هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بدأت أزمة نقص المياه في مصر في التأثير على المزارعين، ودفعت الكثير منهم إلى تغيير نمط زراعتهم المستمر منذ مئات السنين.
جاء هذا التطور تزامنا مع إعلان الحكومة حالة الطوارئ في وزارة الري؛ بسبب فقدان الدولة قرابة خمسة مليارات متر من تدفقات مياه النيل، بما يؤثر على قطاع الزراعة في البلاد، الذي يلتهم قرابة 80% من موارد مصر من المياه.
وتقدر حصة مصر التاريخية من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ الاحتياجات الفعلية للبلاد نحو 114 مليار متر مكعب سنويا، وهو ما دفع الحكومة إلى إعلان دخول مصر مرحلة الفقر المائي.
محاولات للتغلب على الأزمة
ويقول خبراء ومزارعون إن أزمة نقص المياه في مصر أجبرت كثيرا من الفلاحين على بدء الاعتماد على المياه الجوفية، خاصة في المناطق البعيدة عن الدلتا، مثل الأراضي المستصلحة في الصحراء الغربية والواحات، على الرغم من التكاليف المرتفعة لحفر الآبار التي تصل إلى نحو 10 آلاف دولار للبئر الواحدة، فضلا عن ارتفاع نسبة الأملاح في المياه الجوفية مقارنة بمياه النيل.
كما لجأ كثير من الفلاحين إلى التحول لزراعة محاصيل تستهلك كميات أقل من المياه، مثل الخضروات الورقية، والبعد عن زراعة الأرز وقصب السكر.
وكانت وزارة الري أعلنت، الأسبوع الماضي، حالة الطوارئ بسبب نقص واردات مياه النيل بنحو 5 مليارات متر مكعب عن المعتاد في مثل هذا الوقت من العام، محذرة من تأثير هذا العجز على قطاع الزراعة.
وكان البرلمان المصري قد وافق في نيسان / أبريل 2018 على قانون يمنع زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكا للمياه، تحسبا للتأثيرات السلبية المتوقعة لسد النهضة الإثيوبي على حصة مصر من مياه النيل، التي تمثل نحو 90% من احتياجات البلاد من المياه.
وشددت الحكومة على أنه سيتم إزالة مخالفات زراعة الأرز أولا بأول، حتى لا تحدث أزمة مياه خلال موسم الزراعة الصيفية، مشيرة إلى أنه تم وضع ضوابط لزراعة هذا المحصول الاستراتيجي للحفاظ على الموارد المائية للبلاد.
اقرأ أيضا: لماذا طلب نظام السيسي وقتا إضافيا لمفاوضات "النهضة"؟
فوضى زراعية
وتعليقا على هذا الموضوع، قال الدكتور خالد عيد، مدير معهد بحوث الأراضي والمياه التابع لوزارة الزراعة، إن قطاع الزراعة في مصر يشهد حالة من الفوضى في السنوات الأخيرة تؤثر على الناتج القومي من المحاصيل، وتأمين الاحتياجات الأساسية للبلاد من المواد الغذائية، فضلا عن إهدار كميات كبيرة من المياه.
وأوضح عيد، في تصريحات لـ"عربي21"، أنه في الماضي كانت هناك سياسة زراعية واضحة ومحددة تجبر الفلاحين على الالتزام بالعمل وفقا لنظام الدورة الزراعية، التي تضمن التبديل بين المحاصيل البقولية المجهدة للأرض الزراعية والمحاصيل النجيلية التي تسمح للأراضي بالتنفس والراحة استعدادا للموسم الجديد، كما توزع الموارد المائية على الأراضي وفقا للكميات المتاحة كل عام.
وأضاف أنه طوال عقود طويلة كانت وزارة الزراعة توزع، عبر الجمعيات الزراعية التابعة لها والمنتشرة في كل المحافظات، التقاوي والأسمدة على الفلاحين، وتلتزم كل محافظة بزراعة محصول معين وفقا لخطة قومية تراعي احتياجات البلاد من الأكل والصناعة والتصدير وغيرها، بالإضافة إلى تنسيق أعمال الري لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من مياه نهر النيل.
وتابع: لكن الأمر تغير في السنوات الأخيرة، وأصبح كل فلاح يزرع ما يريد في الوقت الذي يريد، وهو ما أدى إلى أزمات غذائية واقتصادية، وأجهد الأراضي، وأهدر الكثير من الموارد المائية، مشيرا إلى أن بعض مصانع السكر تغري الفلاحين بزراعة البنجر، وتمدهم بالتقاوي والأسمدة، وتشتري منهم كامل المحصول لتحقيق أرباح اقتصادية عبر تصدير السكر للخارج، على حساب زراعة محاصيل أخرى تكاد تختفي تماما من البلاد مثل القمح والفول والذرة، وهي من المحاصيل التي لا يخلو منها بيت مصري!.
غير اقتصادية
وتعليقا على لجوء بعض الفلاحين إلى بعض الطرق للتغلب على نقص مياه الري من بينها الاعتماد على المياه الجوفية، قال مصطفى الغزالي، أستاذ الهيدروجيولوجيا بمركز بحوث الصحراء، إن المياه الجوفية ليست اقتصادية للغالبية العظمى من الفلاحين في مصر؛ بسبب التكاليف العالية لحفر الآبار، مشيرا إلى هناك اتجاها إلى الاعتماد على خلط مياه النيل بمياه الصرف الزراعي؛ لتوفير احتياجات الأراضي من المياه.
وأشار الغزالي، لـ"عربي21"، إلى أن الحكومة تقوم حاليا بتدوير مياه الصرف الزراعي حتى ثلاث مرات بعد معالجتها لري الأراضي الزراعية، مشيرا إلي أن الحكومة أعلنت مؤخرا نجاح تجربة جديدة لزراعة القمح على مياه الصرف الزراعي في تربة شديدة الملوحة بمحافظة الوادي الجديد، في محاولة للتغلب على مشكلة شح المياه.
وطالب الحكومة ببذل مزيد من الجهود لمتابعة قراراتها، فالعبرة بالتطبيق وليس بإصدار إقرارات والقوانين، لافتا إلى أن كثيرا من الفلاحين أصبحوا مدركين جيدا لمشكلة نقص المياه في مصر، وأصبحوا يقبلون على زراعة سلالات جديدة من المحاصيل الزراعية غير مستهلكة للمياه، بالإضافة إلى اتباع أساليب جديدة للزراعة مثل الري بالرش والتنقيط.