بأنها تحقق مصلحة عظيمة للأمة ولأسرى المسلمين
وللجهاد في أفغانستان، ولأننا نثق بالحركة من تجارب سابقة؛ فإننا نحترم مثل هذا
الجواب".
وأضاف: "لكننا نتوجس من هذه المفاوضات، وخصوصا
حين تجري في بلد كالإمارات (..)، لا نرتاح لها أبدا، ونظن أن وراءها مكرا للإسلام
والمسلمين والجهاد عموما، ومع ذلك فإننا نصبر ولا نتعجل في مهاجمة الحركة
وقراراتها دون تبين وتريث ونظر".
ورأى المصدر أن أخطاء تنظيم الدولة "شوهت
الجهاد والخلافة، وخلطت بين العدو والصديق، ولذلك لا يمكن السكوت عن أخطائه"، متابعا: "أما حركة طالبان؛ فإننا قد نسكت عن كثير من أخطائها؛
لأنها طائفة كبيرة لها وزنها، ويعوَّل عليها في نصرة الشعب الأفغاني، ولا يوجد
بديل أقرب إلى الحق منها، وتسعى دائما للتصحيح، وتقبل نصائح قيادات السلفية
الجهادية، أو على الأقل تقدّرها وتطلب المزيد منها".
هل "طالبان" سلفية جهادية؟
من جهته؛ أوضح الخبير في شؤون الجماعات الجهادية،
حسن أبو هنية، أنه "يمكن عدّ حركة طالبان في السلفية الجهادية"، لافتا
إلى أن "أكبر دليل على ذلك هو مبايعة تنظيم القاعدة لها".
وأضاف أبو هنية لـ"عربي21" أن "طالبان تنتسب للمذهب الحنفي ومدرسة
ديوباند التي هي مدرسة أهل الحديث، وعليه فهي حركة سلفية بمعنى من المعاني"،
مشيرا إلى أنها "في الوقت نفسه؛ تتبنى الجهاد والقتال طريقة في التغيير، ولذلك
نشأت علاقات تاريخية بينها وبين الحركات السلفية على مختلف أشكالها".
واستدرك بأن "السلفية التقليدية لها تحفظات على
"طالبان" بسبب ما تقول إنها توجهات صوفية لدى الحركة، وفي المقابل؛ فإن
تنظيم الدولة الذي يعد من أكثر التنظيمات تطرفا بتصوراته السلفية؛ ينظر إلى طالبان
كحركة مرتدة، كونها حركة قومية وطنية بشتونية ذات أهداف محلية، ولا تقوم بتنفيذ
هجمات خارجية، وليس من أولوياتها تطبيق الشريعة على حد زعم التنظيم".
أما الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، محمود
الكيلاني، فرأى أن "طالبان ليست حركة سلفية جهادية، وفق المفهوم الفكري
والتنظيمي لهذا التيار".
اقرأ أيضا: الإمارات تستضيف الاثنين محادثات بين أمريكا وحركة طالبان
وأوضح الكيلاني لـ"عربي21" أن
"طالبان حركة جهادية إسلامية حنفية المذهب، وتعتبر حركة مقاومة وطنية محلية
غير عابرة للحدود، بخلاف السلفية الجهادية التي لا تؤمن مطلقا بالحدود الجغرافية،
ومساحة عملها غير مقيدة، وتشتهر وتتمثل تنظيميا بالقاعدة، وأقرب ما تكون إلى
المذهب الحنبلي فقهيا".
واستدرك بأنه "مع ذلك؛ يحافظ الطرفان على إبقاء
علاقة دافئة بينهما، ويحرصان على أن لا تطفو خلافاتهما العقائدية والاستراتيجية
على السطح، فكلاهما مدين للآخر بالفضل".
وأضاف أن "العلاقة بين طالبان والقاعدة كانت في
أوجها بفترة إمارة الملا محمد عمر لأفغانستان، إلا أنها تناقصت تدريجيا بمقتل بن
لادن ومقتل الملا عمر بعده بعامين، وبزعامة أيمن الظواهري للقاعدة، وإمارة ملا
أختر منصور ثم ملا هيبة الله أخوند زادة لطالبان"، لافتا إلى أن "بيعة
الظواهري للأخير حملت بعض أشكال الاشتراطات أو التذكير بطبيعة العلاقة ومبادئها
بينهما".
مآلات المفاوضات
وبحسب مراقبين؛ فإن حركة طالبان ترى أن أفغانستان
دولة محتلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والمتحالفين معها، وبالتالي هي ترفض
الدخول في حوار مباشر مع الحكومة الأفغانية أو فيما يسمى بـ"مشروع السلام
والمصالحة، وتقصر حوارها مع المحتل الأمريكي".
وسعت أمريكا منذ سنوات إلى جر حركة طالبان للانخراط
في العملية السياسية إلى جانب حكومة كرزاي سابقا، وأشرف غني حاليا، بحسب أبو هنية
الذي أكد أن واشنطن تشترط لذلك "فك ارتباط الحركة بتنظيم القاعدة، ووضع
السلاح، والانخراط في العملية الديمقراطية".
وأوضح أن "طالبان" ترفض الشروط الأمريكية،
وتصر على عودة الإمارة الإسلامية وتطبيق الشريعة، وخروج الأمريكيين بشكل كامل مع
أفغانستان، وتؤكد أنها لن تضع السلاح، ولن تفك ارتباطها بتنظيم القاعدة.
وبيّن أبو هنية أن هناك محاولات دولية بشكل عام،
وأمريكية على وجه الخصوص، لاختراق طالبان، أو بعض أجنحة الحركة التي تسميها واشنطن
بـ"المعتدلة"، وبالتالي خلق نوع من الشقاق الداخلي، معللا هذه المحاولات
بإدراك واشنطن بأن المفاوضات لن تأتي بنتائج إيجابية "لأن الهوة واسعة بين
متطلبات أمريكا، ومتطلبات طالبان".
وأشار إلى أن حركة طالبان شاركت في محادثات بالعاصمة
الروسية موسكو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مستشهدا بذلك على أن "الحركة
تهدف من وراء هذه المشاركات إلى استثمار الخلافات الدولية لا أكثر ولا أقل".
اقرأ أيضا: فشل في تحديد مصير المقاتلين الأجانب بسوريا.. ماذا ينتظرهم؟
وأكد أبو هنية أن لدى كل من "طالبان"
وواشنطن نزعة براغماتية يحاول كل طرف من خلالها الاستفادة من الآخر، مستدركا بأنه
لا يعتقد أن المفاوضات بين الطرفين ستكلل بالنجاح.
بدوره؛ قال الكيلاني إن حركة طالبان حين وصلت إلى
الحكم في أفغانستان بعد سيطرتها على العاصمة كابل في أيلول/ سبتمبر 1996
"وجدت نفسها أمام مشروع سياسي جديد هي مسؤولة فيه عن شعب بأكمله، ما دفعها
إلى إقامة حوار وعلاقات دبلوماسية مع دول الجوار، بالإضافة إلى إجراء محادثات
ومفاوضات مع المحتل الأمريكي".
وأضاف أن "طالبان تتطلع لتحقيق عدة مكاسب من
وراء المحادثات مع الأمريكان، ومن هذه المكاسب إنهاء الغزو الأمريكي، والاعتراف
بالحركة، وشطب أسماء قياداتها من قوائم الإرهاب"، مشيرا إلى أن "الإدارة
الأمريكية تبدي حماسا أكبر للمفاوضات، وذلك لأنها تسعى للخروج من المأزق الأفغاني،
في ظل حرب لا نهاية لها".
وحول إمكانية نجاح المفاوضات في إحلال السلام
بأفغانستان؛ رأى الكيلاني أن "هذه المفاوضات قد تحقق مكاسب جزئية لدى
الطرفين، كالإفراج عن بعض المعتقلين، أو إقامة هدنة مؤقتة في بعض المناطق"،
مؤكدا أنها "لن تفضي إلى اتفاق سلام تفرضه الرؤية الأمريكية أو الدولية".