تعتبر الجالية العربية من أكبر الجاليات في فرنسا، لكنها هامشية في ميادين السياسة والإعلام والاقتصاد مقارنةً بالجالية اليهودية ونفوذها، إذ يصل مجموع أفرادها إلى (560) ألف يهودي خلال العام الحالي 2018، ينحدر (60) في المائة منهم من أصول مغربية. وقد استطاع اللوبي اليهودي في فرنسا، بسبب نفوذه في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، الاستئثار بمدارس وكنائس للعبادة خاصة بهم في الأحياء اليهودية، هذا فضلاً عن كونهم يتبوأون مراتب عليا في الجامعات الفرنسية، إن في مجالات العلوم التطبيقية أو العلوم الإنسانية.
سر نفوذ اللوبي اليهودي
وفي المجال الاقتصادي يتركز القسم الأكبر من العمالة بين يهود فرنسا في قطاع الخدمات، والأعمال التجارية "الأسواق الضخمة"، وتصميم الأزياء، وفي الإعلانات، فضلاً عن قطاع الإعلام الفرنسي، حيث يلاحظ سيطرة يهودية على وسائل الإعلام المختلفة، وخصوصاً الدوريات والصحف المهمة والفضائيات. ولرأس المال اليهودي المنظم دور في ذلك، ولهذا فإنه لا يمكن لمصمم أزياء أو فنان عربي أو فرنسي، في فرنسا، النجاح والوصول إلى مرتبة النجومية إلا إذا كان وكيل أعماله من الجالية اليهودية.
ويمكن الجزم بأن سر نفوذ اللوبي اليهودي في فرنسا يكمن في تعدد المنظمات اليهودية المنتشرة في فرنسا وأهدافها المتقاطعة، وفي رأس المال اليهودي المنظم، والداعم مادياً ومعنوياً لإسرائيل.
إقرأ أيضا: ماذا طلب يهود فرنسا من ماكرون في أول يوم لتوليه الرئاسة؟
واللافت أن يهود فرنسا موجودون في غالبية التيارات السياسية الفرنسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بل إن بعضهم تزعم حركات وأحزاب سياسية عدة مثل: آلان كريفين، زعيم أحد التنظيمات الماوية، وكان لبعض العناصر من يهود فرنسا دور كبير في الحياة السياسية في فرنسا كرئاسة بعضهم الحكومة الفرنسية مرات عدة أمثال ليون بلوم ومنديس فرانس، من الحزب الاشتراكي، وميشال دوبريه، وليو هامون من الديغوليين، أو في وجودهم الملحوظ في قيادات النقابات العمالية والطلابية.
اللافت أن يهود فرنسا موجودون في غالبية التيارات السياسية الفرنسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار،
وفي مقابل نفوذ الجالية اليهودية في كافة مناحي الحياة في فرنسا، عبر اللوبي اليهودي المنظم، ثمة جالية عربية يصل عدد أفرادها في عام 2018 إلى (7) ملايين فرد ينتشرون في سياج فقير حول المدن والقرى الفرنسية في أحياء شعبية تتكدس فيها العائلات الفقيرة والمتوسطة الدخل، في ما يسمى "الغيتو" المغلق والمخصص لطبقة اجتماعية بعينها، مما يمنعهم من الاختلاط الحقيقي بالآخرين ويساهم بشكل كبير في تغييبهم عن المشهد السياسي الفرنسي بشكل فعال ونشط، حيث يعاني الفرنسيون من أصول عربية سياسة التمييز الاجتماعي في السكن والتعليم وفرص العمل التي يعاني منها المهاجرون بشكل عام، حيث يتعمق هذا الإحساس بعدم الانتماء، وهو يظهر في العزوف الملحوظ عن مجمل أشكال المشاركة سياسية كانت أو ثقافية أو اجتماعية. ويؤكد باحثون بأن الكتلة الانتخابية للصوت العربي تتسم بأنها غير منسجمة التوجه، وضعيفة التكوين سياسيًا في ضوء غياب نخبة سياسية عربية حقيقة في فرنسا بمقدورها توجيه الجالية العربية لتحقيق حضورها الكثيف في مناحي الحياة المختلفة.
يعاني الفرنسيون من أصول عربية سياسة التمييز الاجتماعي في السكن والتعليم وفرص العمل
تعود أصول غالبية أفراد الجالية العربية في فرنسا إلى المغرب العربي وخصوصاً الجزائر، ولا يوجد رابطة سياسية للجالية، لكن هناك شعور جماعي واضح يميل إلى نصرة القضية الفلسطينية، ويمكن الدلالة على ذلك من خلال التظاهرات النوعية للجالية العربية في فرنسا تضامناً مع انتقاضة الحجارة، وكذلك مع انتفاضة الأقصى. وانخرطت أعداد قليلة من الجالية العربية في بعض الأحزاب السياسية، وأولها الحزب الشيوعي الفرنسي، وقد وصل البعض إلى مناصب حزبية وطلابية، حيث تنتشر الاتحادات الطلابية، وبعض مؤسسات المجتمع المدني العربي، ولكل بلد عربي ثلاثة اتحادات للطلاب، اتحاد يساري، واتحاد يميني وآخر رسمي لحكومة كل دولة عربية.
وتعتبر الجالية اللبنانية هي الأكبر عدداً بعد الجالية المغاربية، إذ يصل عددها إلى 150 ألفاً، ويعمل القسم الأكبر من اللبنانيين في قطاعي السياحة والبورصة الفرنسيين.
لا ينقص الجالية العربية في فرنسا سوى الإرادة الصادقة، لجهة إيجاد لوبي عربي نافذ وقوي يصل إلى حجم الجالية وطموحها
أما الجالية السورية فيبلغ عدد أفرادها (60) ألفاً، من بينهم نحو 7500 طبيب في اختصاصات مختلفة، وقسم كبير من الجالية السورية يعمل في قطاع البناء والعقارات، لكن الجالية المغاربية، وهي الأكبر في إطار الجالية العربية، فإن القسم الأكبر منها يعمل في قطاعات هامشية، ويعيش على هامش الحياة الاقتصادية الفرنسية، وقد يكون مرد ذلك إلى ضعف التركيبة العملية والعلمية لهذه الجالية.
لا ينقص الجالية العربية في فرنسا سوى الإرادة الصادقة، لجهة إيجاد لوبي عربي نافذ وقوي يصل إلى حجم الجالية وطموحها، والتحديات المختلفة التي تواجهها في المهجر، وفي وطنها الأم أيضاً، وقد تكون اللقاءات على قواسم مشتركة بين اتحادات الطلاب العربية والمنظمات المجتمعية المختلفة في فرنسا مدخلاً للارتقاء بالجالية العربية في فرنسا إلى مستوى الطموح وثقلها الديموغرافي مقارنة بعدد سكان فرنسا بشكل عام، وعدد أفراد الجالية اليهودية الذين لا تتعدى نسبتهم (8) في المائة مقارنة بمجموع أفراد الجالية العربية في فرنسا.
إن وجود عدد كبير من الأكاديميين والمثقفين والفنانين والطلاب الجامعيين ورجال الأعمال العرب في فرنسا سيساعد بكل تأكيد في تعزيز فكرة العمل على تأسيس لوبي عربي منظم وفاعل.
كاتب فلسطيني مقيم بهولندا
إقرأ أيضا: فرنسا... الإسلام في المجتمع والسياسة