هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الثامن والعشرين من كانون ثاني (يناير) الماضي أعلن ترامب عن صفقته لتصفية القضية الفلسطينية. مثّل الإعلان كما بدا صاعقة نزلت على شعوب المنطقة وقياداتها. القيادة الفلسطينية وبعض الأنظمة مثل مصر السعودية الإمارات كانوا يعلمون تماما بتفاصيل الخطة لأنهم شاركوا في صياغتها وكل التصريحات من هذه الدول ضد صفقة القرن كانت خادعة، فأول من انبرى للدفاع عن هذه الصفقة وتحبيبها إلى قلوب العامة هو الإعلام السعودي والإماراتي.
جعجعة بدون طحن
حال الإعلان عن الصفقة، كشّرت القيادة الفلسطينية عن أنيابها وبدا أنها ذاهبة إلى حرب طاحنة ستسقط صفقة القرن بكل الوسائل، فقد أعلن الرئيس محمود عباس عن سلسة قرارات أهمها قطع الإتصالات مع الإدارة الأمريكية، ووقف التنسيق الأمني وزيارة قطاع غزة ولقاء الفصائل من أجل إبرام المصالحة للإنطلاق صفا واحدا ويدا بيد في مواجهة الصفقة.
في الأول من شباط (فبراير) الجاري أعلن وزراء الخارجية العرب من القاهرة أن صفقة القرن لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وطموحات الشعب الفلسطيني وتخالف مرجعيات عملية السلام المستندة إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأشهد الرئيس عباس المجتمعين أنه أوقف التعاون الأمني مع إسرائيل وأعلن تحرره من أي التزامات بموجب اتفاقيات أوسلو.
في الثالث من شباط (فبراير) الجاري عقدت منظمة التعاون الإسلامي في جدة اجتمعا على مستوى وزراء الخارجية لبحث صفقة القرن، أكد المجتمعون خلاله على رفض الصفقة لأنها لا تلبي حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وتخالف كل المرجعيات الخاصة للتفاوض والحل السلمي للقضية.
ويستمر التهريج و"الجعجعة بدون طحن" هذه المرة في مجلس الأمن، ففي الحادي عشر من شباط (فبراير) الجاري ألقى الرئيس الفلسطيني خطابا أمام مجلس الأمن بدا فيه مستكينا، واعظا، مفتيا، مستجديا مترحما على من طحن عظام الشعب الفلسطيني تاركا آلام شعبه ناسيا أو متناسيا جرائم عدوه وما تمثله الصفقة من ابتلاع لكافة الحقوق الفلسطينية، وسبق خطاب الرئيس إقالة سفير تونس لدى مجلس الأمن لأنه تقدم بصياغة بيان أزعجت الولايات المتحدة، وهو البيان الذي لم يجد طريقه إلى النور حتى بعد تجريده من كل المعايير الأخلاقية والقانونية التي تنقض الصفقة وعاد الرئيس من مجلس الأمن بخفي حنين.
عند هذا الحد توقفت الدبلوماسية العربية والفلسطينية والإسلامية وتناسوا أن هناك محطتان مهمتان يجب اللجوء إليهما لضرب صفقة القرن على الأقل من الناحية المعنوية. والأفدح من ذلك أن التنسيق الأمني الذي ادعى عباس وقفه وأشهد على ذلك عباد الله لم يتوقف وأن زيارته لقطاع غزة لم تتم وأن المصالحة لم تتم.
محطتان منسيتان
المحطتان المهمتان هما الجمعية العامة في دورتها العاشرة الطارئة المستأنفة والمحكمة الجنائية الدولية، فبينما كان العرب وغيرهم يتنافخون رفضا لصفقة القرن كانت دول مثل أستراليا، ألمانيا، هنغاريا، أوغندا تقدمت بطلبات للمحكمة تدعم وجهة النظر الإسرائيلية بأن فلسطين ليست دولة وبذلك لا اختصاص للمحكمة الجنائية في ما ترتكبه قيادات الاحتلال من جرائم في فلسطين، هذا الموقف اللاأخلاقي واللاقانوني الذي جاء تحت الابتزاز كان يجب أن يواجه بموقف رسمي من دول عربية وإسلامية يؤكد اختصاص المحكمة بطلبات مقابلة.
كان يجب على دولة فلسطين مدعومة من دول عربية واسلامية ومنظمات مجتمع مدني وضحايا تقديم ملف رسمي للمحكمة الجنائية الدولية يتهم فيه ترامب وكل معدي الصفقة بالتدخل والاشتراك في جريمة حرب وفق المادة السابعة من اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية التي تجرم نقل سكان إلى الإقليم المحتل أو ضم أجزاء منه.
على القوى الحية في الشعب الفلسطيني مدعومة من المجتمع الإنساني في العالم، أن تمارس حقها في النضال المستمر وأن تبقى يقظة حتى سحق صفقة القرن وتحويلها بالفعل إلى قمامة القرن!
رد الفعل وحده لا يكفي
ومن المعلوم أن مجلس الأمن بفعل الفيتو الأمريكي أحبط كل إجراء عملي لحماية الشعب الفلسطيني على مدى عقود، ويمكن القول أن ملف القضية الفلسطينية انتقل بشكل عملي إلى الجمعية العامة عام 1997، فبتاريخ 25/04/1997 عقدت الدورة العاشرة الطارئة وبقيت مفتوحه بسبب نص في القرار الذي تم التصويت عليه بالموافقة في الفقرة 13ن أن أعمال الدورة تبقى منعقدة وتدعى للاجتماع في حال توجيه رساله إلى رئيس الجمعية العامة من قبل دولة عضو، وكان آخر اجتماعين تحت مظلة هذه الدورة عامي 2017 ـ 2018 للرد على إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ولاتخاذ اجراءات لحماية الشعب الفلسطيني.
الجمعية العامة تتمثل فيها 199 دولة تحتاج فقط من يطرق بابها ويدعوها للانعقاد لتحصل على تصويت أكثر من 130 دولة يمثلون أكثر من ثلثي سكان الكرة الأرضية، فالتساؤل المطروح لم توقفت الدبلوماسية الفلسطينية والعربية عند هذا الباب ولم تجرؤ على طرقه، فالأبواب مشرعة مفتحة؟
إن تاريخ الأحداث الممهدة لصفقة القرن منذ إعلان ترامب أن القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها وإعلان أن المستوطنات لم تعد مخالفة للقانون الدولي إلى حد الإعلان عن الصفقة، يؤكد أن القيادة الفلسطينية والعربية عن سابق تصور وإصرار تبقي نفسها في دائرة رد الفعل العاطفي الذي يخفي أجندات، كان يجب الإستمرار في الجهود لإسقاط صفقة القرن وبشكل أقوى كونها الآن انتقلت إلى التطبيق العملي، فهناك لجنة أمريكية ـ إسرائيلية تعمل على الأرض لضم المستوطنات تنفيذا لصفقة القرن.
من لم يتعلم من التجارب تصدمه الحوادث، فكم من مرة جربنا إعلان السلطة حرصها على حقوق الشعب ووقف التعاون الأمني الذي فتك بمناعة الشعب الفلسطيني وصُدِم ذوو النوايا الحسنة بأن السلطة ومعها النظام العربي لا زالا على عهدهما القديم، لذلك على القوى الحية في الشعب الفلسطيني مدعومة من المجتمع الإنساني في العالم، أن تمارس حقها في النضال المستمر وأن تبقى يقظة حتى سحق صفقة القرن وتحويلها بالفعل إلى قمامة القرن!