هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "موند أفريك" الفرنسي مدونة للكاتبة والصحفية الفرنسية من أصل جزائري، رابحة عطاف، تحدثت فيها عن عودة الممارسات القمعية في مصر بعد انتهاء الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التي استهدفت نشطاء مدافعين عن حقوق الإنسان.
وقالت الكاتبة، في مدونتها التي ترجمتها "عربي21"، إنه عند وصول إيمانويل ماكرون إلى قبرص بعد مغادرته لمصر، استهدفت شكوى قضائية أربع شخصيات من جملة نشطاء المجتمع المدني الثمانية الذين استقبلهم الرئيس الفرنسي في سفارة بلاده في القاهرة يوم 29 كانون الثاني/ يناير، لمدة ساعتين.
في اليوم التالي لرحيل إيمانويل ماكرون، سارع محام مقرب من الأجهزة الأمنية إلى تقديم شكوى ضد أربعة أشخاص من الناشطين في مجال حقوق الإنسان. وقد كان الهجوم على هذه الشخصيات عنيفا، حيث اتهمهم بارتكاب "إساءة في حق الدولة المصرية"، "واستهداف أمن الدولة"، بالإضافة إلى "تهديد الأمن القومي" "والمصالح الكبرى للبلاد".
وأضافت الكاتبة أن "هذه الاتهامات لا تستهدف أشخاصا عاديين، وإنما مديري منظمات غير حكومية معروفة على الصعيد الدولي باعتبارها من أبرز الأطراف المدافعة عن حقوق الإنسان في مصر". وصدرت هذه الشكوى في حق كل من محمد لطفي عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومحمد زارع عن مكتب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وجمال عيد عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وجاسر عبد الرزاق مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وبينت الكاتبة أنه فضلا عن كونهم ممنوعين من السفر منذ سنة 2016، إلى جانب 26 آخرين من النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فإنه من المحتمل أن يتعرض هؤلاء لعقوبات سجنية في حال قرر المدعي العام في القاهرة تتبع هذه الشكوى. وتجدر الإشارة إلى أن المفوضية المصرية للحقوق والحريات تعرف بعملها المستمر في ملف الاختفاء القسري منذ سنة 2013، حيث تشرف على إحصاء عدد الضحايا بدقة ومرافقة عائلاتهم قانونيا.
ونوهت الكاتبة بأنه على الرغم من المضايقات القضائية والتهديدات المتعددة مجهولة المصدر التي يتعرضون لها، تابعت هذه الشخصيات البارزة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ممارسة أنشطتها. وفي اليوم التالي لاجتماعهم في السفارة الفرنسية، لخص محمد زارع مناقشات النشطاء مع ماكرون في مقابلة نشرتها صحيفة "مدى مصر".
وذكرت الكاتبة أن زارع وزملاءه أخبروا الرئيس الفرنسي بمسألة حجب أكثر من 500 موقع إلكتروني، وأحكام الإعدام التي صدرت في حق آلاف المعارضين، والظروف اللاإنسانية للاحتجاز، والاختفاءات القسرية، والانتهاكات التي ارتكبت أثناء الانتخابات الرئاسية ضد معارضي السيسي. كما تطرقوا إلى الاعتقالات التي تمت قبل يومين من وصول ماكرون إلى القاهرة في مقر حزب الكرامة، بالتزامن مع إحياء ذكرى "ثورة 25 يناير"، والتعديل الدستوري الذي من شأنه السماح للسيسي بأن يحظى بولاية ثالثة أو حتى برئاسة مدى الحياة.
وأشارت الكاتبة إلى أنه لا عجب في أن تتعرض هذه الأسماء الرائدة في مجال حقوق الإنسان لخطر الوقوف أمام المحاكم مرة أخرى. فقد أصبحت هذه الطريقة من المضايقات القضائية شائعة في مصر لإسكات أي صوت مخالف للنظام. وعادة ما تستهدف هذه المضايقات أعداء وسائل الإعلام العامة والخاصة، الموالية جميعها لحكم السيسي.
وأكدت الكاتبة أنه منذ تقديم هذه الشكوى بحجة "نشرهم لأخبار زائفة" أثناء لقائهم مع الرئيس الفرنسي واتهامهم "بإلحاق الضرر بسمعة مصر الدولية ومصالحها الوطنية"، يخضع محمد لطفي ومحمد زارع وجمال عيد وجاسر عبد الرزاق لسلسلة من الافتراءات والهجمات اللفظية غير المسبوقة، على مختلف وسائل الإعلام وحتى على الشبكات الاجتماعية أو على هواتفهم الخاصة، حيث ينعتونهم "بالخونة" "والعملاء الخارجيين".
وأوضحت الكاتبة أن الرسالة من كل ذلك تتمثل في حظر التطرق إلى موضوع حقوق الإنسان مع رئيس أجنبي زائر، واتهام كل من تسول له نفسه فعل ذلك بالخيانة. ولعل هذا ما يفسر ردة فعل السلطات المصرية الصريحة ضد "ضيوف" ماكرون. ومن جانبه، تطرق الرئيس الفرنسي لحقوق الإنسان خلال المؤتمر الصحفي الرئاسي ما أثار توتر السيسي، حيث قال ماكرون لمضيفه إن "الاستقرار والسلام الدائم يقترنان باحترام الحريات والكرامة الشخصية وسيادة القانون".
وقد رد السيسي بحزم على هذه التصريحات قائلا: "نحن لسنا أوروبا أو الولايات المتحدة (...)، لا يمكننا فرض مسار واحد"، قبل أن يبرر هذا الأمر بخطابه المطول والمعتاد عن الإرهاب، مشيرا إلى أنه جنّب البلاد سيناريو وقوع حرب أهلية، وانتخب بناء على إرادة الشعب. وتهدف هذه التبريرات إلى الإشارة إلى أنه لن يسمح بأي تدخل في شؤون بلاده، حتى في إطار "شراكة استراتيجية" بين البلدين.
وفي الختام، أفادت الكاتبة بأن التهديدات التي تطال المدافعين عن حقوق الإنسان بعد مغادرة ماكرون لمصر تدل على جنون العظمة الذي يعاني منه المارشال عبد الفتاح السيسي، الذي يعتبر أن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين فرنسا ومصر يشكل ضمانا لإفلاته من العقاب.