يكاد يكون الرفع الدوري لأسعار
الكهرباء هو الإجراء الوحيد الذي التزم به النظام العسكرى في
مصر، بشكل سنوي مع بداية شهر تموز/ يوليو من كل عام، مقابل عدم انتظام العلاوة الاجتماعية للعاملين بنفس الانتظام.
فبعد تولي الجنرال في 3 حزيران/ يونيو 2014 بأقل من شهر، بدأ مسلسل زيادات
أسعار الكهرباء، والتي تشمل الاستهلاك المنزلي والتجاري والصناعي والزراعي والمرافق والإنارة العامة.
وتم مؤخرا
إعلان نسب الزيادة الجديدة التي ستتم في مطلع تموز/ يوليو المقبل، والتي تمثل الزيادة السادسة في عمر النظام الحالي، وتراوحت نسبتها ما بين 7 في المئة إلى 39 في المئة للاستهلاك المنزلي، بالمقارنة بما كانت عليه في تموز/ يوليو من العام الماضي، وكانت أعلى نسب الزيادات من نصيب الشرائح الفقيرة، بينما انخفضت نسب الزيادة لدى الشرائح الغنية مرتفعة الاستهلاك.
وفي الاستهلاك التجاري، تراوحت نسب الزيادة الجديدة ما بين 7 في المئة إلى 40 في المئة، مع تدني نسب الزيادات لدى الشرائح التجارية عالية الاستهلاك. وفي الاستهلاك الصناعي، بلغت نسبة الزيادة 20 في المئة بشركة كيما للصناعات الكيماوية، للجهد الفائض، كما تراوحت نسبة الزيادة ما بين 25 في المئة للرى بالجهد المتوسط، إلى 50 في المئة للري بالجهد المنخفض للتيار الكهربائي.
وبلغت نسبة الزيادة حوالي 18 في المئة لمترو الأنفاق الذي يعتمد على الكهرباء بشكل رئيسي في تسييره، كما زادت لدى شركات مياه الشرب والصرف الصحي بما بين 4 في المئة إلى 14 في المئة، حسب نوع الجهد للتيار الكهربي. وكات نسبة الزيادة 14 في المئة للإنارة العامة، والتي تتم في سرادقات المناسبات كالأفراح والمآتم.
500 في المئة زيادة لأدنى شريحة
وهكذا يمكن تصور مدى تأثير الارتفاعات الستة المتتالية لأسعار الكهرباء على الشرائح البسيطة، من خلال تطور سعر استهلاك أدنى شريحة بالاستهلاك، والتي يتراوح استهلاكها الشهري من الكهرباء من صفر إلى 50 كيلوواط شهريا، والتي كانت بسعر خمسة قروش للكيلووات في فترة الرئيس محمد مرسى، لتواصل ارتفاعاتها مع الحكم الحالي؛ من 7.5 قرش للكيلووات حتى بلغت 30 قرشا للكيلووات، بالأسعار الجديدة أي بزيادة 500 في المئة خلال السنوات الست.
ونفس الأمر للشريحة الأدنى في الاستهلاك التجاري، التي يتراوح استهلاكها الشهري من الكهرباء من صفر إلى 100 كيلووات/ ساعة، وكانت بسعر 27 قرشا للكيلووات بعهد الرئيس محمد مرسى، لتظل تتصاعد حتى بلغت 65 قرشا للكيلووات/ ساعة بالأسعار الجديدة، بنسبة نمو بلغت 141 في المئة خلال السنوات الست.
ولا يقتصر الأمر على الزيادات الست المتتالية بأسعار استهلاك الكهرباء، حيث يتم تحميل الفواتير بستة أنواع من الدمغات والرسوم، وهي: دمغة التوريد لقيمة الفاتورة، وضريبة رسم تنمية الموارد، ورسم يتم تحصيلة لصالح المحافظة التي يتواجد فيها المستهلك، ورسم للإذاعة؛ تختلف قيمته من الريف إلى الحضر نظير الاستماع إلى الإذاعة المصرية.
ورسم خدمة العملاء وتختلف قيمته حسب شريحة الاستهلاك، سواء المنزلى أو التجارى أو الصناعي، ويتم تحصيله حتى ولو كانت قراءة العداد صفرا، ورسوم النظافة التي يتم توريدها للحكم المحلي.
كما قام النظام العسكرى منذ تموز/ يوليو 2014 باستحداث إضافة للفواتير، تحت مسمى "مقابل القدرة " على المستهلكين للجهد الفائق والجهد العالى والجهد المتوسط للتيار الكهربائي، ولحقت الزيادات السنوية بمقابل القدرة، فعلى سبيل المثال بدأ مقابل القدرة بنحو 30 جنيه لكل كيلووات شهريا، للمشتركين بالجهد المتوسط للتيار الكهربائي عام 2014، ثم ظل يرتفع حتى بلغ 60 جنيها حسب الأسعار الجديدة.
المستهلك يتحمل التكلفة المنزلية والصناعية
وهكذا تتبين المعاناة لتى يعيشها المصريون بسبب تلك الزيادات المتتالية لأسعار الكهرباء، والتي تقول الحكومة أنها مستمرة حتى عام 2021، وبالطبع لا يوجد ما يمنع من استمرار الزيادات بعد هذا الموعد، خاصة مع عدم وفاء الحكومة يوعدها مسبقا عام 2014 بأن الزيادات بأسعار الكهرباء ستكون لمدة خمس سنوات، أي حتى عام 2018، لكنها مدت المدة ثلاث سنوات أخرى. كما أنها لم تلتزم بجدول قيمة تلك الزيادات السنوية الذي أعلنته عام 2014 للسنوات الخمس التالية.
فقد أصبح الاستهلاك الكهربائي أمرا أساسيا لكل بيت، لتشغيل الثلاجات والمبردات والمراوح وأجهزة التكييف والغسالات والمكاوي، وباقي الأجهزة الكهربية، كما أن الزيادات المتتالية بالأنشطة التجارية يدفع تكلفتها المستهلك، وها هي الزيادات بأسعار الكهرباء لمترو الأنفاق كانت مبررا لرفع أسعار التذاكر أكثر من مرة خلال فترة جيزة.
وعندما تزيد أسعار الكهرباء للصناعة فسينعكس ذلك على أسعار منتجاتها، ولعل أسعار إنتاج شركة مصر للألومنيوم المعتمدة على الكهرباء خير مثال. ونفس الأثر لارتفاع الكهرباء لأغراض الري، والتي ستنعكس على أسعار المنتجات الزراعية، وكذلك اعتماد حفظ الخضر والفاكهة والدواجن واللحوم على المبردات لدى التجار، مما ينقل زيادة التكلفة
للمستهلاك النهائي.
ورغم وجود جهاز يسمى جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، من مهامه تحديد أسعار الكهرباء، والدفاع عن حقوق المستهلكين الذين يمثل الاستهلاك المنزلي النسبة الأكبر منهم يليه لقطاع الصناعي، إلا أن وزير الكهرباء يرأس الجهاز، ويتم تعيين أعضائه من قبل رئيس الوزراء من خلال ترشيحات وزير الكهرباء، فمجلس إدارة الجهاز المكون من 12 عضوا بخلاف الرئيس يضم ثلاثة أعضاء يمثلون مرفق الكهرباء، وأربعة من ذوي الخبرة، وأربعة يمثلون المستهلكين، لكن لا يتم اختيارهم من قبل المستهلكين.
والنتيجة أنه لا صلة بين الجمهور والمرفق، بل إن غالب المستهلكين لا يعرفون شيئا عنه، وكل دور الجهاز عمليا هو اعتماد قائمة الأسعار التي تحددها الوزارة سنويا، دون أي تشاور مع المستهلكين، سواء بالصناعة أو بالتجارة أو بغيرها من شرائح الاستهلاك، ولو من باب استكمال الشكل.
تكلفة غير واقعية لإنتاج الكهرباء
وعادة ما يتعلل وزير الكهرباء عند كل رفع لأسعار الكهرباء بارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء، والتي ذكر أنها وصلت حاليا إلى 114 قرشا للكيلووات/ ساعة للجهد المنخفض، لكن الوزارة لا تتيح للمتخصصين ولوسائل الإعلام الاقتصادي عناصر تلك التكلفة، حيث يتأثر ارتفاع التكلفة بعدة
عناصر لا ذنب للمستهلكين بها.
وأولها العدد الكبير للعمالة بالشركة القابضة للكهرباء، والتي بلغت 165.5 ألف عامل في نهاية حزيران/ يونيو 2017، كآخر بيانات متاحة، وارتفاع تكلفة أجور تلك العمالة التي تتوزع على 16 شركة تابعة؛ منها ست شركات لإنتاج الكهرباء وشركة لنقل الكهرباء وتسع شركات للتوزيع.
العامل الثاني، هو ارتفاع نسبة الفائد من الإنتاج الإجمالي للكهرباء إلى 11 في المئة خلال عمليتي النقل والتوزيع، وكذلك ارتفاع نسبة سرقة التبار الكهربائي، سواء من خلال الباعة الجائلين، أو لدى سكان العشوائيات وغيرها إلى 6 في المئة من الإنتاج، وكذلك تأخر سداد مستحقات وزارة الكهرباء لدى الوزارات المختلفة، مما تترتب عليه صعوبة دفع وزارة الكهرباء ما عليها من التزمات، سواء للوزارات وأبرزها البترول، وكذلك للبنوك المقرضة لها.
ويظل احتكار الشركة القابضة لأنشطة الإنتاج والنقل التوزيع للكهرباء عاملا رئيسيا، في تحكمها في تحديد الأسعار للاستهلاك دون وجود بديل لدى المستهلكين، إضافة إلى المناخ البوليسي الذي يعيشه المصريون منذ سنوات، وإعلام الصوت الواحد والبرلمان الصوري، مما يحول دون وصول معاناة المستهلكين على اختلاف نوعياتهم، خاصة أن زيادات الكهرباء لا تتم وحدها، فهناك زيادات أخرى بأسعار الوقود والسلع الأساسية، من خضر وفاكهة ولحوم وأسماك وبقول وزيوت، وخدمات مواصلات واتصالات وصحة وتعليم، مما يقلل من إمكانية اسيتعاب ميزانيات الأسر والمتاجر والمصانع لتلك الزيادات بأسعار الكهرباء.