هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا لمراسلتها في بيروت أنشال فوهرا، تحت عنوان "لبنان متعب من اللاجئين السوريين"، تتحدث فيه عن معاملة لبنان للاجئين السوريين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن لبنان استقبل منذ عام 2011، 1.5 مليون لاجئ سوري، وتعامل البلد بشكل رسمي مع وجودهم على أنهم ضيوف حتى تنتهي الحرب في البلد الجار، لافتا إلى أن لبنان بدأ وبشكل واقعي بدفعهم إلى الرحيل.
وتقول فوهرا إن الحكومة اللبنانية تقوم عن قصد بجعل حياة اللاجئين السوريين صعبة، وتهددهم بالسجن والترحيل، في ظل غياب أي شبكة مادية للأمان، ففي الاشهر القليلة الماضية أمرت السلطات اللبنانية المهاجرين السوريين بتدمير بيوتهم المؤقتة في بلدة عرسال الحدودية، وداهمت مخيمات اللاجئين، وسجنت سوريين بتهمة الإقامة غير الشرعية في البلد.
وتلفت المجلة إلى أن السلطات اللبنانية هددت في الفترة الأخيرة المطاعم والمقاهي المعروفة في بيروت بغرامات كبيرة في حال لم تتخلص من العمال السوريين، أو تتأكد من حصولهم على إقامات شرعية في البلد، أو رخص عمل.
ويجد التقرير أن استهداف اللاجئين مرتبط بتراجع الاقتصاد، ونسبة البطالة العالية، إلا أنه نابع من كراهية عنيفة للأجانب وطائفية قومية، مشيرا إلى أن سياسة الحكومة اللبنانية، التي تهدد بتطبيق الترحيل، والتي تم الحديث عنها منذ سنوات، تحولت إلى حقيقة في أيار/ مايو، وعلى مدى شهر واحد تم ترحيل 301 سوري من لبنان، بعد اتهامهم بدخول البلاد بطريقة غير شرعية بعد 24 نيسان/ أبريل.
وتذكر الكاتبة أنه حتى قبل عمليات الترحيل فإن الحكومة اللبنانية قالت إن سوريا بلد آمن، ويمكن للاجئين العودة إليها، متجاهلة التقارير عن عمليات الاعتقال المتواصلة والتعذيب والتجنيد التي يقوم بها نظام بشار الأسد.
وتنقل المجلة عن محمد، الذي يعيش في صيدا جنوبي لبنان، قوله إن شقيقه رائد تم تسليمه إلى السلطات السورية بعد صدور أمر بترحيله، وأضاف أن شقيقه عاش في لبنان منذ عام 2014، لكنه ذهب إلى سوريا للعلاج الذي لا يمكنه الحصول عليه في لبنان، وبعد عودته اعتقل وتم التحقيق معه ورحل، مشيرة إلى أن محمد يخشى من إرسال شقيقه إلى إدلب للقتال هناك إلى جانب القوات التابعة للنظام، أو التعامل معه على أنه خائن وسجنه.
وينوه التقرير إلى أن عودة رائد كانت بعد موعد 24 نيسان/ أبريل، الذي يمنع دخول اللاجئين، لافتا إلى أنه مع أنه عاش في لبنان لمدة خمس سنوات، إلا أنه لم يتم أخذ هذه الحقيقة في عين الاعتبار.
وتورد فوهرا نقلا عن ناشطين ومنظمات حقوقية، قولهم إن القواعد الجديدة تعني أن معظم اللاجئين السوريين يعيشون خطر الترحيل، خاصة أنهم لا يملكون الأوراق الضرورية التي تثبت وقت دخولهم البلد، مشيرة إلى أن الحكومة اللبنانية منعت في عام 2015 مكتب المفوض السامي للاجئين التابع للأمم المتحدة من تسجيل اللاجئين السوريين، لكن هذا لم يحد من تدفق الرجال والنساء والأطفال الفارين من محور الحرب والاضطهاد، وبعد رحلة شاقة عبر الجبال والأجواء الجوية الباردة كانوا يعدون في لبنان لاجئين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية.
وتفيد المجلة بأن لبنان وعد بعدم ترحيل السوريين بالإكراه، لكن الحكومة اللبنانية متهمة بخداع اللاجئين من خلال الطلب منهم التوقيع على استبيانات فيها سؤال، إن كانوا "يرغبون" بالعودة إلى سوريا بجواب "نعم" أو "لا"، مشيرة إلى أن الكاتبة شاهدت استبيانا من هذا النوع، وتحدثت مع عباس حربوش، من مدينة حماة، الذي يقيم الآن في زحلة في منطقة البقاع، وقال إنه خدع للإجابة بنعم.
وينقل التقرير عن أحمد سامي لطف، الذي يعمل في المنظمة غير الحكومية "مركز وصول لحقوق الإنسان" في لبنان، الذي يتابع عمليات الترحيل للاجئين، قوله إن استبيانات كهذه ساعدت الحكومة اللبنانية على تقديم بيانات تقول فيها إن السوريين يريدون العودة إلى بلادهم، وأضاف: "نعتقد أنهم يقومون بدفعهم للتوقيع عليها ليظهروا للمجتمع الدولي أن لبنان لا يجبر السوريين على العودة إلى بلادهم، بل يغادرون طوعا".
وتقول الكاتبة إن معظم ما تم فعله لإقناع السوريين بالعودة إلى بلادهم يحمل مظهر القانون، فحصول الأجانب على أوراق قانونية للإقامة مطلب قانوني، وليس فقط متعلقا باللاجئين السوريين، إلا أن الناشطين يرون أن ترحيل السوريين الذين فروا من الحرب والقمع إلى محور الحرب الذي فروا منه يعد خرقا لواجبات البلد الدولية.
وتشير المجلة إلى أن لبنان لم يصادق على ميثاق جنيف للاجئين عام 1951، الذي يعد الإطار المعترف به لبناء سياسة تتعلق باللاجئين، ولم يشكل سياسة محلية خاصة وواضحة للاجئين، لافتة إلى أنه مع ذلك يظل لبنان ملتزما بالقوانين الدولية، التي تمنع الإعادة القسرية، وتنص على منع ترحيل أي شخص تتعرض حياته للخطر في بلده.
ويفيد التقرير بأن ثماني منظمات غير حكومية طالبت الحكومة اللبنانية بإلغاء قرار ترحيل السوريين، حتى من جاءوا بعد الموعد المحدد في نيسان/ أبريل، ودعت إلى أن تتم عملية الترحيل في المستقبل من خلال الإجراءات القانونية، التي تسمح للاجئ بنقل حالته إلى المحكمة.
وتورد فوهرا نقلا عن المحامية مع منظمة "المفكرة القانونية" غيدا فرنجية، قولها إن حق طلب اللجوء في لبنان مضمون في الدستور اللبناني، وبأن أي عملية ترحيل يجب أن تشمل على منح المواطن الأجنبي حق مواجهة القرار قبل تنفيذه.
وتستدرك المجلة بأنه رغم ما يتحدث عنه الناشطون، المحليون والدوليين، من مخاطر ترحيل اللاجئين السوريين إلى المناطق التي فروا منها ذاتها، إلا أن هناك شعورا عاما بين اللبنانيين بضرورة خروج السوريين وعودتهم إلى بلدانهم.
ويلفت التقرير إلى أن الحرب الأهلية في سوريا، التي دخلت عامها التاسع، شردت 6 ملايين في داخل وطنهم، وأصبحوا لاجئين، ووصل منهم 1.5 مليون لاجئ إلى لبنان، فأصبحت نسبة اللاجئين إلى عدد السكان الأصليين الأعلى في العالم، مشيرا إلى أنه حتى الأكاديميين المتعاطفين مع مأساة اللاجئين السوريين، يعترفون بأن تدفقهم إلى لبنان أسهم في زيادة الضغوط على البنى التحتية في البلد، وزاد من أعباء لبنان المالية.
وتقول الكاتبة إن العداوة بين المجتمع المضيف واللاجئين ازادت مع زعم الساسة دون تقديم أدلة أن اللاجئين السوريين سيطروا على وظائف من المفترض أنها مخصصة للبنانيين، مشيرة إلى أنه بحسب أرقام البنك الدولي فإن هناك حوالي 200 ألف لبناني دفعوا إلى الفقر، و250 ألفا أصبحوا دون عمل نتيجة للأزمة السورية، فيما من غير المعلوم إن كان هذا بسبب انخفاض التصدير إلى سوريا، وتراجع السياحة، أو بسبب وجود اللاجئين السوريين.
وتجد المجلة أن "ما هو واضح أن تحميل السوريين مشكلات لبنان الاقتصادية ناجم عن تفكير شاذ، فالحكومة اللبنانية هي ثالث دولة مقترضة في العالم، ومشكلاتها، مثل عدم التكافؤ البنيوي والفساد المستشري والبطالة وضيق النظر في الميزانية المالية، قائمة قبل وصول السوريين".
وبحسب التقرير، فإنه مع ذلك فإنه يتم تصوير السوريين في لبنان بالمتطفلين الذي يستخدمون النظام الصحي والتعليمي والمنافع العامة الأخرى، ويضرون بالبيئة، ويعملون على عجز النظام اللبناني في مجال النظافة ونظام المصارف الصحية، مشيرا إلى أن هناك سببا آخر يدعم المواقف المعارضة للسوريين مرتبطا على ما يبدو بكون الغالبية منهم مسلمين، ووجودهم يؤثر على لبنان المنفتح، وهم سنة محافظون في معظمهم، ومتخلفون في عين المسيحيين اللبنانيين.
وتنوه فوهرا إلى أن الساسة فاقموا من هذا العداء، وهم الذين لعبوا بالفكرة، وقالوا إن السوريين مثل الفلسطينيين من قبلهم لن يعودوا إلى بلادهم بشكل سيغير التوازن الطائفي، مشيرة إلى أنه بناء على اتفاق الطائف الذي وقعته أطراف الحرب اللبنانية عام 1989، فإن التشارك في السلطة قائم على المحاصصة الطائفية: رئيس مسيحي ورئيس وزراء سني ورئيس برلمان شيعي.
وتنقل المجلة عن المحلل اللبناني سامي نادر، الذي انتقد عمليات التخويف من المهاجرين، قوله إن الأرقام مهمة في بلد صغير مثل لبنان، وأضاف: "لا يمكن للبنان استيعاب ولو سني واحد لو تحدثت بصراحة.. لدينا 300 ألف فلسطيني سني، وعلينا الحفاظ على التوازن بين الطوائف المختلفة، واستيعاب اللاجئين السوريين يعني إعادة النظر في صيغة الدولة على حساب شكل الدولة الحالي".
ويذهب التقرير إلى أنه "من المفهوم أن يجد بلد مساحته صغيرة صعوبة في استيعاب أعداد جديدة، لكن لا توجد هناك حلول سريعة لمشكلات لبنان، وفي الوقت الذي يتحدث فيه المجتمع الدولي عن حل سياسي يسمح بعودة اللاجئين دون خوف من انتقام النظام، إلا أن حلا كهذا ليس في الأفق، والحرب مستمرة في إدلب، وقمع النظام لا يتوقف".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن "الحل هو من خلال ربط المشكلة بالمجتمع الدولي، وتمويل مشاريع تشغل السوريين، وتوفير فرص العمل للبنانيين، فالسوريون في النهاية قوة عمل مهمة ومستهلكة جيدة لإنعاش الاقتصاد اللبناني، وقد يكتشف الذين يطالبون بترحيلهم أن ذلك سيترك صدمة على الاقتصاد اللبناني بسبب خسارة مساهمتهم فيه ونفقاتهم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)