مشاكل عديدة يعانيها
الأفارقة اليوم تدفع بعضهم لـ"الهجرة نحو الشمال"، متحملين أعباء السفر
وخطورة الرحيل في صحراء غير آمنة وبحر غدّار. وأحد الذين التقتهم "
عربي21" محمد، المواطن العربي الإريتري
الذي نشأ وترعرع في
السودان، بعد مقتل والده على أيدي عناصر النظام في إريتريا.
هربت به والدته حين كان
في الخامسة من عمره إلى منطقة الدمازين، جنوب شرق السودان في ولاية النيل الأزرق،
حيث عملت في الزراعة. توفيت الوالدة بعد سنوات قليلة، وعمل محمد في الزراعة وكبر
وتزوج من فتاة إريتريةً.
ميليشيات تقتل وتغتصب
في الدمازين، شهد محمد
وزوجته شكلاً آخر من الظلم، حيث تسيطر ميليشيات "الحركة الشعبية لتحرير
السودان". رجال هذه الميليشيات الخارجة عن القانون، يستهدفون كل عائلة عربية
بالهجوم على منازلهم واعتقال من يشاؤون وفي أي وقت يريدون، ناهيك بحالات الاغتصاب
الجماعي التي لا توفر امرأة ولا ولداً، إضافة إلى التعذيب الذي يتضمن التشطيب
بالسكاكين في في أنحاء الجسد.
يحكي محمد بحرقة حين
يتحدث عن استباحة أموال وحرمات ودماء الناس في هذه المدينة. هذه الميليشيات التي
تأسست إبان حرب الجنوب والشمال، ظلت تنشط في مدينة الدمازين، وتتلقى دعماً من جوبا.
معكرونة مسلوقة
هذا الواقع المرير دفع
محمد وزوجته للرحيل من دون أي مؤن أو
نقود، مشياً في العراء إلى أن التقاهم أحد
المُهربين السودانيين ونقلهم إلى ليبيا في رحلة صحراوية دامت عشرة أيام. في شرق
ليبيا على ما يبدو كان هناك تعاون متين بين المهربين وهذه الميليشيات التي
كانت تسجن كل من يصل إليهم وتستفيد من خدماتهم ريثما يتم ترحيلهم.
ومن كان يملك المال
كان وضعه أفضل إذ كان يتمكن من شراء حريته بوقت أسرع فيدفع للمسلحين وللمهربين
وينطلق نحو "القارة العجوز" في "قوارب الموت". لكن محمد لم
يكن يمتلك المال فاستخدمه العناصر في المطبخ لإعداد الطعام للمساجين. يقول إن
"الطعام دائماً كان مجرد معكرونة مسلوقة من دون أي إضافات. كنا نتناوله
بالأيدي من الحلّة من دون أي ملعقة أو صحن".
وعن التعذيب
والاعتداءات الجسدية يتحدث محمد وتكاد الدمعة تسقط من عينه "كنت في زنزانة
أستطيع منها رؤية زوجتي من دون أن أكلمها. وكانت تصلنا أخبار استغلال الضباط
المناوبين والعساكر جنسياً للنساء والفتيات الصغار. وكان يعدون البعض لقاء خدماتهم
أو العمل في التنظيف والطبخ، بدفع مصاريف سفرهم إلى أوروبا. ومن كان يعصي أوامرهم
أو يحاول التمرد كان يتعرّض لأشد أنواع التعذيب بما فيها الكهرباء والضرب بعصاً
حديدية والجلد".
علبة السردين
بعد ثلاثة شهور في هذا
المُعتقل انتقل محمد إلى مدينة صبراتة في الشمال الغربي الليبي وكان الحمل قد بدأ
يظهر على زوجته. من هناك ركبوا البحر في زورق صغير. يضيف محمد: "تم حشر 162
شخصاً في مركب صغير. كنا مثل سمك السردين في العلبة ملتصقين ببعضنا.. حتى قضاء
الحاجة كان البعض يبول على نفسه. فالرحلة طويلة دامت نحو يومين. وفي وسط البحر
تعطلّ المركب بسبب انتهاء الوقود، فانتظرنا حتى جاءت مروحية إيطالية وعاينت المركب
من الجو وتأكدت من عدم وجود أي سلاح أو ممنوعات، ثم أتت بسفينة لنقلنا إلى جزيرة
سيسيليا (صقلية)".
بعد ذلك نقلوهم إلى
ميلانو وفنتيميليا في إيطاليا، حيث لم يكن هناك جمعيات لتساعدهم لكن بعض المقيمين
العرب زودهم بالملابس والطعام. من هناك واصل محمد وزوجته الحامل وبعض المهاجرين رحلتهم
في الجبال حتى
فرنسا. "كنا نمشي من دون ماء ولا طعام، حتى أننا شربنا مياها آسنة كنا نشربها مثل الدواب لعدم وجود أي وعاء ومشت زوجتي الحامل بطفلي الأول، إلى
أن وصلنا إلى بريانسون الفرنسية الحدودية التي أصبحت ممراً يومياً للمهاجرين عبر
إيطاليا".
وصل محمد إلى مدينة
أفينيون الفرنسية ثم قدّم طلب اللجوء بمساعدة شخص عربي مقيم هناك، وهو يعيش
بمساعدة جمعيات خيرية مثل "أجير" و"سيكور كاتوليك". ورُزق
بابنه الذي سماه بحر الدين. لكن محمد كان قد تم رفض طلبه للجوء أو حتى منحه
الحماية المؤقتة. والآن ينتظر المحكمة للبت في قضيته.