مع تقدم قوات النظام السوري المدعومة
روسيا إلى
مشارف مركز مدينة
إدلب، تتعالى الأصوات المطالبة بحل هيئة
تحرير الشام (جبهة
النصرة سابقا)، لسحب الذرائع من النظام وروسيا.
وفيما لا يزال الغموض يلف مصير "تحرير
الشام" ومستقبلها، يطرح مراقبون سيناريوهات عدة للتعامل الهيئة ، منها
التعامل التركي الحازم، وإرغامها على اتخاذ قرار حل نفسها تلقائيا، تحت التهديد
بفرض ذلك عليها عسكريا.
لكن وبالمقابل، لا تبدو
تركيا في هذا الوارد،
على الأقل مرحليا، لأن ذلك قد يجبرها على الدخول في مواجهة عسكرية مع "تحرير
الشام"، أو بعض أجنحتها المتشددة.
تجنب تركي
الصحفي التركي، حمزة خضر، قال إن "تركيا
تتجنب في المرحلة الأخيرة التعامل مع تحرير الشام، التي لم تشارك للآن في أي تحرك
عسكري تنسق له تركيا ضد قوات النظام".
وأضاف لـ"عربي21" أن ما يشاع عن مشاركة
"تحرير الشام" في عدد من العمليات القتالية، في حقيقته مشاركة لعناصر
منها فقط، وليس كفصيل، على غرار مشاركة "الجبهة الوطنية للتحرير".
وبالمقابل، أكد خضر أن تركيا ليست في وارد
الدخول بصدام ضد "تحرير الشام"، لأنها تتحضر للدخول في مواجهة مع
النظام، والصدام مع "تحرير الشام" في هذا التوقيت أمر مستبعد.
ولا يعني ذلك أن تركيا ستغض الطرف إلى ما
لانهاية على "تحرير الشام"، وفق الصحفي التركي، الذي اعتبر أن
"تركيا إن كانت جادة فعلا في تحركاتها العسكرية في إدلب ضد النظام، ستتفرغ
فيما بعد لمعالجة ملف "تحرير الشام"، ومن المتوقع أن تقوم الأخيرة بحل
نفسها، وذلك على ضوء التحركات التركية ضد النظام والمهل الممنوحة له حتى نهاية
شباط/فبراير الجاري للانسحاب من محيط نقاط المراقبة".
وتابع خضر أن "تحرير الشام" لا تشكل
تهديدا للجيش التركي المنتشر في إدلب، مضيفا أن "تركيا منشغلة بحسابات أكبر
من "تحرير الشام".
وحول أسباب عدم مشاركة "تحرير الشام"
في معارك صد قوات النظام، رغم تقدم الأخير، قال الصحفي التركي إنه "من غير
المعقول أن تتعامل تركيا مع جهة مصنفة على لوائح الأرهاب، والأهم أن أنقرة لا
تحتاج إلى تحرير الشام عسكريا في حال بدأت المواجهة العسكرية مع النظام".
وأضاف خضر أن تركيا ليست عاجزة عسكريا عن
النظام، ولا تحتاج مساندة "تحرير الشام"، غير أنها للآن لم تتخذ قرار
الحرب بعد.
ذوبان تدريجي
ومتفقا مع الصحفي التركي، استبعد القيادي
العسكري في "الجيش السوري الحر" النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أن تقدم
تركيا في الوقت الحالي، وكذلك الفصائل على الدخول في مواجهة مع "تحرير
الشام"، لما للأمر من تبعات على العديد من الأصعدة.
وفي حديثه لـ"عربي21" اعتبر أن
المرحلة لا تحتمل، والظروف ليست مناسبة إطلاقا، لأن تداعيات ذلك ستكون كبيرة على
الجبهات، والجميع يعمل على صد الهجمة الروسية الشرسة.
وحسب عبد الرزاق، فإن شراسة الهجمة أدت إلى
تلاشي المسميات الفصائلية في إدلب، ما يعني أنه لم يعد هناك ولاء من المقاتلين
للمسمى الفصائلي، وهو ما يساعد على ذوبان "تحرير الشام" في المرحلة
القادمة، بشكل تدريجي وتلقائي.
مصدر عسكري ثان من المعارضة، أشار إلى صعوبة
قتال "تحرير الشام" بسبب تراجعها إلى مركز مدينة إدلب المكتظ بالمدنيين،
وقال لـ"عربي21"، طالبا عدم الكشف عن اسمه، إن "الحرب على
"تحرير الشام" رغم سهولتها عسكريا، بوجود هذه الأعداد الضخمة من الجيش
التركي، ستكون صعبة على المدنيين، وخصوصا أن الأوساط الشعبية ليست بحاجة إلى
المزيد من الخوف".
ما بعد انتهاء التصعيد
نائب رئيس الهيئة السياسية في إدلب، الدكتور
مأمون سيد عيسى، ألمح خلال حديثه لـ"عربي21" إلى حديث المبعوث الأمريكي
الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، عن "تحرير الشام"، ووصفها بأنها
"فصيل قوي في الشمال السوري، يركز على محاربة النظام السوري، ويحاول إثبات
أنه فصيل وطني لا إرهابي".
وقال: إن حديث جيفري يشير إلى اتفاق الولايات
المتحدة وتركيا على تأجيل موضوع "تحرير الشام" إلى حين الحل النهائي.
وأضاف سيد عيسى، أن قرار التحرك ضد "تحرير
الشام" قرار بيد الولايات المتحدة، وإلى حين ذلك قد تستفيد تركيا من القوات
التركية التي دخلت إدلب والأعداد الكبيرة من الجيش الوطني في إجبار "تحرير
الشام" حل نفسها ودمج العناصر السوريين بفصائل "الجيش الوطني".
وزاد قائلا "التصريحات الأمريكية الأخيرة تساعد
على تطبيق هذا السيناريو، لكن بعد الانتهاء من التصعيد العسكري في إدلب".
ضمن أهداف تركيا
الكاتب والباحث بشأن قضايا الجماعات والحركات
الإسلامية، ماهر علوش، قال لـ"عربي21": لا شك أن إنهاء ملف "تحرير
الشام" في إدلب يعد ضمن أهداف تركيا في الشمال السوري.
واعتبر علوش أن إنهاء "تحرير الشام"
يأتي استجابة لتفاهمات تركيا مع روسيا في أستانا، والتي تعهدت تركيا بموجبها
بإنهاء هذا الملف بالطريقة التي تراها مناسبة، أولا، وثانيا يأتي استجابة لحاجة
تركيا في إنهاء وجود فصيل مشاغب في منطقة تسعى تركيا إلى تحويلها إلى منطقة
استقرار.
واستدرك بقوله "إلا أن تركيا في كل
الأحوال لن تقدم على هذه الخطوة قبل التأكد من أن روسيا سوف تقوم فعلا بالوفاء
بتعهداتها والتزاماتها في إدلب، بحيث تضمن تركيا أنها لن تقوم بإنهاء وجود هذه
الجماعة لصالح سيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة لها".
وبالبناء على هذه القراءة، يعتقد علوش أنه يمكن
القول أن تركيا لن تقوم بإنهاء هذا الملف قبل انسحاب قوات النظام من المناطق التي
سيطرت عليها مؤخرا، لأن قيامها بإنهاء ملف "تحرير الشام" قبل انسحاب
النظام يعني بشكل أو بآخر مساهمة تركيا في تثبيت نفوذ النظام في المناطق التي سيطر
عليها، والملاحظ أن تركيا تبدي موقفا صلبا إزاء الانتهاكات التي قام بها النظام
ومن خلفه روسيا في منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب.
إضعاف "تحرير الشام"
وفي سياق الحديث عن "تحرير الشام"
والتعامل التركي معها، لم يستبعد علوش أن يكون التعامل مع "تحرير الشام"
من بين الأسباب التي تؤخر التحركات التركية العسكرية في إدلب.
وأوضح أن من بين التفسيرات للتريث التركي، أن
تركيا تريد الزج بـ"تحرير الشام" في مواجهة مباشرة مع النظام وروسيا
بهدف إضعافها قبل البدء بإنهائها، مستدركا بقوله "لكن هذا غير ممكن إذا لم
يتقدم النظام باتجاه مناطق نفوذ وسيطرة هذه الجماعة، خاصة أن تحرير الشام انكفأت
على نفسها في هذه المعركة، وادخرت قوتها لمعارك أخرى، حيث تدرك أنها على قائمة
الجماعات التي يراد استئصالها من المنطقة خلال الفترة القادمة".
المحلل السياسي أسامة بشير، قال
لـ"عربي21" إن روسيا والنظام يستخدمان "تحرير الشام" كشماعة
لإخراج تركيا من شمال سوريا، مشيرا في هذا السياق التصريحات العسكرية الروسية
الاستفزازية التي تتحدث عن تسليح تركيا لـ"تحرير الشام"، في إشارة إلى
ما نقلته قناة "روسيا اليوم" عن تسليم تركيا أسلحة نوعية لـ"تحرير
الشام".
وقال بشير، الواضح أن بقاء "تحرير
الشام" بهذا الصيغة والشكل لن يستمر طويلا، وقد نرى قريبا تغيرات قد تطرأ على
بنيتها.