شهد العام الماضي تراجع حجم
مبيعات السيارات الخاصة بمصر بنسبة 13 في المئة مقارنة بمبيعات العام الأسبق، لتصل إلى 127 ألف سيارة خاصة مقابل 146 ألف سيارة، بعد أن كانت 208 آلاف قبل ست سنوات، رغم وقوع عدد من الأحداث الهامة خلال العام الماضي والتي تدفع نحو زيادة مبيعات السيارات، وأبرزها التخفيضات الجمركية على السيارات الواردة لمصر من دول الاتحاد الأوروبي إلى صفر
جمارك منذ بداية العام، مما دفع أسعار العديد من الطرازات سواء الأوروبية أو غيرها للانخفاض بنسب تراوحت ما بين 3 في المئة إلى 31 في المئة في ضوء المنافسة التي أسفرت عن إعفاء الأوروبية من الجمارك.
وكذلك تراجع سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه
المصري بحوالي 11 في المئة، وانخفاض سعر الفائدة بالمصارف بنسبة 4.5 في المئة بالإضافة إلى خفض بلغت نسبته 2 في المئة بالفائدة في العام الأسبق، مما يساهم في خفض التكلفة لعملاء الشراء من خلال التمويل المصرفي بالتقسيط، والذين يمثلون أكثر من 65 في المئة من عمليات البيع عادة.
ويقول تجار السيارات إن التخفيضات التي قامت بها الشركات قد أدت إلى تراجع المبيعات، وهو قول يحتاج إلى تفسير وعرض لوجهة نظر المستهلكين، حيث تسبب تعويم الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي عام 2016، في حدوث قفزة بأسعار السيارات سواء المستوردة أم التي يتم تجميعها محليا، نظرا لاستيراد معظم مكوناتها وتأثرها بسعر الصرف.
ووصلت الأسعار إلى ضعف ما كانت عليه قبل التعويم وأكثر، وأصبح سعر السيارة الاقتصادية يتخطى المئتي ألف جنيه، وهو رقم يفوق القدرة الشرائية لدى عموم المصريين، الذين تضرروا ماديا من قرار التعويم الذى رفع أسعار المنتجات الغذائية وغيرها والخدمات، مما أدى لعزوف غالبية الراغبين في شراء سيارة إلى تأجيل قرار الشراء.
محاولات متنوعة لتنشيط المبيعات
وكان هناك اتفاق بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي يقضي بإلغاء الجمارك المصرية على السيارات المصنعة بدول الاتحاد تدريجيا، خلال عشر سنوات بداية من عام 2010. وظل الخفض الجمركى مستمرا بنسبة 10 في المئة، لكنه تأجل عامي 2014 و2018. وأصر الاتحاد الأوروبي على إنهاء الجمارك كلية بالموعد النهائي المقرر ببداية عام 2019، وهنا اضطرت مصر لخفض النسبة المتبقية والبالغة 30 في المئة على السيارات الواردة من دول الاتحاد الأوروبي مع بداية العام الماضي.
وقبل بدء عام 2019 بعدة أسابيع بدأت شركات بيع السيارات سواء الأوروبية أو غيرها في خفض أسعارها، استعدادا لمرحلة صفر جمارك على السيارات الأوروبية. ومع بداية العام استمرت تلك التخفيضات من قبل الدول المنافسة التي لم تتمتع سياراتها بإلغاء الجمارك عليها حفاظا على حصتها في السوق المصرية، لكن قطاعا كبيرا من المستهلكين تداولوا الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معلنين عدم رضاهم عن نسب التخفيضات التي تمت ومطالبين بالمزيد من الخفض لأسعار السيارات.
وعندما لم يجدوا الاستجابة التي ترضي طموحاتهم، أعلنوا عن حملة لمقاطعة شراء السيارات بعنوان "خليها تصدي". ولقيت الدعوة استجابة جماهيرية مدفوعة بعاملين: أولهما ضعف القدرات الشرائية لغالبية المصريين، وارتفاع تكلفة اقتناء سيارة خاصة في ضوء ارتفاع أسعار الوقود وقطع الغيار عدة مرات، وأملا في دفع الوكلاء والموزعين لخفض السعر.
وفي ضوء ركود المبيعات حاول التجار والموزعون بعدة طرق تنشيط المبيعات الراكدة، سواء بمنح خصومات سعرية أو حملات صيانة مخفضة وخفض الفائدة على بعض الموديلات، لكنها لم تسفر عن تحقيق المطلوب، حتى أن معرض القاهرة الدولي للسيارات (أوتوماك- فورميلا) تم تأجيله من شهر أيلول/ سبتمبر إلى كانون الأول/ ديسمبر، لكنه لم يتم وتقرر تأجيله مرة أخرى لشهر حزيران/ يونيو من العام الحالي. وطالبت عدة شركات بتحويل المعرض من سنوي إلى كل عامين.
السيارات الأوروبية والتركية والمغربية بلا جمارك
وقبل بداية العام الحالي كانت هناك نسبة 10 في المئة من الجمارك المفروضة على السيارات الواردة من تركيا لمصر، ليتم إلغاء تلك النسبة ببداية العام الحالي لتصبح الجمارك عليها صفر في المئة طبقا لاتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا. وساهم ذلك في قيام شركات بيع السيارات الواردة من اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وبعض الصينية؛ بخفض أسعارها، كي تستطيع منافسة أسعار السيارات الأوروبية والتركية والمغربية التي تدخل مصر بلا جمارك، بينما يتم فرض جمارك بنسبة 40 في المئة للموديلات ذات محرك 1600 سي سي، و137 في المئة للسيارات ذات المحرك الأعلى من 2000 سي سي، مما جعل الراغبين بالشراء يؤجلون قرارات الشراء أملا بالمزيد من التخفيضات السعرية، مما دفع المبيعات للهبوط في الأسابيع الأولى من العام الحالي، مع توقع الخبراء استمرار ذلك الركود في المبيعات خلال الربع الأول من العام الحالي.
وتضمنت خريطة واردات السيارات في العام الماضي، من ميناء الإسكندرية المختص بتطبيق الإعفاءات الجمركية للسيارات الواردة من دول الاتفاقيات التجارية مع مصر، استحواذ السيارت الأوروبية على نسبة 51.5 في المئة من مجمل السيارات الواردة لمصر عبر ميناء الإسكندرية الأكبر بين الموانئ، مقابل نسبة 38 في المئة بالعام الأسبق قبل "زيرو" جمارك عليها، تليها السيارات الكورية المنشأ بنسبة 20 في المئة، واليابانية 18 في المئة، والصينية 7 في المئة، والأمريكية 2 في المئة.
تراجع واردات السيارات غير الأوروبية
وبالمقارنة باستيراد السيارات عبر ميناء الإسكندرية في العام الأسبق، فقد زاد عدد السيارت الواردة من الدول الأوروبية في العام الماضي بنمو 44 في المئة مقارنة بعام 2018، بينما انخفض عدد السيارات الكورية بـ24 في المئة، واليابانية 3 في المئة، والصينية 13 في المئة، مع وقف استيراد بعض الموديلات والأمريكية بتراجع 51 في المئة مقارنة بعام 2018، حيث قلل وكلاء شركات تلك الدول من الاستيراد بسبب ركود المبيعات.
وحتى السيارات المجمعة محليا، انخفضت مبيعاتها نظرا لتقارب سعرها مع أسعار السيارات الأوروبية، مما يدفع المستهلكين لشراء السيارات الأوروبية، حيث تشير إحصاءات جهاز الإحصاء الرسمي إلى أنه خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2019، تراجعت قيمة استيراد أجزاء السيارات بنسبة 17 في المئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2018، كما تراجعت قيمة استيراد سيارات الركوب بنسبة 8 في المئة بنفس فترة المقارنة.
ويظل السؤال حول توقعات مبيعات السيارات خلال العام الحالي، حيث يرى جانب من التجار والوكلاء أن السوق سيتحرك خلال الربع الثاني من العام الحالي، مدفوعا بما قرره البنك المركزى قبل نهاية العام الماضي، برفع نسبة الاقتراض المسموح بها للأفراد لشراء سيارة إلى 50 في المئة من دخلهم بدلا من نسبة 35 في المئة قبل ذلك. أيضا يتوقع انخفاض أسعار الفائدة في البنوك أكثر من مرة في العام الحالي، ويتوقع استقرار سعرف الصرف الذي يمسك به البنك المركزي إداريا منذ بداية العام الماضي.
لكن وجهة نظر أخرى ترى أن المشكلة الأساسية هي في ضعف دخول المصريين بالمقارنة بأسعار السيارات المرتفعة. فحتى السيارات الأوروبية والتركية والمغربية المعفاة من الجمارك عليها ضرائب أخرى، تتمثل في ضريبة القيمة المضافة وضريبة الجدول، والتي تتراوح نسبتها ما بين 15 في المئة إلى 44 في المئة من قيمة السيارة حسب سعة محرك السيارة. كذلك هناك رسم تنمية الموارد، والذي تتراوح نسبته من 3 في المئة إلى 8 في المئة من قيمة السيارة حسب سعة المحرك.
كذلك استمرار ارتفاع نسبة الفائدة على قروض السيارات بالمصارف لتتخطى نسبة 20 في المئة ببعضها، رغم تعدد عمليات خفض الفائدة في العامين السابقين، وهو ما يعني تضاعف قيمة السيارة الممولة بقروض مصرفية، إلى جانب التكلفة التي يتطلبها اقتناء سيارة، من وقود وصيانة وتأمين وقطع غيار وحراسة، حتى يقول بعض المصريين إنها تحتاج لمصروف بيت آخر. كما يخشى العاملون في سوق السيارات من القرارات الحكومية الفجائية، ومن تغير سعر الصرف والذي يمكن أن يوثر سلبا على مبيعات السيارات.