تضمنت صفقة ترامب التي أعلن عنها أخيراً في البيت الأبيض بنوداً لتصفية القضية الفلسطينية، وفي المقدمة منها قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث أكدت أنه لن يكون هناك أي حق في العودة أو استيعاب أي لاجئ فلسطيني في المناطق التي أنشئت عليها إسرائيل، كما احتوت خطة من عدة خيارات للاجئين الفلسطينيين الذين يبحثون عن مكان إقامة دائم؛ في الدول المضيفة التي يتواجدون بها بما يخضع لموافقة الدول ذاتها، أو قبول خمسة آلاف لاجئ سنويًا على مدى عشر سنوات، بواقع (50) ألف لاجئ فلسطيني في بعض الدول التي توافق على المشاركة في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، وتشير بنود الصفقة أيضاً إلى تفكيك المخيمات في الضفة والقطاع، عبر استبدالها بتجمعات سكنية جديدة، كما تضمن إعلان ترامب إنهاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأممية، "أونروا"، وتحويل مسؤولياتها إلى الحكومات المعنية، ويمتد ذلك إلى شطب القرار 194 وتالياً حق العودة لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني إلى ديارهم ووطنهم الوحيد فلسطين.
مشاريع التصفية
تتساوق صفقة ترمب لتغييب قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل كامل مع المواقف الإسرائيلية الداعية إلى توطين اللاجئين وإعادة توزيعهم وعدم الاعتراف بالمسؤولية السياسية والقانونية عن بروز قضية اللاجئين الفلسطينيين.
سيسقط الشعب الفلسطيني بوحدته وبكفاحه اليومي صفقة ترامب كما أسقط كافة المشاريع التي حاولت إخضاع الفلسطينيين وتصفية قضيتهم منذ إنشاء إسرائيل في عام 1948.
ويلحظ المتابع لتطورات القضية الفلسطينية بأنه منذ بروز قضية اللاجئين قبل أكثر من إثنين وسبعين عاماً، كأهم نتيجة من نتائج إنشاء "إسرائيل" الملازمة لنكبة الشعب الفلسطيني، كانت إدارة الرئيس دوايت ايزنهاور، الإدارة الأمريكية الوحيدة التي اعتبرت إعادة جزء من اللاجئين الفلسطينيين إلى مناطقهم التي هجروا منها، هو الحل العادل للمشكلة وإقامة "السلام" في المنطقة، وقد استند الرئيس ايزنهاور في
موقفه هذا لدراسة وضعها ريتشارد كرافت وجاك هيمر عن منطقة الشرق الأدنى.
وفي عام 1969م وضعت اللجنة الأمريكية التي يتزعمها سايرونس فانس وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، مشروعاً لتوطين اللاجئين، الذين كان عددهم آنذاك (687) ألفاً في الأردن، و236 ألفاً في لبنان و144 ألفاً في سوريا، و280 ألفاً في غزة، وينص المشروع على إنشاء صندوق دولي بميزانية مقدارها (3) مليار دولار لتوطين 700 ألف في الأردن، و500 ألف في سوريا، وتفريغ لبنان من اللاجئين الفلسطينيين، كما تدفع تعويضات لأصحاب الأملاك، وفقاً للجداول التي وضعتها لجنة التقديرات العامة لعام 1950م، وتسهم في دفع الأموال كل من الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا الغربية.
وفي عام 1973، أدخل هنري كيسنجر تعديلات على المشروع بحيث يتم توطين ثلثي اللاجئين في الأردن، والثلث الباقي في سوريا، وتدفع التعويضات لأصحاب الأملاك التي استولى عليها الكيان الإسرائيلي.
وفي عام 1987، وضعت إدارة الرئيس رونالد ريغان مشروعاً لحل قضية اللاجئين، يتضمن إنشاء صندوق دولي لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسوريا، بحيث تقام لهم مستوطنات حديثة تدفع تكاليفها من الصندوق الدولي بإشراف لجنة تعينها هيئة الأمم المتحدة، أمّا أصحاب الأملاك فتدفع لهم تعويضات عن أملاكهم تحدد قيمتها لجنة دولية مؤلفة من خبراء.
لم تتوقف محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، فإثر خروج منظمة التحرير من لبنان عام 1982، شاعت مشاريع كثيرة، بشأن تهجير الفلسطينيين من لبنان إلى منطقة الأزرق في الأردن، وتكرر الحديث عن المشاريع إبان حرب المخيمات، ولم تتبناها بشكل رسمي أية جهة فلسطينية، بل على العكس، إذ ووجهت برفض شعبي واسع، وبعد عقد مؤتمر مدريد في نهاية عام 1991، راجت سلسلة من المشاريع تتمحور حول توطين جزء من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لا يتعدى 100 ألف بالأرقام، ويستوعب العراق القسم الباقي من مجموع الفلسطينيين في لبنان، مقابل رفع الحصار الإقتصادي عنه، كما راجت مشاريع عدة لنقل الفلسطينيين من بيروت إلى منطقة البقاع.
تضمنت صفقة ترامب التي أعلن عنها أخيراً في البيت الأبيض بنوداً لتصفية القضية الفلسطينية، وفي المقدمة منها قضية اللاجئين الفلسطينيين
وكسابقاتها من المشاريع لم تلق آذاناً فلسطينية صاغية، إذ رفض التجمع الفلسطيني في لبنان منذ عام 1948 كافة المشاريع التي طرحت بشأن توطينه، كما اعتبر وجوده في لبنان مؤقتاً إلى حين تطبيق حق العودة الذي تضمنه القرار الصادر عن الأمم المتحدة رقم 194 عام 1948، ومن خلال نتائج تحقيقات ميدانية أجرتها الصحف اللبنانية المختلفة خلال الفترة التي تلت اتفاقات أوسلو، تبين أن كافة الشرائح الاجتماعية الفلسطينية ترفض مبدأ التوطين أو الوطن البديل.
ومن المشاريع التوطينية الأخرى، مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا في منطقة الجزيرة، إلى الشمال الشرقي من البلاد. هذا المشروع أثير في الخمسينيات من القرن الماضي، ثم غاب ولم يعد هناك أي حديث حوله؛ وفي الأردن أخذت ملامح التوطين للفلسطينيين بالظهور السريع بعد اتفاقات أوسلو، حيث أشير إلى مشروع حكومي أردني في عام 1995 أطلق عليه "تنمية إقليم الوسط"، حملت مضامينه دراسة استهدفت واقع المخيمات الفلسطينية، باعتبار أقاليم العاصمة وضواحيها، يضم العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين أي قرابة مليون لاجئ، ولتتكشف مع هذه الدراسة خيوط جديدة تتعلق بما يسمى إعادة دراسة السكن العشوائي، بما لا يقبل الشك بأن السكن المستهدف هو المخيمات.
وتواترت بعد ذلك مشاريع التوطين، التي كانت تحاك منذ فترة مبكرة لتظهر إلى العلن بعد توقيع اتفاقية أوسلو خطة أمريكية لتوطين خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في دول الشرق الأوسط والعالم، وروّج الاحتلال لتلك الخطة من خلال رئيس جهاز الموساد السابق شلومو غازيت، حيث قال في أكثر من ندوة "أنه من غير الممكن أن يكون للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني حل حقيقي وجذري وقابل للبقاء، من دون إنهاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من جميع جوانبها، ومن واجب إسرائيل الإصرار على إدراج هذه المشكلة في جداول الأعمال وإيجاد حل لها متفق عليه"، في الوقت الذي تنفي إسرائيل مسؤوليتها مراراً عن بروز قضية اللاجئين، وترفض من حيث المبدأ قرار حق العودة.
إفشال صفقة ترامب
تندرج كافة المشاريع والخطط المذكورة في إطار المحاولات الأمريكية ـ الإسرائيلية لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، لتبدأ خطوات عملية لتصفية القضية الفلسطينية وفي مقدمتها قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر إشهار صفقة ترامب في البيت الأبيض أخيراً، والتي ركزت في شكل أساسي على توطين اللاجئين الفلسطينيين وتفكيك المخيمات الفلسطينية، فضلاً عن تغييب الأونروا الشاهد الأممي الوحيد على نكبة الفلسطينيين، وعدم عودة أي لاجئ فلسطيني إلى وطنه وداره في المناطق التي أنشئت عليها إسرائيل.
لكن بكل تأكيد سيسقط الشعب الفلسطيني بوحدته وبكفاحه اليومي صفقة ترامب كما أسقط كافة المشاريع التي حاولت إخضاع الفلسطينيين وتصفية قضيتهم منذ إنشاء إسرائيل في عام 1948.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا