هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
باتت تركيا تحتل المركز الثاني عالميا، بعد الولايات المتحدة، في ترتيب الدول الأكثر تصديرا للمسلسلات، بحسب وكالة الأناضول، التي أشارت إلى اتساع دائرة المشاهدة، لتبلغ 146 دولة حول العالم.
بالمقابل، لم نشاهد انتشارا مماثلا للدراما العربية، حتى للأعمال التي فازت بجوائز عالمية، حيث تبقى حبيسة الشاشات المحلية، دون اهتمام بترجمتها.
التخطيط ومناقشة القيم الإنسانية
ويثير هذا الأمر تساؤلات عن الفروقات بين الدراما التركية ومثيلتها العربية، التي تساهم في تفوق الأولى عالميا.
ويرى الكاتب الصحفي والناقد الفني، حسام الغمري، أن "هناك عدة أمور موجودة في الدراما التركية وتميزها، في الوقت ذاته غير موجودة في مثيلتها العربية، منها التخطيط الجيد، حيث يوجد إرادة وخطط لنشر الدراما وإيصالها لجميع أنحاء العالم، وأيضا أن تصبح مصدر دخل داعم للاقتصاد الوطني".
اقرأ أيضا: المسلسلات التركية تحتل المركز الثاني عالميا بعد الأمريكية
وتابع الغمري في حديث لـ"عربي21": "أيضا يوجد في تركيا ما نسميه الإنتاج الذكي، الذي ينفق بسخاء على الأعمال الدرامية، إضافة إلى أن الدراما التركية تناقش قيما وقضايا إنسانية، وتستدعي قيما تاريخية، في فترة تبحث فيها الأمة عن طوق نجاة".
وأضاف: "ظهرت هذه القيم، وتقاطعت مع رغبة المشاهد العربي في استعادة الهوية والأمجاد، وذلك في عدة أعمال مثل أرطغرل وعثمان، إضافة لهذه المميزات لا تقوم الدراما التركية بالتطبيل لحاكم أو تمجيده أو النيل من خصومه، كما تفعل الدراما العربية".
توجهات السلطة الحاكمة
من جانبه، قال السيناريست والناقد الفني إمام الليثي: "مقومات الدراما التركية كثيرة، بداية من أماكن التصوير، التي تعطي مصداقية للأحداث، أيضا اختيار المواضيع المناسبة لتقديمها للمشاهد".
وأضاف الليثي في حديث لـ"عربي21": "أيضا توافق مواضيع الدراما للفكر الإنساني عموما، سواء كان ذلك في الدراما التاريخية التي لم تعتمد على نقل التاريخ وعرضه كما لو كنت أمام كتاب مطالعة، أيضا نجاح الأتراك في اختياراتهم للموضوعات الحديثة من اجتماعية أو كوميدية، فهم يضعونك أمام الرصيد البشري الإنساني من خبرات وتشابكات، بالتالي هم يراعون أصول الدراما".
وتابع: "بينما الدراما العربية مشكلتها الأساسية الارتباط برؤية وتوجهات السلطات الحاكمة، وتعبيرها عنها، سواء كان ذلك في التزوير للتاريخ من أجل إظهار وجه الشبه بين الحاكم الفلاني والبطل التاريخي الفلاني".
البطل الحُلم
اعتبر الفنان هشام عبد الله: "من أسباب نجاح الدراما التركية في الوصول للعالمية هي تقديم البطل الذي تحلم فيه جميع الشعوب العربية، بالمقابل الدراما العربية تعمل فقط لخدمة الأنظمة، بالتالي تكون بعيدة كل البعد عن نبض الشعوب".
وقال عبد الله في حديث لـ"عربي21": "أيضا من مشاكل الدراما العربية أنها مقتصرة على الداخل فقط، بينما المتلقي في غالبية شعوب العالم يبحث عن البطل الذي يمثل العدل والحق والدفاع عن المظلومين".
اقرأ أيضا: "القاهرة السينمائي".. تاريخ يتردى في ظل تهميش الانقلاب
وأضاف: "الفن لغة تخاطب الوجدان، والدراما التركية تخاطب وجدان الناس، بينما الدراما العربية لا تعبر عن واقع المجتمع العربي".
وحول مدى مساهمة الانفتاحية في الدراما التركية بانتشارها عالميا، قال عبد الله: "الدراما التركية تساير الدراما العالمية في قصصها وجودتها".
دور الرقابة
توجد في الدول العربية دوائر رسمية تراقب الأعمال الفنية، وتقرر نشرها من عدمه، وهو ما يحد من انطلاق الفنانين، ولكن ما تأثيرات ذلك على وصول الدراما العربية إلى العالمية.
يجيب الفنان هشام عبد الله عن هذا التساؤل بالقول: "بالتأكيد الرقابة تساهم في عدم نشر الدراما العربية عالميا، فالفن غير المراقب يلفت النظر ويخاطب وجدان الناس، بينما عربيا الرقابة وافقت وساهمت فقط في نشر الدراما التي تزيف الحقائق والتاريخ أمام الشعوب".
من ناحيته، قال الغمري: "الرقابة وتقييد حرية المبدع لها أثر كبير في عمل الدراما العربية، فحينما يتمتع المبدع بحرية كافية للتعبير عن قضايا حقيقية تشغله وتشغل مجتمعه، عندها تتميز أعماله بالصدق، وبالتالي العمل الصادق يصل وينتشر أكثر".
رأس المال
وعن تأثير ضعف أو قوة رأس المال في نشر الدراما العربية ووصولها للعالمية، قال الفنان هشام عبد الله: "رأس المال لا يعينه الترويج للدراما العربية في الخارج، والمسيطر حاليا على الفن بشكل عام هم الدول النفطية الخليجية".
وتابع: "الشركات التي تنتج الأعمال الدرامية العربية هي شركات خاصة تعمل بمال خليجي، الذي لا يرغب بنشر الفن الذي يعبر عن الحرية، لذلك تخرج الدراما مشوهة، ولا تصل للعالمية".
اقرأ أيضا: ممالك النار: وهم القوة الناعمة
بدوره، قال الليثي: "رأس المال مهم جدا في نشر الدراما، مع ذلك رأينا أن بعض الدول العربية أنفقت أموالا ضخمة على أعمال درامية فاشلة، آخرها ممالك النار الذي لن يخرج عن كونه فقاعة درامية".
وأضاف: "برغم هذا الفشل، لا أقلل من شأن وأهمية رأس المال، لكن ما جدواه حينما يكون عقل الكاتب مرتهنا برضا أنظمة الحكم، فالحرية هي أصل الإبداع".
الحلول
وحول الحلول التي يجب وضعها للمساهمة في نشر الدراما العربية عالميا، قال الليثي: "يجب رفع العائق الأساسي المعبر عن الحكومات الحالية، وهو تقييد الإبداع الفني، فالموجود حاليا هو عبارة عن تهريج يقدمه مهرجو السلطات والحكام".