هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "استطيقا التصوف عند محيي الدين بن عربي"
المؤلف: محمد خطاب
الناشر: رؤية للنشر والتوزيع ـ القاهرة 2017
عن منشورات رؤية للنشر والتوزيع بالقاهرة صدر كتاب "استطيقا التصوف عند محيي الدين بن عربي" للباحث والكاتب الجزائري محمد خطاب.
يستمر إرث محيي الدين بن عربي ملهما ومؤثرا، نظرا لكثافة الدال ولثراء الحمولة وانفتاحها على تأويل مستمر. إرث يثير السؤال صوفيا وفلسفيا وجماليا، سؤال الوجود والكينونة، سؤال الجمال والجلال، سؤال الدال والمدلول.
في مفهوم التصوف
التصوف كما يفتتح خطاب كتابه: "معرفة مركزية منذ أن صار ابن عربي اسما ظاهرا عليه" و"أصبحت قراءته لازمة لكل من يريد أن يعرف مذهب المتصوفة والعرفانيين ويلتمس المعنى من رموزهم وكتاباتهم ونصوصهم".
إن الجلال والجمال مما اعتنى بهما المحققون العالمون بالله من أهل التصوف وكل واحد منهم نطق فيهما بما يرجع إلى حاله
التصوف مدخلا للمعرفة
يتشكل الكتاب من ثلاثة فصول تترابط في ما بينها وتتقاطع في بلورة ما يثمر المقاربة المرجوة من الباحث، الفصل الأول يتوقف عند تجربة التصوف عند ابن عربي، والتوقف عند التجربة مفتاح للولوج إلى الموضوع الذي سيكون في صلب الفصلين الثاني عن جمالية العرفان والثالث الذي يتوقف عند قضايا جمالية في تصوف ابن عربي.
تجربة التصوف بلورت تمثلا خاصا للمعرفة وللعقل، تمثلا قد نرصده في ما توصل إليه أبو حامد الغزالي في "المنقذ من الضلال"، وهي تجربة يمثلها ما ذكره ابن عربي في "الفتوحات" عن لقائه مع ابن رشد يقول على لسان الأخير: "كيف وجدت الأمر في الكشف والفيض الإلهي، هل هو ما أعطاه لنا النظر؟ قلت له: نعم ولا وبين نعم ولا تطير الأرواح من موادها والأعناق من أجسادها"، فالصيغة التي رآها ابن عربي كما يقول الباحث خطاب: "لنقد العقل هو التعبير بـ"نعم" و"لا". ويورد قول الباحث محمد المصباحي: "ذلك أنه إن لم يكن الشيخ الأكبر ينكر على العقل حقه في معرفة الوجود، فإنه كان يستنكر ادعاءه احتكار معرفة الوجود، لأن المعرفة في نظره تحيل دوما على اللامعرفة".
وزاوية النظر إلى العقل من جانب ابن عربي كما يقول الكاتب: "أكثر شمولية لو أخذنا برمزية نعم ولا، لأنه لا فائدة أصلا من إنكار العقل بل إعادة النظر في دوره المسموح به فقط، فهو نسبي قاصر عن الكشف أو الفيض أو ما يسميه ابن عربي بمقام نعم. حالة الكلية المطلقة للعرفان أو الكشف الإلهي لا تلغي دور العقل بل تلغي أدواته في النظر، لأن هناك جانبا آخر في النظر إلى العقل من حيث هو نور إلهي".
عن العقل والمعرفة
المنطلق في تمثل هذه النظرة للعقل والمعرفة، هو تجاوز التحديد الذي كرسته مقاربات بعض المفكرين الذين اشتغلوا على مشاريع كبرى حول العقل العربي أو الإسلامي، وحددوا النظر بقسمة نموذجها ما عبّر عنه زكي نجيب محمود بالمعقول واللامعقول. فالعقل كما يبيّن الباحث يأخذ مستوى جديدا، هو "مستوى التوتر القائم بين حسية التجربة ومعقوليتها، و كأن السؤال هو من أين تبدأ تجربة التصوف؟ وإذا قلنا تجربة التصوف فإن المقصود هو تجربة المعرفة".
ابن عربي صاحب مذهب ومن شأن أصحاب المذاهب أن يدركوا المسائل بطريقة شمولية كونية كاملة
ويعضد قوله بما ذكره ابن عربي في رسائله: "ثم إن المعرفة بالله ابتداء علم وغايتها عين، وعين اليقين أشرف من علم اليقين، والعلم للعقل والعين للبصر، فالحس أشرف من العقل، فإن العقل إليه يسعى ومن أجل العين ينظر، فصار عالم الشهادة غيب الغيب، ولهذا ظهر في الدنيا من أجل الدائرة فإنه ينعطف آخرها على أولها... وصار عالم الغيب وسطا وهو عالم العقل فإنه يأخذ عن الحس براهينه لما يريد العلم به وصار عالم الشهادة المطلق غيبا في الغيب وله يسعى العقل ويخدم".
تجربة داخل تجربة كما يذكر الباحث، أي أن ابن عربي عانى تجربة نقد العقل داخل تجربة التصوف. والتجربة الصوفية كما يذكر "فردية في المقام الأول" و"ليست هي بالضرورة التجربة الدينية"، وابن عربي يمثل بإرثه تكثيفا لما يمكن قوله عن التجربة، وسردياته مثلت تجريدا مزج المحايثة والتعالي، فحياته كما يقول خطاب: "امتزج فيها المعيش بالعرفان"، وبذلك أسست "لميتافيزيقا التصوف تأسيسا جديدا" وفيها نرى "مظهرا من مظاهر الفينومينولوجيا الحديثة والتي حاولت صياغة التجربة الإنسانية على أساس علاقة الوعي التي تحكم الحس الإنساني بالعالم، وخاصة عالم الأشياء".
في جمالية العرفان
بعد استفاضة في قراءة التجربة الصوفية ينتقل الباحث في الفصل الثاني إلى مقاربة جمالية العرفان، مقاربة يمكن أن نعتبرها من الاجتهادات الجديرة بالتنويه لبلورة مقاربات مبدعة للجماليات، مقاربات تستثمر المتراكم فلسفيا وتستخرج ما يمثل إضافات نوعية.
التجربة الصوفية "فردية في المقام الأول" و"ليست هي بالضرورة التجربة الدينية"