هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد مصر في السنوات الأخيرة انتشارا هائلا لتعاطي المواد المخدرة بأنواعها المختلفة، خاصة بين الشباب، ووصلت نسب الإدمان إلى مستويات غير مسبوقة، حسب إحصائيات وتصريحات رسمية.
وأصبح من غير المستغرب أن تجد تجار المخدرات في الشوارع يبيعون المواد المخدرة لزبائنهم بشكل علني، أو أن تجد مجموعات من الشباب يتعاطون المخدرات بأريحية، وسط تقاعس أمني في ملاحقتهم والتصدي لهم، بحسب مراقبين.
أرقام مفزعة
وفي هذا السياق، قال مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان بوزارة التضامن الاجتماعي إبراهيم عسكر، إن تعاطي المخدرات في مصر تسبب وبجود مشاكل اجتماعية وانحرافات أخلاقية كثيرة بجانب العديد من أشكال العنف، وأوضح أن 80% تقريبا من الجرائم التي تم ارتكابها في البلاد كانت بسبب تعاطي المواد المخدرة.
وأشار عسكر، في تصريحات تلفزيونية، إلى أن سن التعاطي انخفض إلى 9 سنوات، وأن نسبة تعاطي السائقين للمخدرات على الطرق السريعة 12%، موضحا أن أصدقاء السوء مسؤولون عن 58% من حالات الإدمان.
وحذر من نوع جديد من العقارات المخدرة التي بدأت تنتشر بشدة في مصر، وهو الأستروكس الذي قد يؤدى إلى الموت المفاجئ، مشيرا إلى أن سعره الرخيص، نتيجة أن تركيبته من نباتات وأدوية، جعلته ينتشر بشدة، خاصة في أوساط الطبقة الفقيرة.
وأشار إلى من أسباب خطورة الأستروكس، في أن رحلة العلاج منه أطول من أي نوع آخر من المخدرات، وربما تصل إلى 3 سنوات، كما أن المدمن يظل دائما عرضة للانتكاسة في أي وقت في أثناء العلاج، وهو ما يستلزم رغبة وإرادة قوية من المتعاطي للتعافي منه.
الإعدام لتجار المخدرات
وفي محاولة لمواجهة انتشار المواد المخدرة بين الشباب، اقترح مجلس الوزراء مطلع الشهر الجاري تعديل قانون مكافحة المخدرات وأحاله إلى البرلمان.
وقال الناطق باسم مجلس الوزراء، إن القانون المقترح يغلق الثغرة التي يستغلها تجار المخدرات لجلب مركبات جديدة غير التي تم إدراجها بجدول المخدرات لتصنيع المخدرات المخلقة، ومن أشهرها الأستروكس والفودو والفلاكا.
ويعاقب القانون بالإعدام كل من جلب أو صدر جواهر تخليقية ذات أثر تخديري أو ضار بالعقل أو الجسد أو الحالة النفسية والعصبية، ويعاقب بالسجن المؤبد كل من حاز أو أحر بقصد الاتجار الجواهر المشار إليها، ويعاقب بالسجن المشدد إذا كانت الحيازة والإحراز بقصد التعاطي.
كما بدأت الحكومة الشهر الماضي حملة للكشف عن تعاطي المخدرات بين موظفي القطاع الإداري للدولة، مع التأكيد أن الموظف الذي يتم التأكد من تعاطيه المخدرات، سيتم فصله من العمل نهائيا وإحالته للنيابة العامة.
مجتمع مهترئ
وتعليقا على هذه الظاهرة قال أستاذ علم الاجتماع طه أبو حسين بجامعة أسيوط، إن هذا العدد من المتعاطين الذي يزيد عن 10 مليون شخص، يشير بوضوح إلى أن المجتمع المصري أصبح مجتمعا مهترئا، يقترب من الانتحار، ويأكل نفسه بنفسه.
وأضاف أبو حسين، في تصريحات لـ "عربي21"، أن هذه النسبة الكبيرة من المتعاطين، تعني أن ملايين المواطنين أصبحوا يتجهون إلى إهلاك أنفسهم بأنفسهم عن طريق تعاطي هذه السموم، لافتا إلى أن خطورة الوضع كانت تتطلب إلقاء الضوء في وسائل الإعلام المختلفة على هذه الظاهرة، لكن الواقع هو أن الإعلام يشجع على الإدمان، بطريقة غير مباشرة، عن طريق تقديم مشاهد التعاطي على أنها جلسات سعيدة ومبهجة.
وحول أسباب زيادة تعاطي المخدرات في المجتمع المصري قال طه أبو حسين، إن عدم وجود اتفاق على قضية عامة واحدة يعد أحد الأسباب أيضا؛ حيث يفتقد المجتمع روح التواصل التي تنشأ بسبب الالتفاف حول قضية عامة مشتركة تجمع الناس، مثل: الحرب أو المشروع القومي أو حتى الكارثة.
وأشار إلى أن من أهم أسباب انتشار تعاطي المخدرات أيضا، فقدان الأمل بين المواطنين، خاصة بين المراهقين والشباب، بسبب تدهور النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى فقدان الثقة بالدولة؛ حيث أصبحت القيادة لا تقود الدولة لتحقيق مصلحة الجمع العام، ولكن لتحقيق مصالح فئوية أو شخصية، ولم يعد هناك نخبة أو صفوة يعملون لصالح الوطن والشعب ويحظون بثقة واحب واحترام الشعب.
وتابع: كذلك فقد المجتمع في السنوات الأخيرة أساسيات العلاقات الاجتماعية التي كانت موجودة فيه منذ عقود طويلة، وأصبح المجتمع يحتاج إلى إعادة تربية وإعادة توجيه وإعادة تعريف النشء والشباب بمفاهيم بديهية، مثل الأخلاق والثوابت الدينية والوطنية.
وحول التعديلات القانونية التي يناقشها مجلس النواب لمواجهة ظاهرة انتشار المخدرات عبر تشديد العقوبة على تجار ومتعاطي المخدرات قال أبو حسين، إن تشديد العقوبات لن يكون هو الحل النهائي لهذه المشكلة الخطيرة، على الرغم من أن وجود رادع قوي يمثل جزءا من الحل، وطالب بالتركيز على الرؤوس الكبيرة من تجار المخدرات وليس صغار البائعين.
واختتم تصريحاته بالقول، إن سد منافذ المرض أولى من معالجة آثاره، مؤكدا أن تعزيز الجانب الأخلاقي وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتفعيل القوانين الموجودة بالفعل، سيساهم كثيرا في تقليل انتشار المخدرات.