هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خاضت العديد من الحركات الإسلامية غمار العمل السياسي في كثير من الدول العربية والإسلامية، طامحة إلى إحداث إصلاحات وتغييرات حقيقية، عبر مشاركتها في المجالس البرلمانية تارة، ومشاركتها في السلطة التنفيذية تارة أخرى.
لكنها، وبعد عقود من مشاركتها السياسية بمستوياتها المختلفة، تواجه انتقادات شديدة، بعضها تصف تجارب تلك الحركات السياسية بالفشل، وبعضها الآخر مع انتقادها لضعف أدائها السياسي، إلا أنها تشدد على ضرورة استحضار حجم الاستهداف الضخم الذي أفضى إلى إجهاض مشاريعها.
ووفقا للأكاديمي والسياسي العراقي، الدكتور زياد الصميدعي، فإن "مشاركة الحركات الإسلامية في السياسة انطلقت من قياس غير صحيح، وهو ما انعكس على أدائها السياسي، فقياس العمل السياسي على العمل الدعوي قياس مع الفارق".
وأردف قائلا لـ"عربي21": "فللسياسة معطيات واقعية مرتبطة بمنظومة العلاقات الدولية في ظل مجتمع دولي أحادي القطبية، وهو ما لا يمكن معه العمل دون تفاهمات وتنازلات ربما عن مبادئ لا يمكن لهذه الحركات التخلي عنها، ما شكل لهم صدمة قادتهم إلى التخبط في مواقفهم، وخسران جمهورهم على صعيد الشارع الجماهيري".
وتابع "أما من الناحية الفكرية، فإن هذه الحركات تحتاج اليوم إلى آراء وأفكار وفقه سياسي تأصيلي، يحدد لها مسارها الشرعي، لكن المؤسسة الدينية للأسف غير قادرة اليوم على تخريج فقهاء واقعيين يمتلكون أدوات الاجتهاد التطبيقي والعملي".
وخلص الصميدعي إلى أن "الحركة الإسلامية مُنيت بالفشل في العمل السياسي، وهو ما دفع بعض منظريها إلى المطالبة بالنقد والمراجعة، إلا إنه للأسف لم ولن يتحقق لسببين بسيطين: أولهما يعود إلى انفراط عقد القيادة في معظم هذه الحركات وتمرد القاعدة على القمة، ما أدى إلى الانشقاقات والتحزبات الضيقة".
أما السبب الثاني، فيرجع -بحسب الصميدعي- إلى كون "الانتماء لهذه الحركات لم يعد مبنيا على التلازم بين الالتزام الديني والانتماء الحركي، فتجد الكثير من أبناء هذه الحركة غير ملتزم شرعا، وهو ما انعكس على أدائها"، على حد قوله.
من جهته، حذر أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء اليمنية، الدكتور عبد الباقي شمسان، من خطورة "القيام بتصنيف نمطي لمختلف الحركات الإسلامية وأحزابها السياسية، إذ إن من الضروري التمييز بين الجماعات الجهادية والحركات المتطرفة، وبين الجماعات والأحزاب الإسلامية التي أعلنت قبولها بقواعد اللعبة الديمقراطية".
وأضاف: "هناك من يسعى إلى تسويق صورة نمطية أحادية لكل الجماعات والحركات التي ترتكز إلى المرجعية الإسلامية، وهو ما يوجب على الحركات الإسلامية السياسية تقديم نفسها بشكل واضح غير ملتبس، وأن تسعى إلى تسويق رؤاها ومشروعها بما يبدد تلك التوجهات التي تسعى للنيل منها".
وإجابة عن سؤال "عربي21" بشأن ما ينبغي على تلك الحركات أن تفعله حتى تكون مشاركتها السياسية ذات جدوى حقيقية، قال شمسان: "في ظل استراتيجية تستهدف تلك الحركات بشكل مباشر، فإن تلك الحركات مدعوة بشكل جدي للتفكير بطرق ووسائل عملية حتى تكون مشاركتها السياسية كذلك".
وأشار شمسان إلى أن "حجم استهداف تلك الحركات بوصفها من القوى التي ستتصدى لمواجهة صفقة القرن تضاعف كثيرا، لا سيما أن هناك توجها أمريكيا رسميا لتصنيفها تنظيمات إرهابية، وفي ظل استراتيجيات متعلقة بترتيب المنطقة بأسرها، ما يدفعها إلى البحث عن حلول ومخارج سياسية ممكنة لامتصاص ذلك الهجوم الشرس الذي يستهدفها في الصميم".
وشدد شمسان على ضرورة "انفتاح تلك الحركات على المجتمعات المحلية والعربية والدولية، وتقديم ذاتها كجماعة سياسية منفتحة على الآخر، تقبل بالتنوع، وتحترم سائر المكونات والتوجهات الفكرية والسياسية الأخرى".
بدوره، لفت الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حلمي الأسمر، إلى أن "الحركات الإسلامية لم تستفد من تجاربها التي مرت بها على النحو المطلوب، ولكن حتى لا نظلمها ينبغي أن نلتمس حجم الهجوم الكبير الذي تتعرض له، والذي لم يسبق له مثيل".
وأضاف: "تحميل الحركات الإسلامية وزر التراجع في المشهد غير منطقي، لأنها محاربة بشراسة، وتواجه تحديات حقيقية تستهدف وجودها، سواء من العدو البعيد، أو الأخ القريب".
ورأى الأسمر في حديثه لـ"عربي21" أن مشاركة الحركات الإسلامية من عدمها تعتمد بالأساس على جدية الساحات التي تتواجد فيها تلك الحركات، لكن طبيعة مشاركتها تتفاوت من مكان إلى آخر بحسب ظروف كل حالة".
وواصل شرح فكرته بالقول: "فأحيانا تُتخذ تلك الحركات مطية لإضفاء الشرعية على أنظمة في غاية القبح، فحينئذ لا يعدو دورها دول (المحلل والتجحيش)، وفي أحيان أخرى تُستدعى كديكور تجميلي حتى يُقال إن مختلف ألوان الطيف السياسي متواجدة في العملية الديمقراطية، لكنها بالتأكيد عملية منزوعة الدسم".
ولفت الأسمر إلى أن من "صور مشاركة تلك الحركات أن يتم استدعاؤها في بعض الأحيان بشكل مبرمج ومخطط له، لتوريطها بعد ذلك إما على المدى المتوسط أو الطويل، والهدف هو إخراجها من دائرة الفاعلية والحضور المؤثر".
وتعليقا على ما ينقص تلك الحركات حتى تكون مشاركتها أجدى نفعا، دعا الأسمر تلك الحركات إلى "حل نفسها، والتفكير بأسلوب جديد في العمل بعيدا عن رفع الراية الإسلامية، بل بتقديم نفسها كأحزاب وطنية إنسانية".
وختم الأسمر حديثه مذكرا تلك الحركات بأن غالب الدول العربية تعيش -ما أسماه- "حالة الاحتلال الوطني"، وهو ما يوجب على كل تلك الحركات أن تعي ذلك جيدا، وتبني رؤاها ومواقفها استنادا إلى تلك الحقيقة، وهو ما يدعوها إلى التكيف مع القائم، بحل تنظيماتها الدعوية والحركية، وتأسيس أحزاب سياسية، والعمل ضمن الهوامش المتاحة بذكاء وحنكة ومرونة".