هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للأكاديمي المتخصص في الشرق الأوسط والإسلام والزميل في كل من المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومعهد كارنيغي للسلام، أتش إيه هيللر، يقول فيه إن مواطنا بريطانيا سأل بوريس جونسون وجيرمي كوربين قبل أسبوع من الانتخابات، خلال مناظرة على تلفزيون "بي بي سي": "ماذا ستفعلان لإخراج الكراهية من السياسة؟"، مشيرا إلى أنه سؤال مشروع لطرحه عليهما، فهما زعيما الحزبين الأكبرين في بريطانيا.
ويشير هيللر في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "بالنسبة لزعيم حزب العمال كوربين، فإن الأمر كان يتعلق بالاتهام بأن قيادة حزبه، وهو من ضمنها، لم يكونوا حازمين بما فيه الكفاية للتعامل مع معاداة السامية داخل حزب العمال، أما بالنسبة لجونسون فإن الأمر يتعلق بالإسلاموفوبيا والتعصب ضد المسلمين في حزب المحافظين، ولم يعط أي منهما جوابا مختلفا عن تصريحاته السابقة، وكانت النظرة لهما هي أنهما حاولا التملص وصد التهم الموجهة لهما ولحزبيهما".
ويقول الباحث: "إذا ما أخذنا في عين الاعتبار أن الجرائم ضد اليهود في إنجلترا وويلز تضاعفت على مدى العام 2018 إلى 2019، مقارنة مع السنة السابقة (1326 مقارنة مع 672)، فإن من الواضح أن معاداة السامية هي قضية تحتاج إلى التعامل معها في حزب العمال والمجتمع البريطاني بشكل عام، وفي الفترة ذاتها كانت هناك جرائم كراهية تساوي ثلاثة أضعاف ذلك ضد المسلمين (3530)، حيث شكلت نصف جرائم الكراهية ضد مجموعات دينية في المملكة المتحدة، إلا أن الانتباه الذي اعطي لهذه القضية كان قليلا بالمقارنة مع غيرها".
ويلفت هيللر إلى أنه "عندما يتعلق الأمر بكراهية المسلمين، فإن الأمر ليس أن هناك مشكلة إسلاموفوبيا في حزب المحافظين، فرئيس الوزراء الحالي كتب ذات مرة: (الإسلاموفوبيا -الخوف من الإسلام- تبدو رد فعل طبيعية)، وأصر على أن (الإسلام هو المشكلة)، وتم مؤخرا تعليق عضوية عدد من المسؤولين في حزب المحافظين بسبب خطاب الإسلاموفوبيا، لكن يبدو أن المحافظين غير مستعدين للتعامل بشكل كاف مع الإسلاموفوبيا داخل الحزب".
ويستدرك الكاتب بأن "التعصب ضد المسلمين ليس فقط في صفوف حزب المحافظين، بل إنه منتشر على نطاق واسع داخل المجتمع البريطاني، وزادت جرائم الكراهية الشخصية ضد المسلمين من عام 2016 إلى عام 2017 بنسبة 30%، وفي العام الذي يليه أرسلت رسائل (يوم معاقبة المسلمين) إلى أعضاء البرلمان المسلمين، ولعائلات في أنحاء لندن، وتمت مهاجمة المساجد في أنحاء بريطانيا، بما في ذلك عندما قامت شاحنة بدهس عدد من المسلمين بعد خروجهم من صلاة التراويح في أحد مساجد لندن في حزيران/ يونيو 2017، والآن وقد انتهت الانتخابات فإن هذه المشكلة ليست على وشك الاختفاء، لكن على خلاف ذلك، فإن الإسلاموفوبيا في بريطانيا أصبحت موجودة في التيار الرئيسي بطريقة لم تشهد من قبل في بريطانيا الحديثة، ويمكن لها أن تصبح أسوأ".
ويؤكد هيللر أن "مشكلة الإسلاموفوبيا هي أشد اليوم مما كانت عليه بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، أو تفجيرات قطار الأنفاق والباصات عام 2005 في لندن، وقبل انتخابات 12 كانون الأول/ ديسمبر، أجرت شركة ICM استطلاعا للناخبين لمعرفة موقفهم من المسلمين، وعندما تعلق الأمر بالناخبين المحافظين، فإن 37% منهم قالوا بأنهم ينظرون بسلبية للمسلمين، وقال 55% منهم بأنه يجب تقليل عدد المسلمين، فيما قال 62% منهم بأنهم يتفقون مع المقولة بأن الإسلام يهدد طريقة الحياة البريطانية".
ويرى الباحث أن "هذه الأرقام تثير القلق، لكنها لا تثير الاستغراب، ولسنوات عديدة كانت هناك مخاوف كثيرة من وجود تعصب ضد المسلمين في حزب المحافظين، وتم تقديم شكاوى كثيرة ضد تصرفات مسؤولين محافظين وناشطين، وفي 2018 قالت الرئيسة السابقة لحزب المحافظين سعيدة وارسي، إن على حزب المحافظين تشكيل لجنة تحقيق في الإسلاموفوبيا، وفي الواقع عندما كانت وارسي رئيسة مشاركة للحزب قالت إن الإسلاموفوبيا قد (نجحت في اختبار طاولة العشاء)، أي أنها أصبحت مقبولة على نطاق واسع".
ويعلق هيللر قائلا إن "وارسي لم تكن مخطئة، والأرقام الصادمة في آخر استطلاع لشركة ICM لم تكن تلك المتعلقة بحزب المحافظين، بل تلك المتعلقة بالشعب البريطاني عامة، فعندما يتعلق الأمر بالناخب البريطاني بشكل عام وجد الاستطلاع أن 26% ينظرون نظرة سلبية للمسلمين و41% يعتقدون أنه يجب تقليل عدد المسلمين الذين يدخلون بريطانيا، فيما يتفق 45% مع القول بأن الإسلام يهدد أسلوب الحياة البريطانية".
ويقول الكاتب: "لقد قمت بالبحث في الإسلاميين المتطرفين في عملي، ووصلتني تهديدات من متطرفين إسلاميين بسبب عملي، أحيانا لأنني حاججت بأن هؤلاء المتطرفين يشكلون تهديدا للمملكة المتحدة، أو أنهم مصدر تهديد للمجتمعات المسلمة في أنحاء العالم كله، ففي الواقع أن المسلمين هم الضحايا الرئيسيون للتطرف الإسلامي في أنحاء العالم، والمسلمون هم من دفعوا أكبر ثمن من ناحية مكافحة الجماعات المتطرفة".
ويستدرك هيللر بأن "سؤال الاستطلاع لم يكن عن المتطرفين الإسلاميين، لكنه متعلق بالمسلمين بشكل عام والإسلام بصفته دينا، والعداء للمسلمين لم يكن محصورا في أقلية من البريطانيين، ولا حتى في حزب واحد، لكن عندما يرى حوالي نصف الناخبين، بحسب استطلاع ICM، الإسلام -وليس المتطرفون أو المتشددون لكن المسلمين العاديين- تهديدا، فإن لدى بريطانيا مشكلة يجب عليها التعامل معها".
ويجد الباحث أن "انتشار الإسلاموفوبيا المتزايد، بل قبولها أيضا، هو نتاج ثلاثة عوامل، الأول، هو تصريحات شخصيات سياسية مهمة تمارس الإسلاموفوبيا، ليس أقل من رئيس أمريكا، دونالد ترامب، الذي قال أشياء مثل (أعتقد أن الإسلام يبغضنا) وهذا ليس تصريحا حول التطرف لكنه يتعلق بالإسلام، وقارن هذا مع كيف كانت ردة فعل الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، على هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، لقد زار بوش مسجدا ليظهر بوضوح أن العدو ليس هو الإسلام بصفته دينا، ولا المسلمين، وعندما تقوم شخصيات قوية بمثل هذه الادعاءات، كما فعل ترامب، فإن ذلك ينشر خطابا، ويوفر مساحة لخطاب أكثر ضررا بالظهور وبأن يعد مقبولا".
وينوه هيللر إلى أن "العامل الثاني هو وجود شبكة موثقة تهدف إلى جعل المسلمين في الغرب مشكلة، وأصدر مركز Center for American Progress تقريرين مميزين، هما Fear, Inc وFear, Inc. 2.0، فصل فيهما المؤسسات وشبكات النفوذ التي ركزت على نشر ودعم السردية القائلة بأن المسلمين والإسلام يسعون لتدمير الحضارة الغربية من الداخل، وهذا ليس صدفة، لكنه مخطط له وبتمويل يدعم السياسيين الديمغرافيين في أمريكا الشمالية وأوروبا وما هو أبعد من ذلك".
ويفيد الكاتب بأن "العامل الثالث هو جعل تلك الآراء البغيضة تيارا رئيسيا يقول بها أشخاص لا يعانون من التطرف في بغض المسلمين، كما أشار توم كيباسي الشهر الماضي: (من الصعب عدم الاستنتاج بأن الكثيرين في الإعلام البريطاني يتجاهلون الإسلاموفوبيا لأنهم يعتقدون أن ممارسي الإسلاموفوبيا لديهم وجهة نظر)".
ويقول هيللر إن "قليلا من السياسيين والمفكرين العامين والشخصيات الإعلامية من كانوا مستعدين لأن يواجهوا هذه القضية، وعلى العكس، فما يفعلونه عادة هو الحديث بأسلوب مشفر وموجه لفترة قصيرة لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد، وكما يقول المثل: (الشيء الوحيد الضروري لانتصار الشر هو ألا يفعل الأشخاص الجيدون شيئا)".
ويعتقد الباحث أن "التقليل من شأن هذا النوع من التهديد للتماسك الاجتماعي لمجتمعاتنا ليس خيارا يجب أن نؤيده، وهذا النوع من التوجه هو الذي جعل فكرة أن يهود أوروبا يشكلون تهديدا تنتشر على نطاق واسع في أوائل القرن العشرين، وجعلهم كبش فداء بشكل ممنهج، وهو ما أدى أخيرا إلى المحرقة، ونقص الجدية ذلك هو الذي تسبب بشيطنة البوسنيين في 1990، وهو ما قاد إلى إبادة المسلمين في البوسنة، والتسامح مع هذه المشاعر قبل عقدين مهد الطريق أمام الإيماءة المخزية التي صدرت عن لجنة نوبل الأسبوع الماضي".
ويقول هيللر: "يجب أن تشكل جائزة نوبل اعترافا بعظمة الفائز بها، لكن في 10 كانون الأول/ ديسمبر، منح الكاتب النمساوي بيتر هاندكه تلك الجائزة، وهو هاندكه نفسه الذي أنكر وقوع الإبادة الجماعية ضد مسلمي البوسنة، ومنح جائزة نوبل وصافح ملك السويد، فالتعصب ضد الإسلام والإسلاموفوبيا لا ينزعان الأهلية في دهاليز السلطة في أوروبا في هذه الأيام، لكن تتم المكافأة عليهما كما يبدو".
ويرى الكاتب أنه "من الواجب أن تكون السمة المميزة للمجتمع السليم حماية أقلياته الأكثر ضعفا، والسمة المميزة للمجتمع المريض هي إهمال تلك المسؤولية، وكان المحفز لمذبحة المسجد في كرايستشيرتش في نيوزيلندا بشكل جزئي هو القوميون المتطرفون في البلقان، الذين أدى تعصبهم ضد المسلمين إلى الإبادة في البوسنة، لكن فريد أحمد، الذي نجا من مذبحة المسجد، التي قام فيها قومي أبيض بفتح النار على المصلين وقتلهم، بينهم زوجة أحمد، أعلن بعدها أنه سامح الجاني، لكنه حذر قائلا: (إن الدرس هو إن كان يمكن للشر أن يحدث في مدينة الحب والتعاطف والروحانية فإنه يمكن أن يحدث في أي مكان ولأي شخص)".
ويختم هيللر مقاله بالقول: "لا أحد يعتقد أن مثل تلك المذبحة يمكن أن تحدث في مكان متسامح مثل نيوزيلندا، لكنها وقعت، وحذرت السلطات الأمنية العامة في المملكة المتحدة من أن اليمين المتطرف حاول -لحسن الحظ أنه فشل- القيام بمذبحة، وذهب إلى حد التحضير لتجميع معدات لتفجير مسجد، وكان ثلث المخططات الإرهابية في المملكة المتحدة منذ آذار/ مارس 2017 من اليمين المتطرف، بحسب الأمن البريطاني، ويمكن القول إن متطرفي اليمين يحركهم التعصب ضد المسلمين أكثر من أي شيء آخر، فقبل أن تحصل مذبحة شبيهة بمذبحة كرايستشيرتش في بريطانيا، فإن على جونسون أن يقوم بالمزيد للتعامل مع الكراهية التي تلوث السياسة البريطانية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)