هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ظهر في أوساط نسوية متدينة مصطلح "النسوية الإسلامية"، باعتباره توجها ضد كل صور وأشكال الظلم الواقع على النساء، مع السعي لإيجاد حلول تنبثق من الشريعة الإسلامية نفسها، بعيدا عن استنساخ حلول خارجية لا تصلح لبيئاتنا الشرقية بحسب الداعين والداعيات له.
لكن ذلك التوجه لاقى اعتراضات شديدة من داخل
الدائرة الإسلامية نفسها، بوصفه تقليدا أعمى للثقافة الغربية، لا يخرج في كثير من
مضامينه عن التبعية المقيتة لها وفق منتقديه والمعترضين عليه.
وتلفت الباحثة في الفقه الإسلامي وقضايا الأسرة،
عابدة المؤيد أن "كثيرا من المجتمعات العربية لا تعترف بالنسوية الإسلامية،
وتنظر إليها بقدر كبير من التحفظ بل والرفض، وتراها تحمل بمضامين سلبية، باستثناء
بعض الرجال، وبعض الواعيات المثقفات وهم قلة".
وأضافت أنهم "يفرقون جيدا بين نسوية غربية ونسوية
إسلامية، فالحدود الفاصلة بينهما واضحة لديهم، فهم يعترفون بأن المرأة مغبونة،
وأحكامها بحاجة إلى مراجعة، ويشجعون القوانين الجديدة التي تنصفها في بعض المحاكم
والدول".
وردا على سؤال "عربي21" عن ما إن كانت النسوية
الإسلامية تعبر عن واقع حقيقي أم إنها تقليد ومحاكاة للثقافة الغربية، قالت
الباحثة السورية المؤيد: "بالنسبة لي أجد في هذه الطروحات النسوية الكثير من
الصواب والمنطق، وإلصاق هذا النتاج بالغرب جزء من المؤامرة على المرأة
المسلمة"، بحسب تعبيرها.
وتابعت: "بعض الإسلاميين متشددون لدرجة كبيرة،
ويرون في إعطاء المرأة حقوقها خطرا عليها وعلى المجتمع، فيعملون على تكريس واقعها
المؤلم، ومحاولة التخريب والقضاء على أي حركة إصلاحية، ولو كانت مخلصة ومن داخل
الصف المسلم".
اقرأ أيضا: 6 نساء ساهمن في التطور البشري.. ربما لم تسمع عنهن أبدا
وذكرت العابد أن "المرأة المسلمة تعيش في ظلم
وحقوقها مهضومة، وإذا اعترضت أو طالبت بأي حق من حقوقها خُوّفت، وقيل لها هذا هو
الدين ولا يجوز الاعتراض على حكم الله وقدره"، لافتة إلى أن "النسويات
المسلمات أدركن أن الدين ليس كذلك، وما هي إلا فتاوى تحتمل الخطأ والصواب، وكثير
منها قيلت قبل التحقق من صحة الحديث، أو كتبت في عصور الظلام أو الحروب".
وأردفت: "لقد كان من الفقهاء المعتبرين من خالف
رأي الجمهور، وأفتى بإنصاف، وإن الفقهاء أنفسهم وعلى مر العصور راجعوا الكثير من
الأقوال، حتى رأينا اليوم من يثبت أن دية المرأة مثل دية الرجل، ولا يوجد دليل على
تنصيفها (مع أن الإجماع ينص على النصف)"، مؤكدة أن "النسويات يتابعن
أمثال هذه القضايا، ويتحققن منها".
من جهتها، قالت الكاتبة اللبنانية روعة النابلسي:
"لا أعترف بشيء اسمه (نسوية إسلامية)، ولا أعرف من أطلق هذا التوصيف"،
مضيفة أنه "أكاديميا وعلميا، وبناء على الدراسات الاجتماعية لا يوجد سوى
نسوية واحدة هي النسوية الغربية، وربيبتها العربية العلمانية".
وقالت النابلسي لـ"عربي21": "الذي
ظهر حاليا في بعض الأوساط هو تداعي عالمات فقيهات قانونيات وأستاذات حقوق وعلم
اجتماع، ذوات خلفية شرعية، لتوعية وتوجيه المرأة المسلمة المهدورة حقوقها، والتي
أساء إليها الرجل بالاستناد إلى عادات وتقاليد وأعراف مجتمعية ألبست لبوس الشرع
والدين ظلما وبهتانا، والشرع لا يقرها بل على العكس جاء ليمنعها ويوقف ممارستها".
وزادت قائلة: "هذا التداعي برأيي لا يشبه
النسوية الغربية المقيتة المرفوضة، فالمرأة عند هؤلاء العالمات الفقيهات هي شقيقة
الرجل، وليست ندا له، لها حقوقها الواجبة عليه وله حقوقه الواجبة عليها، وهي لا
ترى الرجل عدوا لها، ولا تجعل منه هدفا للقضاء عليه".
اقرأ أيضا: مضاوي الرشيد: السعودية تساوي بين الرجال والنساء بالتعذيب
واستكملت رأيها بالقول: "بسبب تسلط الذكورية في
مجتمعنا، وتحكيم العادات القبلية والأعراف بدلا من أحكام الشرع الحنيف، وبسبب جهل
الرجل بحقوق المرأة، وجهل المرأة نفسها بحقوقها، تظلم المرأة وتخسر ويخسر مجتمعنا
تحصينه وسلامه الاجتماعي"، على حد قولها.
وأكدّت أن "منشأ الخطر هو الاستسلام للغزو
الغربي، واعتبار نسويته المرفوضة هي الحل لمشاكل ظلم المرأة في مجتمعنا"،
داعية الفقيهات والحقوقيات ذوات التوجه الشرعي إلى "الوقوف صفا واحدا،
والاعتناء بالمسلمات ورعايتهن ومساعدتهن على حل مشاكلهن وفق الشرع الحنيف".
بدورها، لفتت الباحثة والمؤرخة المصرية فاطمة حافظ
إلى أن "المصطلح نفسه بحاجة إلى ضبط، وأن الكثيرين ممن ينتمون إلى التيار
نفسه يستخدمونه من غير تحرير لمعناه".
ودعت في حديثها لـ"عربي21" إلى ضرورة
التمييز بين تيارين أساسين داخل صفوف التيار نفسه، أولهما بحسب تسميتها
"التيار النسوي الإسلامي الحداثي، الذي يجعل من قيم الحداثة الغربية ومبادئها
إطارا مرجعيا له، وله تياراته ورموزه في العالم العربي"..
أما التيار الثاني وفق حافظ، "فهو تيار النسوية
الإسلامية المرتبط بالمرجعية الإسلامية، وله جذوره في العالم العربي منذ زمن، ولا
يتجاوز سقف تلك المرجعية، وما يقوم به لا يعدو أن يكون اجتهادات في فهم النص
القرآني والحديثي مع الإقرار بقدسية تلك النصوص، ومن غير أن تؤثر في بنيتها"،
على حد قولها.
اقرأ أيضا: في يومها العالمي.. انتهاكات ترقى لجرائم حرب بحق المرأة اليمنية
وأكدّت حافظ أن "النسوية الإسلامية تلبي حاجات
ومتطلبات حقيقية للنساء المسلمات في الواقع، وثمة تنويعات داخل ذلك الإطار، كما هو
الحال حتى في النسويات الغربية، وهو ما يبعد القول بتبعية ذلك التوجه للثقافة
الغربية".
في السياق ذاته، قالت الباحثة الإسلامية هديل الزير:
"لقد أُلصقت هذه الكلمة بكثير من النسويات الإسلاميات دون قصد منهن أو دافع
مسبق كي يكن ضمن هذا التيار، إنما هي حالة من الوعي وعصارة تجارب عديدة وقراءات
عميقة أفرزت مجموعة لا بأس بها من الناس (نساء ورجالا) متفقة بشكل عفوي في هذا
المضمون الدعوي".
وتابعت حديثها لـ"عربي21": "هذه
الأفكار ليست جديدة، بل قد سبق إليها أعلام في الفكر الإسلامي كالشيخ محمد
الغزالي، والأستاذ عبد الحليم أبو شقة وغيرهم، وهي تختلف اختلافا جذريا عن النسوية
الغربية".
وذكرت الزير في ختام كلامها أن "النسوية
الإسلامية" ربما تلتقي مع النسوية الغربية في الاسم، وبعض المضامين كالدعوة
لنيل الحقوق التي حُرمت منها ونالها الرجل، "لكنها تختلف معها في أهم نقطة
وهي موضوع المساواة المطلقة مع الرجل، المرفوض لنا كمسلمات، بالإضافة إلى الالتزام
بالمرجعية الإسلامية التزاما كاملا".