قضايا وآراء

ما الجميل في صفقة القرن؟!

عبد السلام فايز
1300x600
1300x600

رغم سوداوية المشهد، وتضاؤل احتمالات الانتصار، تلوح في الأفق بوادرُ خير واضحة المعالم، وذلك بعدما كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن بنود صفقة القرن بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خارج حدود دولة الاحتلال. وكان من الأَولى لهما أن يكون لقاؤهما التاريخي هذا داخل الحدود المعنيّة، إلّا أنهم آثروا أن يطيروا إلى ما وراء البحار، ليطبّقوا المثل الشعبي "العرس في إسرائيل، والطبل والزمر بواشنطن"..

محاسن في صفقة القرن


مُخطئ من يظن أن صفقة القرن لم تأتِ بالشيء الجميل للفلسطينيين، فعلى الرغم من ابتلاعها لمزيد من الأراضي والمقدسات، إلا أنها تحظى بالنقاط التالية:

أولا: أكّد كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، في حديث مع قناة الجزيرة، أنّ بنود صفقة القرن التي تم الكشف عنها مؤخرا، هي ذاتها التي عرضها عليه الجانب الإسرائيلي قبل تسع سنوات، ثم تكرر العرض لمرات عديدة بحسب قوله.

 

وقد تحدّى صائب عريقات في معرض حديثه أيَّ مسؤول أمريكي، أن يكون قد زادَ بندا واحدا فقط على البنود السابقة، وهذا ما يُثبت أنّ ورقة الصفقة هي ورقة مستهلكة رغم أنها بحماية أمريكية ونكهة جديدة، ولو لم تكن كذلك لما عاد الإسرائيليون بعد تسع سنوات ليطرحوها على الطاولة مجدّدا. فالرئيس دونالد ترامب على ما يبدو ليس هو راعي الصفقة الحقيقي، بل الإسرائيليون أنفسهم، وما هو سوى مُشجّع قد تحمّس كثيرا، فدفعه الحماس إلى اقتحام الملعب، ليجد نفسه في نهاية المطاف خارج حدود اللعبة..

ثانيا: واضح تماما أنّ الإعلان عن بنود صفقة القرن قد وحّد الفلسطينيين، وأعاد اللُّحمة الفلسطينية بين زملاء الخندق الواحد، ورفاق الدرب، إذ سارع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى الاتصال بالرئيس محمود عباس وثمّن موقفه، وأعرب عن اصطفاف الحركة معه في مواجهة صفقة القرن، كما أعرب محمود عباس عن ترحيبه باتصال هنية، مؤكدا أنه سوف يزور قطاع غزة لترتيب أوراق المرحلة المقبلة، بما يتناسب مع حجم التحديات التي تتعرض لها القضية الفلسطينية.

وقد بدأ الترتيب لهذه الزيارة من خلال إرسال وفد من حركة فتح إلى قطاع غزة، تمهيدا لوصول محمود عباس الذي أكد على أن المرحلة المقبلة سوف تشهد تغييرا ملحوظا في مواقف السلطة الفلسطينية ردا على تجاهل الإدارة الأمريكية للحقوق الفلسطينية المشروعة. فهل يا تُرى سيشهد أهالي قطاع غزة اجتماعا يضم هنية وعباس، الرجلين اللذين لم يجلسا على طاولة واحدة منذ فترة طويلة، فيزول الهم وينتهي الانقسام؟!!

ثالثا: أظهرت هذه الصفقة شجاعة الموقف الفلسطيني الرسمي في تحدي العنجهية الأمريكية، فالرئيس محمود عباس الذي ظهر سابقا على أنه راعي التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، وصاحب مقولة التنسيق الأمني مقدّس، يظهر اليوم بمظهر آخر مغاير تماما. فأنْ يُوصَف الرئيس الأمريكي بأنه "كلب ابن كلب" لم يحصل إلا من قبل محمود عباس، وأن يتم تجاهل الاتصالات الهاتفية المتكررة القادمة من البيت الأبيض لم يحدث إلا حين أصرّ محمود عباس على عدم رغبته في الحديث مع الرئيس الأمريكي، بسبب انحياز الأخير لمواقف دولة الاحتلال، لذلك وجدَت معظم الفصائل في هذه التغييرات الإيجابية فرصة سانحة لدعم صمود أبي مازن، وأعلنت عن تناسيها للخلافات السابقة والبدء بمرحلة جديدة خالية من الانقسامات، حتى أنّ العضو المفصول من حركة فتح محمد دحلان، بعث برسالة إلى الرئيس محمود عباس، أعرب فيها عن وقوفه إلى جانب القيادة الفلسطينية لمواجهة صفقة القرن.

رابعا: كشفت الصفقة عن الدول العربية التي تهمها مصالح دولة الاحتلال قبل مصلحة الشعب الفلسطيني، وذلك بعد مشاركة سفراء الإمارات والبحرين وعُمان في مراسم الإعلان عن بنود الصفقة في واشنطن، الأمر الذي أحدث استياء فلسطينيا على المستويين الرسمي والشعبي.

 

وموقف عُمان غير مفهوم، رغم حسن النوايا الذي أبدته الفصائل الفلسطينية بعد وفاة السلطان قابوس، حيث توجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، كلّ على حدة، إلى مسقط للتعزية في وفاة السلطان، لكنّ الرد العُماني جاء بعكس التوقعات الفلسطينية، بينما أظهرت المملكة العربية السعودية تحسنا لا بأس به في موقفها من القضية الفلسطينية، إذ سارع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الاتصال بمحمود عباس، للإعراب عن موقف المملكة الداعم والثابت من القضية الفلسطينية، كما أعلن وزير الخارجية السعودي في حديثه مع CNN أنّ الإسرائيليين غير مرحّب بهم داخل المملكة، وذلك في محض رده على سماح دولة الاحتلال لمواطنيها بزيارة السعودية، مؤكدا أنّ المملكة تدعم إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة في المنطقة..

وبين المحاسن والمساوئ، يحاول الفلسطينيون رص الصفوف، عسى أن تكون الوحدة الوطنية هي خير وسيلة للدفاع عمّا تبقى من القضية الفلسطينية..

 

التعليقات (0)