هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا تكاد تنجو قمة جبل في الضفة الغربية المحتلة من إقامة مستوطنة أو معسكر أو حتى محمية طبيعية إسرائيلية؛ فالمهم لدى الاحتلال هو ضمان عدم وصول الفلسطينيين إليها والبناء فيها لأسباب عدة.
ويرى خبراء في شؤون الاستيطان أن
الاحتلال يسعى للسيطرة على قمم الجبال تحديدا، لفرض مزيد من التوسع الاستيطاني،
الذي يبدأ بقمة الجبل ثم يمتد إلى الاستيلاء على ما حوله.
وفي سبيل ذلك يستخدم الاحتلال
المستوطنين من أجل إتمام هذه المهمة؛ حيث يبدأون بالصعود إلى قمة الجبل الذي ينوون
السيطرة عليه؛ ويدّعون أنها مجرد زيارات عشوائية؛ لتتحول فيما بعد إلى منتظمة ثم
يبدأون بوضع منازل متنقلة وبعدها يحيطون المنطقة بسياج لتحديدها؛ ومن ثم تبدأ
الجرافات عملها وتسقط قمة الجبل بيد الاحتلال الذي يفعل ما يشاء بها متجاهلا أي
احتجاج شعبي أو قانوني من أصحاب الأرض الفلسطينيين.
خطوات مدروسة
ولعل ما حدث في قرية بيتا جنوبي مدينة
نابلس مؤخرا هو نموذج عملي لهذه العملية الاستيطانية الممنهجة؛ حيث قامت مجموعة من
المستوطنين بتنظيم زيارات لجبل العرمة في القرية بحجة وجود مناطق أثرية، ثم بدأوا
يحددون المنطقة ويحاولون الاستيلاء عليها، ولكن أهالي القرية تنبهوا للمخطط وبدأوا
بالتوافد إلى قمة الجبل فقمعتهم قوات الاحتلال وأوقعت بينهم عشرات الإصابات ظهر
الجمعة.
ويؤكد رئيس بلدية بيتا فؤاد معالي أن
جبل العرمة يحاول المستوطنون منذ عدة سنوات السيطرة عليه، حيث كانوا في البداية
يقومون بزيارته ويقيمون الاحتفالات عليه بحماية من قوات الاحتلال.
ويبين أن أطماع المستوطنين ازدادت في
الجبل فبدأوا يضعون إشارات للسيطرة المستقبلية عليه، حيث يحتوي آثارا تعود للعهد
الكنعاني وكانوا يتذرعون بزيارتها؛ ولكن أهالي البلدة علموا منذ اللحظة الأولى أن
الأمر يتجاوز مجرد الزيارة وأن المستوطنين سيعودون للاستيلاء على الجبل.
اقرأ أيضا: مصادقة لبناء مستوطنات.. و 190 إصابة بمواجهات مع الاحتلال
ويوضح معالي أن الجبل يرتفع عن سطح البحر 830 مترا وهو أعلى قمة جبلية في منطقة جنوب نابلس؛ حيث يطل على خمس قرى والسيطرة عليه تعني قطع الطرق الواصلة بينها، واصفا موقعه بالاستراتيجي الذي يقابل مستوطنة "إيتمار" الكبيرة التي أقيمت على أراضي جنوب نابلس.
ويضيف:" ناشد المستوطنون
حكومتهم الإسرائيلية وضع يدها على المناطق الأثرية في مناطق السلطة الفلسطينية
بحجة أنه لا يوجد اهتمام بها، ثم تنبهنا أن الأمر مجرد سيطرة على منطقة الجبل كي
يقيموا عليه مستوطنة جديدة وأن قضية الآثار هي مجرد ذريعة للاستيلاء".
ويؤكد معالي أن أهالي البلدة قاموا
بشق شارع للمنطقة وأمدوها بالكهرباء والماء لتشجيع المواطنين على البناء فيها كي
يمنعوا أطماع المستوطنين، كما أنهم ينوون عمل مشروع تنقيب عن الآثار في المنطقة
لحمايتها.
ولا تقل مساحة جبل العرمة عن 200 دونم
أغلبها تابعة لبلدية بيتا كونها مناطق أثرية؛ ويقع ضمن الأراضي المصنفة
"ب" وفقا لاتفاقية أوسلو الموقعة بين السلطة والاحتلال، فيما يرى أهالي
البلدة أن التواجد فيه سيمنع أطماع المستوطنين من الاتساع ويبعدهم عنه.
أسباب متنوعة
وتمتد المناطق الجبلية في الضفة
الغربية من مدينة جنين شمالا إلى بلدة الظاهرية جنوباً، حيث تشكل الجزء الأكبر من
الضفة ويصل طولها إلى 120 كم وعرضها إلى 50 كم، وتتكون صخورها من الحجر الجيري
وتمتاز تربتها بالخصوبة وتماسك القوام، وأبرزها جبال نابلس والقدس وبيت لحم ورام
الله والخليل.
بدوره، يرى الخبير في شؤون الاستيطان
عبد الهادي حنتش أن الاحتلال يسعى للسيطرة على قمم الجبال في الضفة المحتلة، لعدة
أسباب أبرزها أنها مناطق استراتيجية مهمة.
ويقول لـ"عربي21" إن قمم
الجبال تسيطر على كل المناطق المجاورة، وبالتالي يقيم الاحتلال مستوطناته عليها
لضمان الاستيلاء على مزيد من الأراضي، مبينا أن سببا أمنيا آخر لاحتلال قمم الجبال
يعود لكونها تكشف كل المناطق المحيطة؛ وبالتالي يحاصر الفلسطينيون ضمن مجموعة من
المستوطنات وتصبح حياتهم جميعها تحت المراقبة كونهم يقطنون في مناطق منخفضة أكثر.
ويوضح حنتش أن السبب الثالث لسيطرة
الاحتلال على قمم الجبال في الضفة المحتلة هو وجود ينابيع مياه فيها؛ فهو حين
يقيم مستوطنة على قمة جبل لا يسعى فقط للموقع المرتفع وإنما للاستيلاء على ينابيع
مياه وتحويلها إلى داخل الكيان الإسرائيلي.
اقرأ أيضا: الاتحاد الأوروبي يعلق على خطط بناء وحدات استيطانية بالقدس
ويلفت الخبير إلى أن الجبال عادة
تحتوي على معادن وثروات طبيعية تميزها عن المناطق المنخفضة وهو سبب يضاف إلى تفسير
سيطرة الاحتلال على تلك القمم العالية.
ويضيف: "رؤوس الجبال عادة ما
تحاصر التجمعات السكانية بشكل دائري، وبالتالي نرى أن الاحتلال يقيم عليها
مستوطنات أو نقاط مراقبة أو معسكرات وذلك لتوفير أكبر قدر من السيطرة الأمنية على
تحركات الفلسطينيين".
ويؤكد حنتش أن الاحتلال لا يعترف
بتصنيفات المناطق التي أفرزتها الاتفاقيات المختلفة وخاصة اتفاقية أوسلو والتي
للأسف يتمسك بها الجانب الفلسطيني، حيث يعتبرها تصنيفات مصطنعة ولا يعترف بها رغم
أنه وقع على الاتفاقية.
وللحد من عمليات السيطرة المستمرة على الأراضي الفلسطينية بما فيها رؤوس الجبال، يشير الخبير إلى أن جميع الأراضي لها
أوراق إثبات "طابو" من العهد العثماني، وأنه يجب على أصحاب الأراضي
المصادرة أن يستغلوها بالشكل القانوني اللازم لإثبات ملكيتهم لها.
ويتابع: "يجب استغلال هذه
الأوراق الثبوتية وطرد الاحتلال من الأراضي، فكثير من القضايا التي رُفعت اضطر
الاحتلال للاعتراف خلالها بأن الأراضي ملك للفلسطينيين، فيجب استغلال ذلك وإنهاء
كابوس التوسع الاستيطاني عن طريق الاستعانة بخبراء ومختصين من أجل العمل على
استعادتها عن طريق المتابعة القانونية".