هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعاد فيلم الفيديو الذي بثته دار الإفتاء المصرية بمناسبة الذكرى السادسة لـ30 حزيران/ يونيو 2013، من خلال صفحتها الرسمية على فيسبوك، التساؤلات عن الدور الذي لعبته المؤسسات الدينية الرسمية في دعم الانقلاب العسكري، واستغلال هذه المؤسسات في تشويه خصوم الانقلاب، خاصة جماعة الإخوان المسلمين.
الفيديو الذي بثته دار الإفتاء لمدة دقيقة و50 ثانية، بتقنية الرسوم المتحركة، وصف جماعة الإخوان بأنهم خوارج العصر الحديث، وأن وجودهم إلى زوال، على يد قوات الجيش والشرطة المصرية، وأن الإخوان شوهوا التاريخ الإسلامي، وتلاعبوا بمشاعر المسلمين؛ من خلال دعوتهم لعودة الخلافة الإسلامية.
ويأتي هذا الفيديو في إطار سلسلة أخرى سبقته، حرصت خلالها دار الإفتاء على دعم رئيس نظام الانقلاب العسكري، عبد الفتاح السيسي، خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في شباط وآذار/ فبراير ومارس 2018، واعتبرت التصويت لصالحه واجبا شرعيا، بالإضافة لفتاوى أخرى عن حرمة مقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أدخلها النظام على دستور 2014، وجرى التصويت لصالحها في نيسان/ أبريل 2019.
ويري الخبراء الذين تحدثوا لـ"عربي21" أن دار الإفتاء مثل غيرها من المؤسسات الدينية الرسمية، سواء الإسلامية التي يمثلها الأزهر ووزارة الأوقاف، أو المسيحية التي تمثلها الكنائس بمختلف مللها، قد لعبت دور بارز في دعم الانقلاب العسكري، ومحاولة تغيير المفاهيم الدينية الراسخة لعموم المصريين، لتشويه مخالفي السيسي.
وحسب الخبراء، فإن الدور الذي لعبته هذه المؤسسات اختلف من واحدة لأخرى، حيث انفصل الأزهر عن الثلاثي الإسلامي الذي يمثله الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، بينما تخصصت دار الإفتاء في ترسيخ فكرة أن الإخوان والتيارات الإسلامية المؤيدة لهم خوارج العصر، في حين سيطرت وزارة الأوقاف على المساجد والمنابر، التي كانت تعدّ الرافد الأساسي للمصريين لتعليم شؤون دينهم.
شرعنة الدم
ووفق رأي الباحث المختص في التنظيمات الدينية، عبد الله حماد، لـ"عربي21"، فإن دار الإفتاء تعد واحدة من مؤسسات معدودة شهدت انتخابات شفافة في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي لاختيار من يقودها، مثلها في ذلك مثل البنك المركزي، والهيئات القضائية، ورؤساء تحرير الصحف القومية، حيث خضع اختيار رؤساء هذه المؤسسات في عهد مرسي لضوابط وضعها أهل الخبرة في كل مؤسسة.
ويؤكد حماد أن دار الإفتاء -على وجه التحديد- ما زالت تخضع لسيطرة مفتيها السابق علي جمعة، الذي رفض مرسي التجديد له، وأصر على إجراء انتخابات يشرف عليها شيخ الأزهر مع هيئة كبار العلماء لاختيار المفتي الجديد، وهي الانتخابات التي جاءت بالدكتور شوقي علام مفتيا لمصر، قبل الانقلاب بأشهر.
ويضيف حماد: "علي جمعة ودار الإفتاء لعبوا دورا كبيرا في شرعنة الانقلاب، وجواز سفك الدماء، وفض الاعتصامات بالقوة، ومنحوا القوات المسلحة كل الفتاوى التي جعلتها دولة فوق الدولة، وكان جمعة هو أول من أطلق مصطلح الخوارج على جماعة الإخوان، حتى قبل أن تصنفها حكومة حازم الببلاوي كمنظمة إرهابية".
ويشير خبير التنظيمات الدينية إلى أن استخدام المؤسسات الدينية لم يقف عند حد تأييد الانقلاب لإزاحة الإخوان وحلفائهم من التيارات الإسلامية الأخرى عن المشهد السياسي والفكري والديني، وإنما الخطورة أن هذه المؤسسات، باستثناء الأزهر، وقفت متفرجة على الحملة التي شنها السيسي وإعلامه ضد القيم والتعاليم الإسلامية بحجة تجديد الخطاب الديني.
ويؤكد حماد أن الأخطر من ذلك هو موافقة دار الإفتاء باعتبارها المؤسسة الدينية المعنية على كل أحكام الإعدامات التي أصدرها قضاة الانقلاب ضد معارضي السيسي، رغم أن معظم هذه القضايا مفبركة وليس عليها أدلة.
تأثيرات سلبية
على جانب آخر، يرى الباحث بعلم الاجتماع السياسي، أشرف الحديدي، أن المؤسسات الدينية الرسمية استطاعت لفترة التأثير على قناعات عدد كبير من المصريين الذين عانوا من التخبط الفكري بعد الانقلاب العسكري، لكن تطورات الأحداث، واستخدام النظام للمؤسسات الدينية بشكل مشين، وحربه للثوابت الإسلامية بحجة تطوير الخطاب الديني، مقابل دعمه للكنيسة والأقباط بشكل كبير، غيَّر كثيرا من قناعات المصريين فيما يقدمه علماء السلطة.
وحسب الحديدي، فإن السلطات المصرية في إطار خطتها لشيطنة خصومها السياسيين، دمرت الثقة بين المجتمع ومؤسساته، سواء كانت دينية أو قضائية أو سياسية أو إعلامية، ولكن يظل اهتزاز الثقة بين المجتمع والمؤسسات الدينية هو الأخطر؛ لأنه سوف يؤدي لأزمة في قبول ما يصدر عن هذه المؤسسات بمختلف القضايا الدينية غير المرتبطة بالسياسة، كما حدث من تهكمات على التضارب الذي شهدته رؤية عيد الفطر الماضي.
ويضيف الباحث السياسي: "البعض يرى أن الصراع الدائر بين المؤسسات الدينية مرجعه المصالح الخاصة لكل من وزير الأوقاف وشيخ الأزهر، لكن الحقيقة تشير إلى أنه صراع على هوية هذه المؤسسات، ومدى خدمتها الفعلية للدين الإسلامي، على حساب نظام الحكم القائم".
ويؤكد الحديدي أن المؤسسات الدينية أضرت بنفسها دون أن تدري، وأن استمرارها في دعم توجهات النظام الحاكم، والمزايدة على الثوابت الإسلامية في كثير من الأحيان، سيكون له عواقب سيئة على احترام المجتمع لها ولما يصدر عنها.