هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أظهر الجزائريون خلال مظاهراتهم، أمس الجمعة، تمسكا بشعار "دولة مدنية لا عسكرية"، على الرغم من أن قائد الجيش قد حذّر في خطابه الأخير من أن مردّديه يتبعون أجندات خارجية.
ورفع المتظاهرون في مسيراتهم التي صارت معتادة كل نهاية أسبوع، نفس الشعار الداعي إلى بناء دولة مدنية وفصّل البعض في ما يقصدون بالقول إن الجيش مكانه الثكنات وليس السياسة.
وتطوّرت شعارات الحراك الشعبي في الأسابيع الأخيرة، من المطالبة برحيل "الباءات" المقصود بهم رئيس الدولة المؤقت والوزير الأول ورئيس البرلمان، إلى مهاجمة رئيس أركان الجيش واتهامه علنا بعرقلة عملية التغيير من خلال إصراره على رفض الذهاب إلى مرحلة انتقالية.
اقرأ أيضا: هكذا ألهم فوز منتخب الجزائر هتافات الثوار بمظاهرات الجمعة
واستقبل رئيس الأركان الفريق قايد صالح هذا التحول بغضب شديد في خطاباته المرافقة للحراك، حيث اتهم أطرافا بمحاولة الوقيعة بين الجيش والشعب، ونفى أن تكون له أي مطامع سياسية سوى خدمة بلده، على حد قوله.
وهاجم الرجل القوي في النظام الجزائري، في خطابه الأخير بشكل مباشر رافعي شعار "دولة مدنية لا عسكرية"، قائلا إنهم "يبثون أفكارا مسمومة أملتها عليهم دوائر معادية للجزائر ولمؤسساتها الدستورية، دوائر تكن حقدا دفينا للجيش ولقيادته الوطنية".
وأوضح قايد صالح في كلمته يوم الأربعاء الماضي، أن المسار الدستوري يواجه عقبات من قبل بقايا العصابة (تسمية تطلق على رجال الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة) والشعارات الكاذبة ومفضوحة الأهداف.
سيناريو مصر
وفي تفسيره لتمسك الحراك بالشعار الذي أغضب قيادة الجيش، قال ناصر جابي الأكاديمي الناشط في الحراك الشعبي، إن هذا يدل على إصرار الجزائريين في تحقيق الدولة المدنية وتجنب سيناريوهات أخرى مرفوضة مثل ما حدث في مصر بعد أن استولى العسكر على السلطة.
ويستطرد جابي في تحليله لـ"عربي 21": "رغم إيماني أن العقيدة الراسخة للجيش الجزائري هي رفض التدخل المباشر لحكم الجزائر كما حصل في مصر مثلا، إلا أن الجزائريين باتوا يرفضون كذلك بقاء الجيش في الحكم من خلال ستار مدني، ويريدون اليوم أن يلتزم الجيش فقط بمهامه الدستورية".
ويعتقد جابي أن أول مستفيد من مرحلة انتقالية ناجحة في الجزائر، هو الجيش الجزائري نفسه الذي سيرافقه الحراك ومن ورائه الشعب الجزائري نحو أداء مهامه الدستورية، كما كان الحال في الكثير من تجارب الانتقال الناجحة كإسبانيا والبرتغال، إلى غاية الوصول –يضيف- إلى تجارب الدول الديمقراطية العريقة التي تضع مدنيين على رأس وزارة الدفاع.
تهمة الانقلاب
ومن زاوية قراءة مغايرة، يرى نوري دريس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سطيف، أن ما أزعج حقيقة قيادة أركان الجيش فيما يتعلق بشعار "دولة مدنية لا عسكرية"، هو شعورها بأن ثمة من يتهمها بمحاولة عرقلة حلّ الأزمة وإقامة نظام عسكري، وهو ما يعطي ذريعة لقوى أجنبية بالتدخل في الشأن الجزائري، على شاكلة ما حدث في السودان وبعض الدول الأفريقية.
وأبرز دريس في تصريحه لـ"عربي 21" أن الجزائر رغم كل شيء ليست ديكتاتورية عسكرية، لأن الجيش لا يمارس السلطة فيها بشكل مباشر عبر شرعية القوة والسلاح، مشيرا إلى أن قيادة الجيش بدا واضحا أنها كانت تخشى بعد الحراك الشعبي أن يتم اتهامها بالانقلاب على الرئيس عبر التأويلات الخاطئة لأفعالها ومواقفها.
ورافقت استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، عدة تأويلات كان أبرزها ما ذهب إليه الإعلام الفرنسي الذي اتهم قيادة الجيش الجزائري بالقيام بانقلاب ناعم، بعد أن دعت إلى التطبيق الفوري للمادة 102 من الدستور التي تنص على إثبات شغور منصب الرئيس وكيفية استخلافه في الفترة المؤقتة.
ويعود دريس إلى مفهوم الدولة المدنية الذي يراه ملتبسا، ففي الحالة المصرية، حسبه، تمت مقابلة الدولة المدنية بالدولة التيوقراطية في عملية الإطاحة بمرسي، ولما استعاد العسكر السلطة عادوا بالبلاد إلى الوضع الأول على حساب دولة القانون والحريات العامة، واستقلالية القضاء، وحرية المبادرة الاقتصادية.
مشكل تخاطب
لكن الخبير في الشؤون العسكرية، أكرم خريف، يرى أن المشكل يكمن في أسلوب التخاطب الذي توظفه قيادة الأركان في التواصل مع الشعب، والذي يقوم على سردية المؤامرة الداخلية والخارجية التي أصبحت منتهية الصلاحية.
وقال خريف في تصريح لـ"عربي 21"، إن رئيس أركان الجيش، لم يستوعب أن أغلبية المتظاهرين الذين يخرجون كل جمعة ليسوا ضده بل ضد تعنته في تحقيق مطالب الحراك الشعبي الواضحة.
وأضاف خريف أن عدم إفصاح قيادة الجيش عن أجندتها الواضحة واعتمادها أسلوبا ضبابيا، أصبح له مفعول عكسي على المواطنين الذين باتوا يخرجون بكثافة رافضين لهذا الأسلوب الأبوي في التعامل معهم.