في ظل غياب غير مسبوق للحياة السياسية في مصر، وانقسام المقسم من الشعب المصري من حركات وأحزاب وتجمعات، حتى أصبحنا في عصر ملوك الطوائف المصرية، يستمر الجنرال
السيسي، برعاية صهيونية، في فرض الهيمنة الفرعونية على مصر؛ بتعديلات دستورية تمكنه من اغتصاب السلطة إلى الأبد، بغطاء دستوري يستطيع تسويقه للمشككين في ديمقراطية مصر.
انطلقت زبانية الجنرال مبكرا للترويج لتعديلات دستورية تسمح بتمديد الفترة الرئاسية وإعادة ترشح الجنرال المنقلب لفترة رئاسية ثالثة، في مخالفة واضحة لما أقر به السيسي بنفسه من استحالة تغيير المواد
الدستورية المحددة للفترات الرئاسية، وكذلك في انتكاسة جديدة وانقضاضه على آخر مكتسبات الثورة المصرية، مما يرسخ حالة الإحباط واليأس التام على الشعب المصري عامة والصف الثوري خاصة.
المشكلة ليست فقط في السماح للجنرال السيسي بالترشح لعهدة ثالثة، بل تتخطى ذلك من خلال توسيع صلاحيات المجلس العسكري، نعم المجلس العسكري، وهي مقصودة للتفريق بين المستفيدين من دولة العسكر والمستخدمين فيها، وبذلك يضرب المجلس العسكري بعرض الحائط كل الوعود التي قطعها مع السيسي، من أنهم ليسوا أصحاب أطماع في السلطة وإنما جاؤوا لإنقاذ الوطن.
التعديلات ستمنح الرئيس سلطة إعفاء الحكومة من أداء عملها واختيار الوزراء من دون العودة لمجلس الشعب، وتمنح الرئيس سلطة إعلان الحرب وإرسال الجيش في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة بتأييد من الأغلبية البرلمانية (50%+ 1) بدلا من ثلثي الأعضاء، بمعنى آخر، ستفرض فرعونا جديدا في مصر القرن الواحد والعشرون في الوقت الذي تتغني به كل الدول بالإصلاحات الديمقراطية التي تضمن تداول السلطة، فإذا بالسيسي يعلن مصر الفرعونية!!!
وكعادة المجلس العسكري، ولجذب الأنظار إلى جهة بعيدة عن كارثة التعديلات الدستورية التي يريد تمريرها، يخضب هذه الكارثة بكارثة لا تقل جرما في جبين مصر من خلال استباحة دماء المصريين بإقدامه على تنفيذ حكم الإعدام بحق تسعة شباب من خيرة من أنجبت مصر، ليؤكد للمصريين من جديد أن الحل في انتفاضة جديدة للثورة المصرية، تقتلع جذور المجلس العسكري المحتل لمصر بالإنابة عن الكيان الصهيوني، وإنهاء فيضان الدم المصري المهدور منذ انطلاق ثورته في 25 كانون الثاني/ يناير2011.
السيسي ومجلسه العسكري انتهج منذ اليوم الأول لانتصار الثورة المصرية في 11 شباط/ فبراير2011 سياسة "فرق تسد"، فاستطاع تمزيق الصف الثوري، ونجح في ذلك بامتياز، ولم يتبق له الآن إلا تعديل الدستور ليُطْبق على السلطة بالطريقة الفرعونية التي تمكنه من البقاء في حكم مصر منفردا بلا منازع. ولذلك، أصبح فرضا على الشعب المصري بكل أطيافه أن يقف موقفا واحدا لا لبس فيه، ليرد المجلس العسكري عن عربدته وتلاعبه بمقدرات مصر البشرية والاقتصادية، وأيضا أمنها القومي في تواطؤ مباشر مع العدو الصهيوني لتجهيز المنطقة لصفقة القرن.
مصر ليست الجزائر وليست سوريا، بل هي مصر ذات الطابع المميز من تجانس شعبي امتد إلى أعماق التاريخ، وآن له الأوان أن يخرج مرة أخرى إلى الميادين ككيان واحد، بعيدا عن الاختلافات الأيديولوجية والحزبية لرفض هذه التعديلات الدستورية، في ظل هذه اللحظة التاريخية الإقليمية والمحلية التي تمهد للكيان الصهيوني الهيمنة الكاملة على المنطقة من خلال عملائه الكنوز القوميين المتربعين منذ عقود على كراسي الحكم في بلداننا العربية، كبديل للاحتلال الصهيوني المباشر لها.
يجب أن يكون عنوان المرحلة القادمة لكل المصريين لا للتعديلات الدستورية، لا للعربدة العسكرية.. مصر ليست تكية.