هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين
أفيرز" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن مدى تورط العراق في الصراع الأمريكي
الإيراني، خاصة أن موقف الرئيس العراقي الذي أبداه خلال قمة جامعة الدول العربية
يثبت أن العراق منحاز للجانب الإيراني بشكل كبير خلال هذه الأزمة.
وقالت المجلة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في أواخر شهر أيار/ مايو استضافت
السعودية ثلاثة اجتماعات قمة منفصلة في مكة، على أمل ضمان إدانة المنطقة الكاملة
للأنشطة الإيرانية في الشرق الأوسط، ولكن لم يشاطرهم أي من الأطراف رأيهم حول
إيران.
وفي الواقع، ناشد
الرئيس العراقي برهم صالح، في اجتماع جامعة الدول العربية، قادة المنطقة للمساعدة
في الحفاظ على استقرار إيران. وقال برهم صالح إنه في حال خاضت الولايات المتحدة
وحلفاؤها الحرب مع إيران، فسيكون لهذا الصراع تداعيات خطيرة على العراق والشرق
الأوسط بأكمله.
وأفادت المجلة بأن العقوبات
التي فرضتها إدارة ترامب على إيران في أواخر سنة 2018 كانت من أشد العقوبات التي
مرّت بها البلاد على الإطلاق. وقد عمل الإيرانيون على إقناع شركائهم الاقتصاديين
الأوروبيين والآسيويين بإنقاذهم من غضب الرئيس ترامب من خلال إبقاء القنوات
التجارية مفتوحة بما نصّ عليه الاتفاق النووي لسنة 2015 الذي وقّعت عليه إيران
والولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى.
وأوردت المجلة أن جميع
الدول اختارت تجنب تحدي العقوبات الأمريكية، مما أدى إلى انخفاض المبادلات
التجارية بين إيران والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 83 بالمئة تقريبًا
بين كانون الثاني/ يناير 2018 وكانون الثاني/ يناير 2019. وبحثا عن حلّ، لجأت
طهران إلى جيرانها المباشرين مثل تركيا وأفغانستان والعراق، الذين قد تساعد
تجارتهم المستمرة في تعويض الخسائر العميقة التي تفرضها العقوبات الأمريكية.
ووفقًا لمنظمة ترويج
التجارة الإيرانية، وهي مجموعة دفاع مرتبطة بوزارة الداخلية، فإن العقوبات
الأمريكية لا يمكن أن تزداد صرامة، وأفضل خيار أمام إيران هو التركيز على تعزيز
التجارة مع جيرانها المباشرين. وقد حثّت هذه المنظّمة الزعماء السياسيين في طهران
على إعادة توجيه التجارة غير النفطية بالبلاد بعيدا عن العملاء البعيدين جغرافيا
لصالح أولئك الأقرب إلى الوطن. وإلى جانب المشاكل الأخرى التي سبّبتها الولايات
المتحدة لإيران، فقد أعاقت أيضا عمليات الشحن ومنعتها من تمويل وتأمين معاملاتها
التجارية.
وأضافت المجلة أن هناك
علاقة أخرى تجمع بين العراق وإيران بالإضافة إلى القرابة الجغرافيّة. ويحظى
الإيرانيون بتأثير حقيقي على بغداد ويمكنهم حشد الدعم من المسؤولين على أعلى
المستويات، كما يتضح من تصريحات الرئيس برهم صالح في اجتماع جامعة الدول العربية.
وخلال العقد الماضي، أصبح العراق يمثّل أكبر سوق تصدير للبضائع غير النفطية
بالنسبة لإيران، إذ يبلغ إجمالي التجارة الثنائية حوالي 12 مليار دولار في السنة،
وترغب طهران وبغداد في زيادة هذا المبلغ إلى 20 مليار دولار.
اقرأ أيضا: الحرس الثوري: الاتفاق النووي أخّر ظهور "المهدي".. وردود
ووفقًا لوزير النفط
الإيراني بيجن زنكنه، فإن العراق لن يفعل أي شيء لمساعدة إيران على التحايل على
العقوبات الأمريكية إذا كان ذلك يعني المخاطرة بالتعرّض للانتقام الأمريكي، كما
رفض العراقيون القيام بأي أعمال تنقيب وتطوير مشتركة في المناطق الحدودية، لعدّة
أشهر. وبينما انخفضت صادرات النفط الإيرانية من حوالي 2.5 مليون برميل يوميًا منذ
سنة إلى حوالي مليون الآن، زادت بغداد من صادراتها النفطية بمقدار 250 ألف برميل
يوميًا لتعويض النقص.
وأوضحت المجلة أنه
استنادًا إلى تقارير إعلامية من طهران، فإن التجار الإيرانيين يعتقدون أن العراق
يستطيع أن يكون طريقا محتملا يمكنهم من خلاله توجيه تجارتهم الدولية. وكان تعويض
الضغوط الأمريكية يمثّل أولوية قصوى للرئيس الإيراني حسن روحاني عندما زار بغداد
في آذار/ مارس. والأهم من ذلك، أن روحاني بعث برسالة إلى واشنطن وحلفائها العرب،
السعوديون والإماراتيون على وجه الخصوص، تفيد بأن نفوذ إيران في العراق باق.
وأكدت المجلة أن زيارة
روحاني جاءت في وقت يقوم فيه الحلفاء العرب للولايات المتحدة بتوسيع جهودهم لإبعاد
بغداد عن طهران. ويشعر الإيرانيون بأن السعوديين يتبعون أجندة جديدة مناهضة لإيران
في العراق، تقوم على خطة غير واضحة نسبيًا ولكنها تقوّض محاولات طهران في وقت
تحتاج فيه إلى العراق أكثر من أي وقت مضى.
وأشارت المجلة إلى أن
العراقيين عازمون على تطبيع علاقات بلادهم مع العالم العربي، ولهذا السبب يجب أن
تكون طهران حذرة فيما يتعلّق بما تطلبه من العراق. وفي حال كان العراق يخدم أجندة
إيرانية، على سبيل المثال، من خلال تقليص الوجود العسكري الأمريكي داخل حدوده
بناءً على طلب طهران، فإنه يخاطر حقا بفقدان ثقة الشركاء العرب الجدد التي كافح من
أجل كسبها.
ومن جهة أخرى، يجب أن
تكون واشنطن شديدة الوضوح حول توازن القوى السياسية في بغداد، ويجب ألا تقلل من
شأن عدد الحلفاء الذين زرعتهم طهران بين الجماعات السياسية العراقية منذ سنة 2003.
وفي الواقع، قد يؤدي إجبار الحكومة العراقية على الاختيار بين الولايات المتحدة وإيران
إلى نتائج عكسية خطيرة ضد واشنطن.
ونوهت المجلة بأنه
بينما تحاول إيران تفادي العقوبات الأمريكية، يمكن للعراق أن يجد نفسه طرفا وسيطًا
في موقف لا يحسد عليه. وتجدر الإشارة إلى أن طهران متجذرة بعمق في القطاعات
السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق، وليس من المبالغ فيه القول إن إيران
اليوم هي أقوى ممثل أجنبي في بغداد، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة ثاني أقوى
لاعب أجنبي على الساحة العراقية.
وفي الختام، أوردت
المجلة أنه من المرجّح أن تجد إيران والعراق طرقا جديدة تتيح استمرار التجارة
بينهما، لكن في ذلك خرق للعقوبات مما يجعل العراقيين عرضة للغرامات وفقدان الدعم
الأمريكي لجهازهم الأمني المحاصر. فضلا عن ذلك، يجب ألا تترك السياسات الأمريكية
العراق أمام خيار وحيد يتمثّل في تحوّلها إلى شريك لإيران، وهي نتيجة من شأنها أن
تزيد من عبء هذه الدولة العراقية الضعيفة وتؤذي أيضًا المصالح الأمريكية على المدى
البعيد في الشرق الأوسط.