هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شكلت الانتخابات المحلية التركية التي أجريت في الحادي والثلاثين من شهر آذار/ مارس الماضي فرصة للمتابعين للشأن التركي للتساؤل، حول مدى اعتبارها مؤشرا على مستقبل حزب العدالة والتنمية التركي.
وبين
من اعتبر خسارة الحزب لأنقرة وإسطنبول تراجعا للحزب، ومن اعتبره مؤشرا مهما لكنه لا
يلغي مواصلته التقدم في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، ثمة من يطرح فرضية أن
يكون الحزب داخلا في مرحلة الأفول لا سيما أن النتائج الأخيرة تأتي بعد مغادرة أو انزواء
قيادات تاريخية شاركت الرئيس رجب طيب أردوغان تأسيس الحزب إلى أن وصل إلى ما وصل
إليه.
ويذهب
منظرو فكرة تراجع الحزب أو أفوله إلى أن أكبر دليل على وجود مشكلة حقيقية أمام
الحزب هو خسارة مرشحه بن علي يلدريم، الذي يعد عوضا عن كونه رئيسا سابقا للحكومة
والبرلمان، ذو خبرة وحضور كبيرين في بلدية إسطنبول أمام مرشح شاب كان رئيسا لبلدية
فرعية في إسطنبول.
"عربي21"،
ومن خلال هذا التقرير، تحاول قراءة المشهد الخاص بحزب العدالة والتنمية بعد محطة
الانتخابات الأخيرة، من خلال مختصين ومراقبين أتراك أجمعوا على أن اعتبار
الانتخابات مؤشرا يستحق التوقف حيال شعبية الحزب وحضوره في الساحة السياسية.
تراجع
أم تقدم؟
من
الأسئلة المهمة التي تطرح في أروقة السياسة التركية، إلى أي مدى يمكن اعتبار نتائج
الانتخابات بداية تراجع لحزب العدالة والتنمية؟ وهو سؤال لا يمكن الإجابة عليه دون
إلحاق الجواب لـ"لكن".
أستاذ
علم الاجتماع السياسي ومدير مركز "أورسام"
للدراسات أحمد أويصال يجب على هذا التساؤل بالقول لـ"عربي21" إن "نتائج
الانتخابات المحلية الأخيرة، تعد إنذارا لحزب العدالة والتنمية، ليعدل جزءا من
سياسته"، لكن "لا يزال الحزب قويا ومسيطرا على المشهد التركي".
ويتفق مع رأي أويصال عميد كلية الدراسات العليا
للعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة ابن خلدون برهان كورأوغلو في تأثيرات
الانتخابات على الحزب داخليا وعلى صعيد الساحة السياسية، قائلا لـ"عربي21"
إن "هناك جدلا واستياء داخليا في الحزب"، لكن "الحزب لا يزال
متماسكا وقويا وهو حقق انتصارا بغض النظر عما حصل في أنقرة وإسطنبول".
أما الكاتب والصحفي إسلام أوزكان فيذهب إلى أبعد مما
ذهب إليه أويصال وكور أوغلو، ويرى أن ما أفرزته الانتخابات البلدية "يؤشر إلى
بدء تراجع في شعبية الحزب في الحياة السياسية التركية".
اقرأ أيضا: أردوغان يأمر بتقييم داخلي شامل لنتائج الانتخابات المحلية
غير أنه يتفق مع الدكتور أويصال في توصيف أسباب
النتيجة، ويرى أنها رسالة من جمهوره وتحديدا المحافظ والمتدين ردا على ما قال إنه "اتساع
لظاهرة الفساد داخل الحزب وعلى مستوى البلديات".
ويرى أوزكان أن ما حصل هو نتيجة أيضا لما يسميه
"تفرد الرئيس أردوغان بالقرار داخل الحزب واللغة القاسية التي يستخدمها في
المهرجانات عند حديثه عن خصومه في المعارضة ولغة التخوين ضدهم".
مراجعات وتقييم
على صعيد ما بعد هذه المحطة داخليا، يؤكد من
التقتهم "عربي21" أن الحزب بصدد إجراء مراجعات داخلية لدراسة النتائج
واستخلاص العبر منها، وهو ما أكده الأربعاء المتحدث باسم حزب الحاكم عمر تشيلك.
وقال تشيلك في مؤتمر صحفي إن الرئيس أردوغان "أصدر
أوامره لممثلي الحزب في المدن والمحافظات والمقاطعات، لفهم الرسالة التي قدمها
المواطن التركي في الانتخابات المحلية الأخيرة".
اقرأ أيضا: أردوغان يطالب بإلغاء نتائج إسطنبول ويجتمع بالحركة القومية
وبهذا الخصوص يتوقع أحمد أويصال أن "تكون هناك
بعض التعديلات الإدارية الحكومية وترتيب بعض الأمور داخل الحزب"، مضيفا: "أتوقع أيضا أن يكون هناك تغيير وتبديل في بعض القيادات وخروج قيادات جديدة
كما تعهد الرئيس أردوغان، وخصوصا في المحافظات والولايات التي لم تحقق النتائج
المأمولة".
وأكد برهان كور أوغلو
توجهات التقييم الداخلي، وقال: "لا أستبعد أن تجري مراجعات واسعة
لدراسة ما جرى في هذه المحطة الانتخابية"، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بالإشارة
إلى "مبادرة ربما تتبلور مستقبلا من قبل الرئيس أردوغان للم شمل الحزب،
بالتواصل مع شخصيات بارزة وتحظى باحترام
وتقدير مثل أحمد داود أغلو وعلي باباجان".
ويتجاوز
الكاتب والمحلل السياسي المقرب من الحزب الحاكم عبد القادر سيلفي مستوى المراجعات
داخل الحزب إلى مستويات أوسع، حيث توقع في مقال كتبه بصحيفة حرييت المعارضة "أن
تشمل الإصلاحات والتغييرات جوانب اقتصادية وأخرى هيكلية متعلقة بالحزب، فضلا عن
تغييرات على مستوى السياسة الداخلية والأمنية والحريات وغيرها من القرارات".
أما الصحفي إسلام أوزكان ورغم افتراضه وجود
"عقبات وحواجز داخل الحزب" إلا أنه لا يستبعد حدوث محاولات للإصلاح
الداخلي"، رابطا ذلك "بوجود نية حقيقية للتحول والتغيير الشامل والسماح
بالنقد الذاتي والجذري".
حزب
بديل
وفي مقابل الحديث عن
تداعيات داخلية في الحزب للانتخابات الأخيرة، يذهب آخرون للحديث إلى أبعد من ذلك،
وصولا لفكرة أفول حزب العدالة والتنمية أو ظهور بديل له ينافسه في ذات الاتجاه
وعلى الشريحة ذاتها في المجتمع.
ويتداول أتراك في وسائل
التواصل الاجتماعي فكرة تجهيز لحزب جديد يحمل اسم (الحزب الجديد) عبر حسابات تروج لقيادة عبد الله غل وأحمد داوود أوغلو
له.
وحيال هذا الطرح يقول أوزكان
إن "حزبا جديدا أمر وارد ومحتمل وربما يعلن عنه خلال أشهر، حيث يجري الحديث عن
حزب من قيادات تم تصفيتها في حزب العدالة والتنمية ويرفض لما يجري داخل
الحزب"، معتقدا أن "هناك سخطا داخل الحزب من النتائج الأخيرة، وسيكون
هناك ارتدادات وتأثيرات على المدى البعيد على مستقبل الحزب وحضوره في الساحة
السياسية".