هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
والغِيّ هو أن يحيد الإنسان عن الطريق القويم المفضي إلى حيث السلام والأمان والرشاد، "قد تبيّنَ الرُّشدُ من الغَيّ" ـ سورة البقرة، بينما تقول العرب إن العِيّ هو العَجْزُ عن التعبير اللفظيِّ، بما يفيد المعنى المقصود وعدمُ الاهتداء لوجه المراد، أو العجزُ عن أداء المراد.
يتصدر واجهة العمل التنفيذي في دولاب الحكم في السودان منذ الأسبوع الثاني من نيسان (أبريل) المنصرم فريق من جنرالات الجيش السوداني كل واحد منهم برتبة فريق، تحت مظلة المجلس العسكري الانتقالي، الذي يريد الحلول محل الرئيس السوداني المعزول عمر البشير كهيئة رئاسة جماعية، بينما يكشف واقع الحال أنهم من فئة "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى"، فرغم أنهم يلوكون عبارة "القوات المسلحة على قلب رجل واحد" للتدليل على أنهم كتلة صلبة ومتماسكة في مواجهة القوى المدنية التي قادت الثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير، إلا أنهم وخلال الأسابيع الثمانية الأولى من تشكيل مجلسهم، انقلبوا على ستة من زملائهم وأبعدوهم من عضوية المجلس.
قاد الثورة وأطاح بحكم البشير
قاد الثورة الشعبية ضد حكم البشير كيان يتألف من عدد من النقابات تحت مسمى تجمع المهنيين السودانيين، وعندما أدرك التجمع أن سقوط حكم البشير بات مؤكدا، رتَّب لدخول الأحزاب والتنظيمات المسلحة التي ظلت تناوئ حكم البشير في تحالف قوى الحرية والتغيير (قحت) ليتولى إدارة شؤون الثورة، وترتيبات ما بعد انتصارها، بتشكيل حكومة انتقالية تمهد لانتخابات حرة تُفضي بالبلاد إلى مرحلة الديمقراطية المستدامة، وتضع حدا للحلقة الجهنمية التي ظل السودان يدور فيها: حكومة منتخبة يطيح بها انقلاب عسكري، فهبة شعبية تسقط حكم العسكر، فعودة إلى الحكم الديمقراطي، ف....، ف....
في أيامه الأولى في أعلى هرم السلطة، أنكر المجلس وجود "قحت"، وأعلن أنه سيدير شؤون البلاد، بالتراضي مع كافة القوى السياسية، ثم يسلم السلطة بعد عامين إلى حكومة منتخبة، فصار بذلك واضحا أن رهانه على السند المرجو من نفس القوى التي ناصرت البشير، ولا غرابة فالمجلس العسكري هو نفس اللجنة الأمنية التي كان منوطا بها حراسة حكم البشير.
قوى المعارضة للمجلس العسكري، وهو قوى الثورة الحقيقية، تمارس ضبط النفس في لغة الخطاب عن ومع المجلس العسكري،
ضبط للنفس في مواجهة خطاب العسكر
قوى المعارضة للمجلس العسكري، وهو قوى الثورة الحقيقية، تمارس ضبط النفس في لغة الخطاب عن ومع المجلس العسكري، لأنها باتت تدرك أن المجلس يكفيها عناء فضح مناوراته التي يهدف من ورائها إلى إطالة أمد النزاع حول السلطة، على أمل أن تتفتت قوى الثورة ويسهل استمالة بعضها بالمناصب أو المال، لإعطاء السلطة الانتقالية طابعا مدنيا.
وفي كل مؤتمر صحفي ينظمه المجلس لعرض بضاعته، يفضح عن غير قصد مراميه وعدم مصداقيته ونكوصه عن العهود، وحرصه على أن يرمي"قحت" بدائه ثم ينْسَل، ويتجلى عي العسكر في ليِّ أعناق الحقائق بتقديم أكاذيب فجة على أنها القول الحق، حتى صار الناطق الرسمي باسم المجلس الفريق شمس الدين كباشي معروفا لدى العامة والخاصة بـ "كذباشي"، وليس من دليل على العي المستفحل في أوصال المجلس من اعتراف كباشي بأن المجلس العسكري اجتمع وخطط لفض اعتصام الثوار أمام مقر القيادة العامة في التاسع والعشرين من رمضان، رغم أن كباشي نفسه من ردد مرارا أن فض الاعتصام بالقوة غير وارد إطلاقا، ولما تعالت صيحات الاستنكار والغضب على المجزرة التي نجمت عن فض الاعتصام، قال كباشي كلاما أكد استحقاقه للقب كذباشي، مؤدَّاه أن لسانه تعرض لـ "التهكير"، وأن ما قاله فعلا هو أن قيادات القوات النظامية أرادت فقط تصفية جيب إجرامي قريب من موقع الاعتصام، ولكن "حدس ما حدس"، ولعله ومن باب التهذيب لم يخرج لسانه ليقول "حدث ما حدث".
صار الناطق الرسمي باسم المجلس الفريق شمس الدين كباشي معروفا لدى العامة والخاصة بـ "كذباشي"