هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعادت تصريحات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الأخيرة، مخاوف من عودة اليمن إلى ما قبل الـ22 مايو/أيار 1990، التاريخ الذي يعتبر محطة فاصلة في تشكيل اليمن الحديث، حيث تحققت فيه الوحدة الوطنية بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
وجاء تصريح هادي بأن "الإمارات تدعم المجلس الانتقالي في جنوب اليمن سعيا لتقسيم البلاد"، إبان قصف الطيران الإماراتي لقوات الجيش الوطني في الـ29 آب/أغسطس الماضي، ما أدى إلى مقتل وإصابة 300 منهم.
والقصف الإماراتي جاء ضمن سلسلة متسارعة من الأحداث الساخنة شهدها جنوب اليمن مؤخرا، كان أبرزها توجه قوات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا للسيطرة على عدن، رافعا مطالب الانفصال عن شمال البلاد.
وفور إكماله السيطرة على عدن في الـ10 آب/أغسطس الماضي، والاستيلاء على معسكرات الشرعية، طرأ تغيير في خطاب "المجلس الانتقالي" من إعلان الانفصال، إلى التمسك بالمسار السياسي والالتزام بشرعية الرئيس هادي والوقوف إلى جانب التحالف.
اقرأ أيضا: هكذا علّق الحوثيون على هجوم الإمارات ضد الجيش اليمني
وحول تداعيات هذه الأحداث، تحدثت "عربي21" إلى باحثين في الشأن اليمني، وناقشت معهما إمكانية تصاعد الأحداث ضمن مخطط مرسوم للوصول إلى نقطة حاسمة تؤدي إلى فصل جنوب اليمن عن شماله، وبحثت إجابتهما حول مصالح الأطراف المتصارعة في الساحة اليمنية، والدور اليمني الشعبي والرسمي للحيلولة دون الوصول إلى هذه النهاية.
فزاعة الانفصال
وفي هذا السياق، يستبعد الباحث المختص في الشأن اليمني أحمد ناجي إمكانية تقسيم اليمن "خلال الفترة الحالية، نظرا لوجود صعوبات قانونية وفنية تحول دون تحققه" حيث إن "قرار 2216 وكل القرارات الدولية تتعامل مع الحكومة اليمنية".
ويرى ناجي في حديثه لـ"عربي21" أنه "ليس من مصلحة الإمارات أن يحدث انقسام في اليمن" مشيرا إلى أنها "تلوح بالانقسام لضمان الحصول على أكبر قدر ممكن من المصالح".
ويعتقد أن "أفضل صيغة للإمارات هي المحافظة على السيطرة الفعلية على الجنوب عبر قوات المجلس الانتقالي التي تدار من قبل ضباط وقادة إماراتيين، مع الإبقاء على الصورة الاسمية والشكلية لحكومة هادي الشرعية". وبالتالي فإنه "يتم تفريغ صلاحيات الحكومة اليمنية لصالح كيانات محلية على الأرض".
ويشير إلى ما أسماه "توزيع الأدوار وتقاسم النفوذ في اليمن" وأن "الإمارات تركز على أن تكون قوية في منطقة عدن والضالع ولحج، حيث إنها تخدم مصالحها بشكل أساسي".
وقال إن "المناطق الأخرى في المهرة ومأرب وحضرموت موالية بشكل كبير للسعودية، أما مناطق الساحل الغربي فهي تحت سيطرة ألوية حراس الجمهورية بقيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح (ابن شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح) وهو أيضا موال للإماراتيين".
ويضيف: "ويبقى الشمال تحت سيطرة الحوثيين وهم موالون للإيرانيين"، بحيث تصبح "الصورة الكاملة في اليمن هي عبارة عن جماعات محلية مسيطرة على مناطق مختلفة، وكل جماعة لها داعم إقليمي".
ولفت ناجي إلى أن "أحداث عدن الأخيرة أعادت توضيح كثير من التفاصيل المتعلقة بالعلاقة السعودية الإماراتية بشأن اليمن"، مؤكدا أن "علاقات البلدين عادت إلى مربع التفاهم، على الرغم من وجود اختلافات تاريخية بينهما".
وحول مصالح الأطراف في اليمن يشير ناجي إلى أن "الإمارات تريد أن يكون لها موطئ قدم على خليج عدن وعلى المناطق المحيطة بباب المندب، لأن لها سيطرة على الموانئ من الجهة الأخرى في القرن الإفريقي".
اقرأ أيضا: حكومة اليمن: تبريرات أبو ظبي لقصف جيشنا الوطني "زائفة"
أما عن مصالح السعودية، فأوضح أنها "مصالح أمنية واقتصادية، بحيث تريد السعودية تأمين الشريط الحدودي الذي مساحته 1400 كيلو متر مع اليمن، خاصة من خطر الحوثيين الموالين لإيران، بالإضافة إلى الحصول على نفوذ أكبر داخل اليمن".
وحول مصالح السعودية الاقتصادية، قال: "السعوديون ليس لديهم مصالح مرتبطة بالموانئ بل مرتبطة بالصحراء، خاصة في المهرة"، مشيرا إلى "عدة تقارير تحدثت عن رغبت السعودية في بناء ميناء نفطي يتجاوز السيطرة الإيرانية في مضيق هرمز، ولا يكون تحت سيطرة الحوثيين في منطقة البحر الأحمر أو السواحل الغربية".
الرغبة في التقسيم
أما المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي فيرى من حهته أن "مخطط التقسيم في اليمن ليست قضية دعائية تستخدمها الحكومة الشرعية في مواجهة التطورات الأخيرة في عدن والمحافظات الجنوبية".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21" بأن "التقسيم جزء من مؤامرة إماراتية سعودية يراد لها أن تكون خاتمة المطاف للحرب التي تدور حاليا في اليمن بالشراكة، في ظل تدخلهم العسكري في اليمن".
واستعرض المحلل السياسي "مؤشرات هذا المخطط، وقال إن "العقيدة القتالية التي تبنتها السعودية والإمارات، هي تلك التي ترى أن العدو الأول لهما هو التجمع اليمني للإصلاح وليس الحوثيين" على حد تعبيره.
وأشار إلى أن "الخطاب السياسي والإعلامي الذي صعد طيلة السنوات الماضية ضد الإصلاح، حاول تثبيت مقولة أن الإصلاح يريد السيطرة على الشرعية، وذلك بهدف إعادة توجيه الأنظار إلى المعركة في اليمن كمعركة ضد الإسلام السياسي، وضد ما تسميه الإمارات الحرب ضد الإرهاب".
ولفت إلى "وجود رغبة سعودية إماراتية قديمة بإعادة فصل جنوب اليمن عن شماله، لأنهم يرون أن وحدة اليمن تمت ضد إرادتهما السياسية، وهم لا يرغبون بذلك، بل يردون يمنا ضعيفا للمحافظة على فعافية بلدانهم" على حد قوله.
ويعتقد بأن "تفكيك اليمن لا يتوقف عند تقسيم اليمن إلى يمنيين، بل الأجندة تقتضي بأن يعاد توزيع النفوذ، فالسعودية مركزة على محافظات شرقي اليمن وهي شبوة وحضر موت والمهرة، ولها أولويات استراتيجية هناك من ضمنها الوصول إلى بحر العرب والاستفادة من الثروات النفطية الهائلة الموجودة في هذه المناطق".
اقرأ أيضا: "الانتقالي" يعيد سيطرته على عدن وسط معارك كرّ وفرّ (شاهد)
ووفق وجهة نظره، يرى التميمي أن "الإمارات تسعى إلى فرض هيمنتها على الجزء الغربي من جنوب البلاد، والسيطرة والاستحواذ على محافظة أرخبيل سقطرى الواقعة على المحيط الهندي".
ويقول: "هدف تفكيك اليمن هو هدف قائم وتسعى السعودية والإمارات معا إلى تحقيقه في الساحة اليمنية، ما لم تحدث متغيرات في الساحة اليمنية".
الحفاظ على الوحدة
وحول الدور اليمني الشعبي والرسمي للحفاظ على وحدة اليمن، أشار التميمي إلى "وجود محاولات لإعادة تشكيل الكتل الوطنية الصلبة التي بإمكانها أن تفسد مخطط التقسيم"، وقال: "يتوجب إعادة التئام اليمنيين المتفرقين إلى التوحد خلف هدف مواجهة العدوان الخارجي".
وأكد وجود "قاعدة عريضة من الشعب اليمني ترفض هذه الاعتداءات وهذه المخططات الخطيرة، وتدرك أن اليمن يتعرض لمخاطر هائلة ليس فقط من الحوثيين بل من التحالف العربي".
ونبه إلى أن "السلطات الشرعية استعادت شبوة وأبين وعدن عبر انتفاضة داخلية حتى قبل دخول الجيش الوطني إلى عدن".
وأكمل: "أثبتت الوقائع أن القوات التي تراهن عليها الإمارات لتنفيذ مخطط الانفصال، هشة وهي غير قادرة على حمل المشروع الانفصالي الذي تخطط له".
وتابع: "دور الحكومة اليمنية تجاه الأحداث لم يتجاوز الخطوط الحُمر السعودية، التي ترفض انسحاب الإمارات من التحالف".
وأشار إلى "قيام عدد من الوزراء في الحكومة اليمنية والقيادات السياسية بجمع توقيعات رفعت إلى رئيس اليمن للضغط على السعوديين من أجل طرد الإمارات"، موضحا في الوقت ذاته أن "السعودية تقف حجرة عثرة أمام ذلك وتضع خطا أحمرَ عليه".
وأوضح أن "القيادات السياسية اليمنية التي صعدت ضد الإمارات ليس لها علاقة بالإسلام السياسي، وهم يعملون على خط الرئيس اليمني ويعودون من خلفيات مختلفة، مستبعدا احتمال استبدالهم بضغط سعودي لإرضاء الإمارات".
وشدد في ختام حديثه على "وجود موقف يمني موحد لمواجهة مخطط الانفصال"، وأن "قرارت الرئاسة والحكومة اليمنية التي اتخذت ضد الإمارات جاءت بالتوافق".