هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافي جيروم توبيانا، الذي غطى النزاع في تشاد ودارفور، تحت عنوان "الرجل الذي روع دارفور هو من يقود العملية الانتقالية المفترضة في السودان".
ويقول توبيانا في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن محمد حمدان "حميدتي" دقلو، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، هو من يقوم بإصدار الأوامر الآن في الخرطوم.
ويشير الكاتب إلى أن "الدبلوماسيين الغربيين في الخرطوم عرفوا بعد الإطاحة بعمر البشير في 11 نيسان/ أبريل، من هو الشخص القوي في العاصمة، فلم يصافح سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي رئيس المجلس الذي لم يسمع به أحد من قبل، عبد الفتاح البرهان، لكنهم صافحوا واجتمعوا مع حميدتي".
ويعلق توبيانا قائلا إن "قصة صعود وتأثير رجل في الأربعينيات من عمره، وغير متعلم، وقاد مليشيا (الجنجويد)، التي جلبت الموت والدمار على دارفور قبل 16 عاما، تظل لغزا".
ويعتقد الكاتب أن "حميدتي هو إرث الرئيس البشير الرئيسي خلال 30 عاما من حكمه، وكان البشير نفسه نتاجا لتحالف بين الجيش والإخوان المسلمين، وعندما تعب الجيش من الحروب في الجنوب وتفكك الإسلاميون، أقنعه قادة العرب في دارفور بأن تجنيد شبابهم في مليشيات سيساعده على النصر في النزاع الذي اندلع عام 2003، ولم يكن يعرف البشير أنه خلق وحشا لا يمكن السيطرة عليه، بعدما أنشأ الجنجويد ودعمها تحت قيادة حميدتي".
ويلفت توبيانا إلى أنه "بعد أيام من الإطاحة بالبشير أمل المدنيون بالتفاوض على عملية انتقالية مع البرهان وحميدتي، لكن الدارفوريين كانوا متشككين لمعرفتهم بالرجال الذين أصبحوا في الحكم الآن، فقد كان البرهان عقيدا في الاستخبارات، مسؤولا عن تنسيق هجمات الجيش والجنجويد في غرب دارفور في الفترة ما بين 2003- 2005، في وقت كان فيه حميدتي أمير حرب، وسيصبح لاحقا قائدا للجنجويد".
ويذكر الكاتب أنه "في السنوات الأولى من الحرب التي تميزت بالشراسة والكثافة، التي أدت إلى مقتل مئات الألاف من المدنيين غير العرب، وتشريد مليوني شخص، والتي أدت إلى إصدار المحكمة الجنائية مذكرة لتسليم البشير".
ويقول توبيانا إنه التقى مع حميدتي عدة مرات عام 2009، وكانت أول مرة في محل للمفروشات الشرقية كان يملكه في عاصمة جنوب دارفور، نيالا، ونقل إلى مكتب خاص داخل المحل ليقابل رجلا طويلا بابتسامة ساخرة تشبه ابتسامة طفل شقي، وكان قد عين في ذلك الوقت مستشارا أمنيا لحاكم جنوب دارفور، وهو أول منصب حصل عليه من خلال الابتزاز والتهديد بالتمرد، وينتمي حميدتي إلى عائلة عربية من تشاد فرت من الحرب والجفاف في الثمانينيات من القرن الماضي، وقال له إن سلطات شمال دارفور لم تعترف بعمه جمعة دقلو زعيم عشيرة عربية، إلا أن ولاية جنوب دارفور رحبت به وبعشيرته، وسمحت لهم بالإقامة على أرض تعود لقبيلة من الفور غير العرب.
وينوه الكاتب إلى أن المكان كان اسمه "دوغي" بلغة الفور، وتم تغييره إلى "أم القرى"، وسلحت السلطات أتباع دقلو، الذين بدأوا بمهاجمة جيرانهم من الفور، مع بداية العقد الأخير من القرن الماضي، وكان حميدتي ولدا صغيرا في ذلك الوقت، حيث ترك المدرسة الابتدائية بعد الصف الثالث، وبدأ في العمل بتجارة الجمال عبر ليبيا ومصر.
ويفيد توبيانا بأنه عندما اندلعت حرب دارفور عام 2003 أصبح أميرا في الجنجويد، وقاد هجمات ضد قرى الفور، وبرر انضمامه للمليشيا قائلا إن المتمردين هاجموا قافلة جمال كانت في طريقها إلى ليبيا، وقتلوا 75 رجلا، ونهبوا 3 آلاف جمل، وفي عام 2006 قاد رجاله معتمدين على معدات جديدة سلسلة من المداهمات على مناطق المتمردين في شمال دارفور".
ويورد الكاتب أنه "بحسب شهود عيان، فإن رجال الجنجويد قام بحشر الرجال غير العرب في شاحنات واغتصبوا النساء، وأدت أساليبه العنيفة إلى توتر مع قادة الجيش، وفي الوقت ذاته بدأت تشاد والسودان حربا بالوكالة، ودعمت كل منهما جماعات من المتمردين، واستخدمت تشاد المسؤولين العرب لدفع الجنجويد إلى خيانة الخرطوم، وفي ذلك الوقت كان بكارا عيسى عبد الله، أحد أبناء عمومة حميدتي، وزيرا للدفاع التشادي، واستدعى في عام 2006 قائد الجنجويد إلى العاصمة نجامينا، ودفعه لتوقيع معاهدة عدم عداء مع حركة العدالة والمساواة دون معرفة الخرطوم".
ويفيد توبيانا بأن حميدتي أعلن بعد ذلك أنه أصبح متمردا، وتلقى في الوقت ذاته زيارة من فريق تلفزيوني تابع للقناة الرابعة في بريطانيا، الذي صور فيلما وثائقيا عنه، إلا أن الصحافيين جاءوا متأخرين، حيث صوروا أيضا المفاوضين الحكوميين الذين كانوا يتفاوضون مع حميدتي حول ثمن عودته إلى حظيرة الحكومة.
ويقول الكاتب إن الفترة التي قضى فيها حميدتي متمردا لم تتجاوز ستة أشهر، كما أخبر الكاتب عام 2009، قائلا: "لم نصبح متمردين" و"كل ما كنا نريده هو لفت انتباه الحكومة، وأردنا أن نقول لهم إننا هنا من أجل الحصول على حقوقنا، والرتب العسكرية والمناصب السياسية وتطوير منطقتنا".
ويضيف توبيانا: "أما القادة الآخرون فكانوا ناقدين للحكومة، بمن فيهم موسى هلال، الذي ترك منصبه الاستشاري للرئاسة في الخرطوم، وبدأ بتشكيل منظمته الخاصة، وفي الوقت ذاته قاتلت تشكيلات الجنجويد وبشكل مفتوح المخابرات السودانية في وسط نيالا، وكان حميدتي واحدا من القلة الذين ظلوا موالين لحكومة البشير، وفي النهاية تم اختياره ليقود قوات الدعم السريع لتحل محل الجنجويد، إلا أن الخطة فشلت، حيث أصبحت القوات خارجة عن السيطرة، وانخرطت في عمليات نهب وقتل في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وبدأت هذه القوات بتصدير العنف إلى وسط السودان، حيث طالبت بالفدية عن المدنيين المختطفين، وأقامت حواجز على الطرق في شمال كردفان، وأسهمت في قمع المتظاهرين في العاصمة عام 2013".
ويبين الكاتب أن "هذه القوات أصبحت في ذلك الوقت بمثابة الحرس الجمهوري للرئيس، ومكلفة بحمايته من المتظاهرين، أو أي محاولات انقلابية، وتحولت تحت إشراف الرئيس إلى القوة الثالثة داخل الأجهزة الأمنية، ونافست الجيش والاستخبارات، وتم ترفيع حميدتي لرتبة عميد جنرال".
ويشير توبيانا إلى أنه قوات حميدتي بدأت في عام 2016 بمحاربة تدفق المهاجرين واعتراضهم من السودان، أو بقية دول القرن الأفريقي قبل وصولهم إلى ليبيا، وعرضهم على الشاشات المحلية؛ لإقناع الأوروبيين أنهم الأشخاص المناسبون للمهمة.
ويؤكد الكاتب أن "قوات الدعم السريع لعبت لعبة مزدوجة، حيث ملأت شاحناتها بالمهاجرين، الذين تم بيعهم لاحقا للمهربين في ليبيا، وكانوا عادة ما يسجنون ويعذبون، ومنذ سقوط القذافي عام 2011 يتعرض المهاجرون للتعذيب حتى يتصلوا بعائلاتهم لدفع الفدية مقابل حريتهم، ومن لم يستطيعوا الدفع يتم تحويلهم إلى عبيد".
ويلفت توبيانا إلى أن "حميدتي زعم على التلفزيون الوطني السوداني أنه يعمل نيابة عن الاتحاد الأوروبي، وهدده بفتح الحدود إن لم يدفع الفدية مقابل (العمل الشاق) الذي قام به".
ويفيد الكاتب بأنه "عندما شارك السودان في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، فإن حميدتي شارك مع الفرقة السودانية التي نشرت هناك، وقاد القوات هناك البرهان الذي كان رئيسا لهيئة الأركان، وعمل الرجلان معا بشكل جيد، ويقال إنهما قابلا مسؤولين إماراتيين وسعوديين، حيث ناقشوا مرحلة ما بعد البشير، وقالوا لهم إن الرجال الذين تبحث عنهم الأنظمة السعودية والإماراتية والمصرية، الذين ليسوا على علاقة مع قطر وإيران والإخوان المسلمين".
ويكشف توبيانا عن أن "قوات الدعم السريع حصلت، بحسب تقارير، على دعم مالي وأسلحة من الإماراتيين والسعوديين، وفي مؤتمر صحافي عقده قبل فترة زعم حميدتي أنه خصص 350 مليون دولار لدعم الاقتصاد، وقال إنه حصل على المال لدوره في اليمن وعمليات التنقيب عن الذهب في السودان، وتنافس مع هلال على امتيازات الذهب مع منافسه هلال، واستطاع أخيرا دفع الحكومة لاعتقاله عام 2017".
ويذكر الكاتب أن حميدتي زعم في مقابلة تلفزيونية معه بعد الانقلاب، أن البشير طلب منه مع بقية قادة الجيش في بداية نيسان/ أبريل فتح النار على المتظاهرين، مستندا إلى بعض الآراء في المذهب المالكي، بأنه يجوز للحاكم قتل ما بين 30-50% من الشعب لحماية البقية، لكنه قرر "عدم الوقوف أمام التغيير".
وينوه توبيانا إلى أن الرئيس الأول للمجلس، الجنرال عوض بن عوف استقال بعد 24 ساعة لاختلافه مع حميدتي، الذي فضل البرهان، لافتا إلى أن حميدتي تابع حملة العلاقات العامة، وزار الجرحى من المتظاهرين في المستشفى، لكنه هدد في مؤتمر صحافي عقده في 30 نيسان/ أبريل، متهما المحتجين بمدمني المخدرات، وقال إنه لن يتسامح مع استمرارهم في عرقلة حركة الشوارع.
ويقول الكاتب إن "من نظر إليه في الماضي على أنه نكتة، بدأ يتعامل معه على أنه تهديد على آمال الديمقراطية، وبالتأكيد فقد وضع حميدتي قواته -حوالي 9 آلاف عنصر موجود في الخرطوم، بالإضافة إلى 4 آلاف عنصر جلبهم من دارفور- من أجل مواجهة المتظاهرين، الجيش أو أي طرف يهدده".
ويشير توبيانا إلى أن "حميدتي يحظى بدعم رجال العشائر العربية الذين أقاموا الجنجويد قبل 16 عاما، ولو وصلوا إلى السلطة فذلك يعني (سرقة الثورة من الشعب)، بحسب شعار رفعه محتج، وبالتالي تحويل السودان من دولة عسكر إلى دولة مليشيا، واستبدال الشعارات الإسلامية بشعارات التفوق العربي".
ويقول الكاتب: "في الوقت الذي اتسم فيه الرد الغربي بالسلبية، إلا أن البعض يشعر بالخوف، ففي تشاد ورغم بقاء ابن عمه مستشارا للرئيس، إلا أن حميدتي عبر عن معاداة ضد تشاد، ما زاد من مخاوف الرئيس إدريس ديبي من محاولات العرب السيطرة على النظام في نجامينا، ووصل ديبي إلى الحكم بعد عام من وصول البشير، وسقوط الأخير سيثير خوفه، ويعتمد ديبي في حكمه على قبيلة الزغاوة، لكنه عين عددا من العرب وغيرهم في مناصب مهمة في الدفاع والخارجية".
ويجد توبيانا أنه "قد لا يرفض ساسة عرب طامحون دعما من حميدتي، الذي تضم قواته مقاتلين عربا من تشاد ومتمردين سابقين ضد ديبي لجأوا إلى السودان، وقد يهتم المقاتلون هؤلاء بتغيير النظام بتشاد أكثر من السودان".
ويذكر الكاتب أنه "حتى لو تم سحب سلاح جماعات في الجنجويد، إلا أنها لا تزال ناشطة قرب الحدود مع ليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتقول تقارير أن بعض مقاتلي الجنجويد انضموا للجماعات الجهادية في مالي".
ويختم توبيانا مقاله بالقول: "أصبحت قوة هذه الجماعات في مقام قوة الجيش السوداني النظامي والقوى الأخرى في المنطقة، وأي محاولة لنزع سلاحهم قد تنتهي بحمام دم، والقضية في السودان ليست مجرد فك اعتصام".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)