هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافية بيشا مجيد، تقول فيه إنه مع عمليات القتل والضرب والاختفاء، فإن الحكومة العراقية أصبحت أكثر استبدادية في تعاملها مع الاحتجاجات.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن علي سامي كان قادما من جسر الأحرار وقنابل الغاز تطير خلفه عندما رأى ما ظن أنه متظاهر يعاني من الاختناق، فدخل الزقاق الذي انهار فيه الشاب ليجد نفسه محاطا بستة رجال في لباس مدني، وقام الرجل الذي كان قد ظنه متظاهرا وانضم إليهم، حيث أدخلوا سامي في سيارة سوداء، وغطوا عينيه، وربطوا يديه، ثم ضربوه لساعات.
وتنقل مجيد عن سامي، قوله: "هددوني وقالوا سنقتلك إن ذهبت إلى ميدان التحرير.. لقد عرفوني باسمي".
وتلفت المجلة إلى أن هذه الحادثة أصبحت بالنسبة للعراقيين العاديين تجربة عادية، في الوقت الذي دخلت فيه المظاهرات شهرها الثاني في تشرين الثاني/ نوفمبر، فقتلت قوات الأمن يوم السبت 9 أشخاص، في الوقت الذي قامت فيه بإخلاء ثلاثة جسور تقود إلى المنطقة الخضراء.
ويورد التقرير نقلا عن شهود عيان، قولهم بأنه تم إطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين مباشرة، فيما قامت الحكومة بإغلاق الإنترنت للمرة الثانية هذا الشهر، وفي ذلك اليوم ذاته كانت هناك تقارير تفيد بأن قوات الأمن تستخدم الذخيرة الحية، في الوقت الذي قامت فيه بإرجاع المتظاهرين الذين يحاولون دخول المنطقة الخضراء من خلال الجسور، مشيرا إلى أن الحكومة تجلس محمية خلف الجدران الإسمنتية التي اقامها الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
وتقول الكاتبة إن "ميدان التحرير يبقى ملاذا نسبيا للمتظاهرين، لكن حتى الأشخاص الموجودين في الميدان تم استهدافهم بحملات اعتقال متفرقة واختفاء وتهديدات، وقال العديد من المتظاهرين الذين تحدثوا مع (فورين بوليسي) بأنه تم تهديدهم بعنف لئلا يشاركوا في التظاهرات".
وتنقل المجلة عن شاب اسمه علي، عمره 15 عاما، يقود في العادة سيارة توك توك لمساعدة المتظاهرين المصابين، قوله للمجلة على الهاتف، إنه معتقل، مشيرا إلى أنه تم اعتقاله خلال المظاهرات، وأنه تم تعذيبه بما في ذلك الضرب والصعق بالكهرباء في الوقت الذي تم فيه سجنه.
ويورد التقرير نقلا عن مسعفين وأطباء، قولهم للمجلة إن قوات الأمن استهدفتهم عندما حاولوا معالجة الجرحى المصابين إصابات بليغة في الخطوط الأمامية للمتظاهرين، لافتا إلى أن المتظاهرين نشروا يوم الجمعة فيديو يظهر طبيبا اسمه عباس تم ضربه في بطنه بالرصاص الحي، ومات بعدها.
وتنقل مجيد عن مسعف شاب يدرس طب الأسنان، قوله: "عندما ذهبنا إلى جسر السنك، قامت قوات تلبس اللباس الأسود بمهاجمتنا حيث ضربونا بقنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت.. وكانوا يصوبون مباشرة على الرأس والظهر.. لم يكونوا يصوبون على الأطراف".
وتنوه المجلة إلى أن المتظاهرين يطالبون بسقوط النظام، "لكن لا يبدو أي من الطرفين مستعد للتحرك، مشيرة إلى قول الزميل في "تشاتام هاوس"، ريناد منصور: "إنهم (الحكومة) يستخدمون كلمة مخربين، وهذه كلمة مهمة.. فهم يرون المتظاهرين بشكل متزايد بأنهم مخربون".
ويشير التقرير إلى أن الحكومة تحاول إضافة الشرعية على حملتها باستحضار قوانين محاربة الإرهاب.
وتورد الكاتبة نقلا عن منصور، قوله إن "دعوة رئيس مجلس القضاء الأعلى لحضور الاجتماعات الأمنية، وجعله يخرج ليشير إلى المواد المتعلقة بقانون مكافحة الإرهاب يمنح الحكومة تبريرا قانونيا لاستخدام العنف، ويصبح ذلك جزءا من القمع.. ويبدو أن الحكومة ومكتب رئيس الوزراء ضاقوا بالمتظاهرين، ولديهم الآن تبرير قانوني وسياسي ليتمكنوا من القيام بحملة قمع أشد ومحاولة إزالة المتظاهرين من الشوارع".
وتستدرك المجلة بأنه بالرغم من المؤشرات السابقة بأن مسؤولي الحكومة كانوا يناقشون استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، إلا أنه تمسك بالمنصب، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى تدخل قائد قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي زار العرق لمنع الإطاحة بعبد المهدي.
ويلفت التقرير إلى أن الأمم المتحدة أصدرت بيانا يوم الأحد، استعرضت فيه خطة إصلاحات، ودعت فيه إلى إنهاء العنف خلال المظاهرات، وحذر البيان من اختطاف "المخربين" للمظاهرات، وبلغة قريبة من التي أشار منصور إلى أنها صادرة عن الطبقة السياسية. مشيرا إلى أن الخطة العملية التي قدمتها بعثة مساعدة العراق التابعة للأمم المتحدة لم تتضمن أي ذكر لاستقالة عبد المهدي أو حكومته، وهي أحد المطالب الرئيسية للمتظاهرين.
وتؤكد مجيد أن الكثير من المتظاهرين لا يطالبون فقط بتغيير الحكومة، بل بتغيير نظام الحكم، الذي يقوم على المحاصصة الطائفية، لافتة إلى قول الناشط المدني والمتظاهر من الناصرية، الذي استخدم الاسم المستعار حسين: "ما نطالب فيه هو سقوط النظام، خاصة النظام الذي تم وضعه بعد الاحتلال الدولي للعراق عام 2003".
وتنقل المجلة عن محلل عراقي ذي خبرة، رغب أيضا في عدم ذكر اسمه، قوله: "دعوة المتظاهرين هي أساسا لكسر النظام، وللقيام بتغيير وإعادة تعريف النظام القائم.. ولذلك فإن دعوات المتظاهرين في الأساس تقوض نظاما قام المجتمع العالمي بالاستثمار في بقائه: من الجانب الأمريكي والجانب الإيراني".
وينوه التقرير إلى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تقوم بها الحكومة العراقية بقمع المظاهرات بالقوة، إلا أن حجم الجولة الحالية من المظاهرات وعدد الضحايا فيها فريدان، فلدى العراق تاريخ طويل في المظاهرات المناهضة للفساد من 2011 وحتى الآن، وفي عام 2015- 2016 شهدت بغداد حركة احتجاج كبيرة تمت مواجهتها بالقمع، وفي عام 2018، انفجرت محافظة البصرة الفقيرة بالرغم من الثروة النفطية بمظاهرات تطالب بالماء النقي والخدمات الصحية والوظائف.
وتورد الكاتبة نقلا عن الزميل في "تشاتام هاوس" منصور، قوله بأن الحكومة كانت قادرة على إرضاء المحتجين عام 2016، بينما في البصرة استطاع المسؤولون قمعهم بنجاح، وأضاف: "كانت الحكومة تفضل أن ترد (على المظاهرات الحالية).. بالطريقة ذاتها التي طبقتها في عام 2016، وأن تعد بالإصلاحات وتغييرات في الحكومة، ووعد بتعديل القانون، وحينها سيقول المتظاهرون لأنفسهم (حسنا، دعونا نعود لبيوتنا فقد حصلنا على هذه الوعود كلها)".
وتستدرك المجلة بأن هذه المرة يقول المتظاهرون إنه لا نية لديهم للمغادرة أو التفاوض مع الحكومة، بالإضافة إلى أنهم أصبحوا أكثر تنظيما، فأقاموا اعتصامهم في خيام، وأوصلوا الكهرباء للبناية المهجورة المعروفة بالمطعم التركي، التي تشرف على جسر يقود للمنطقة الخضراء.
وينقل التقرير عن علي سالم، البالغ من العمر 27 عاما، الذي كان يجلس في خيمة في ميدان التحرير بين بطانيات وفرشات متبرع بها، قوله: "كلنا بقينا هنا لمدة 14 إلى 15 يوما، تركنا بيوتنا وعملنا وعائلاتنا للبقاء هنا، مطلبنا هو تغيير الحكومة تماما.. وذلك هو أهم مطالبنا، أن تكون الحكومة عراقية وللشعب العراقي فقط، لا يمكن أن تتبع أي بلد آخر".
وتفيد مجيد بأنه قتل أكثر من 260 شخصا وجرح الآلاف منذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر، وعرض المتظاهرون لـ"فورين بوليسي" فيديوهات تظهر المتظاهرين يضربون على الرأس بقنابل الغاز المسيل للدموع، حيث يختلط الدخان بالدم النازف من رؤوسهم، مشيرة إلى أن قوات الأمن قامت باستهداف المتظاهرين بقنابل الغاز المسيلة للدموع التي تستخدمها الجيوش، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية.
وتقول المجلة إن المتظاهرين يعتقدون بأن الإنترنت أغلقت لمنع التنظيم بين المتظاهرين وللتعتيم على العنف، وقال متظاهر وناشط مدني يدعى علي تشساب: "لقد قطعوا الإنترنت ليهاجموا المتظاهرين مباشرة.. وكي لا نستطيع إيصال الأخبار للشعب، والدليل واضح: قطعوا الإنترنت وقطعوا الكهرباء لمدة ساعة"، وأضاف أن أي شخص كان يغادر المظاهرات في ذلك الوقت "يمكن أن يقبض عليه".
وبحسب التقرير، فإن المتظاهرين يخشون بأنه يتم الإخبار عنهم من المخابرات المحلية ومخابرات المليشيات، بما فيها المليشيات الموالية لإيران داخل قوات الحشد الشعبي، مشيرا إلى أنه في أجزاء رئيسية في ميدان التحرير أقام المتظاهرون نقاط تفتيش غير رسمية لمنع أي شخص من إدخال أسلحة بينهم، وقال تشساب: "إنها حرب نفسية".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول مسلم فاضل فلاح (26 عاما)، الذي يحمل شهادة في الاقتصاد، وسافر من الناصرية ليشارك في مظاهرات بغداد: "يضعون المخبرين بيننا لأنهم لا يريدون أن تستمر هذه المظاهرات، فكراسيهم وسلطتهم أهم شيء بالنسبة لهم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)