هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "بلومبيرغ نيوز" تقريرا لمراسل شؤون الطاقة، خافيير بلاس، يشير فيه إلى أن السعودية لديها خطة عالية المخاطر للانتصار في حرب النفط، قائلا إن روسيا ربما كانت هي التي بدأت حرب الأسعار، إلا أن السعودية كانت تنتظر هذه الفرصة لتنتهزها.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الأمير عبد العزيز بن سلمان (50 عاما) كان في الرابع من آذار/ مارس في جناحه في فندق بارك هيات في فيينا، يحضر لما ثبت أنه أهم لقاء في حياته.
ويبين بلاس أن هذا الأمير مفاوض مخضرم لديه خبرة في الدبلوماسية البيزنطية والصفقات التي تعقد خلف الأبواب، التي تميزت بها منظمة أوبك منذ نشوئها قبل 60 عاما، وقلة يستطيعون ردم هوة العداوة بين أعضائها الذين لا يجمعهم إلا شيء واحد، وهو إدمانهم على البترودولار، وهو عالم تؤدي فيه عدة براميل نفط هنا وهناك لحدوث فرق، مشيرا إلى قول الأمير العام الماضي في تصريحات للموقع: "كيف نعمل على تقسيم هذه الأمور؟.. ليس هذا علما بل من خلال العلم والفن والحس العام".
ويعلق الموقع قائلا إنه عندما التقى في ذلك اليوم مع نظيره الروسي ألكسندر نوفاك فإنه لم ينفع لا العلم أو الفن، فكانت المحادثات مقدمة لتدهور مزلزل في أسعار النفط، التي لا يزال صداها يتردد في الاقتصاد العالمي، لافتا إلى أنه انهيار قد يتبين أنه تفكير استراتيجي في سياسة الإنتاج السعودية، في وقت تحاول فيه الحكومة السعودية تحويل معظم احتياطها النفطي إلى سيولة نقدية بأكبر سرعة ممكنة، بدلا من الحفاظ على الاحتياطي الهائل لأجيال قادمة.
ويجد التقرير أن تحولا كهذا سيغير اقتصاديات الصناعة، فستعطي كلفة الإنتاج المنخفضة جدا السعودية الميزة للفوز في أي حرب للأسعار، مشيرا إلى أنه بالنسبة للأمير عبد العزيز، الأخ غير الشقيق لولي العهد محمد بن سلمان، فإن هذا يمثل مقامرة هائلة، فأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم اختارت التعايش مع أسعار منخفضة للنفط.
ويقول الكاتب إن "الرياض ظلت صامتة حول نواياها في الحرب الحالية، لكن إن كانت الشكوك صحيحة فإن نتيجة الحرب ستكون بناء على نظريات داروين، التي يبقى فيها الأفضل، أو الانتقاء الطبيعي، ففي الوقت الذي يزيد فيه العالم حربه ضد التغيرات المناخية فإن الطلب على النفط سيتزايد إلى الذروة في العقود المقبلة، ومن المحتمل أن تظهر كل من السعودية وروسيا بجراح من المواجهة الحالية، بالإضافة إلى الضرر الذي سيصيب الآخرين، خاصة شركات استخراج النفط من الصخر الزيتي".
ويلفت الموقع إلى أن "التفكير الحالي في المملكة هو السماح للأسواق الحرة بمواصلة العمل، وإن كان المسؤولون يشعرون بالخوف فإنهم يحاولون عدم إظهار هذا الأمر، فالسعودية ستحاول التعايش لعام أو عامين مع أسعار نفط منخفضة، وستقوم بتعديل النفقات وإعداد مسودات لحماية المواطنين، خاصة ممن هم بحاجة للمساعدة".
وينقل التقرير عن المدير المالي في شركة النفط العربية، التي تملكها الحكومة، خالد الدباغ، قوله للمستثمرين في 16 آذار/ مارس: "نحن مرتاحون بسعر 30 دولارا للبرميل"، مشيرا إلى أن هذا رأي يوافق عليه الوزراء والمسؤولون في الرياض، فشركة أرامكو تستطيع تحمل أسعار نفط منخفضة ولمدة طويلة.
ويرى بلاس أنه "بالعودة إلى لقاء فيينا فإن النذر ليست جيدة، فمع هبوط أسعار النفط بسبب صدمة فيروس كورونا على الصين، فإن الرياض كانت تضغط على روسيا لتخفيض معدلات إنتاج النفط التي تعاونتا على تطبيقها في نهاية 2019، وقطع الإنتاج بمعدل 1.5 مليون برميل في اليوم يساعد على تحقيق الاستقرار في الأسواق، كما قال الأمير عبد العزيز، واتفقت الدول الأعضاء في أوبك+ كلها معه باستثناء نوفاك".
ويذكر الموقع أن روسيا قالت إن الطلب على النفط ليس واضحا، وبأنه يجب مواصلة التخفيض الموجود لثلاثة أشهر مقبلة، وبعد ذلك اتخاذ قرار للخطوة المقبلة، مشيرا إلى أن موسكو شعرت أن تخفيض الإنتاج يعني مساعدة لصناعة النفط الأمريكي المستخرج من الزيت الصخري، ولهذا السبب وجدت أنه حان الوقت لأسعار منخفضة للنفط.
ويستدرك التقرير بأن الأمير عبد العزيز وضع نظيره الروسي أمام إنذار: اقبل خطة تخفيض معدلات الإنتاج وإلا خرجنا من التحالف، فكان رد نوفاك بأنه تجاهل الإنذار، وتحدث قبل مغادرته فيينا أمام الكاميرات التي كانت تنتظره، وقال: "منذ بداية نيسان/ أبريل فإن كل دولة عضو في أوبك+ حرة في ضخ الكمية التي تريدها".
وينوه الكاتب إلى أن الصدمة كانت واضحة، فالطلب على النفط انخفض بنسبة 10% أقل من العام الماضي، مشيرا إلى قول مؤسس شركة "رابديان إنيرجي غروب" بوب ماكنالي: "هذا هبوط على قاعدة ملحمية".
ويقول الموقع إن "الرياض قد تقول إن نوفاك هو من بدأ حرب الأسعار وليس السعوديين، إلا أن المملكة كانت جاهزة للحرب، وما لا يعرفه الكثيرون، لكن قلة من الأمراء والمسؤولين البارزين في الرياض، أن المملكة كانت تحضر لهذه اللحظة منذ عدة أسابيع، وبالنسبة للسعوديين فقد كانت تصريحات نوفاك ضخ النفط بحسب ما تريده هي ضوء أخضر لزيادة معدلات الإنتاج".
ويفيد التقرير بأن ما لم يلاحظه الكثيرون هو أن شركة أرامكو كانت تحدد أسعار النفط مثل الساعة، وفي وقت محدد من الشهر، لكنها لم تفعل ذلك في يوم 5 آذار/ مارس، مشيرا إلى أنه عندما قررت أرامكو تحديد السعر بعد أيام من لقاء نوفاك- عبد العزيز فإن ذلك كان بمثابة إعلان للحرب.
ويشير بلاس إلى أن الشركة خفضت سعر البرميل بدرجة لم تقم بها منذ 30 عاما، وبأسعار محبذة لزبائنها، بما فيها أكبر شركات مصافي النفط، مثل "إكسون موبيل" و"بي بي" و"شيفرون"، وحصلت المصافي على كلمة من "أرامكو" بأنها ستزيد معدلات الإنتاج بنسبة 25%، أي بأكثر من 12 برميلا في اليوم.
ويورد الموقع نقلا عن روجر ديوان من شركة الاستشارات "أي أتش أس ماركيت"، قوله: "يتطلع السعوديون لزيادة الإنتاج على المدى القصير بهدف جلب الأطراف كلها إلى طاولة المفاوضات".
ويلفت التقرير إلى أنه عندما فتح خام برنت، معيار النفط العالمي، للتداول في 8 آذار/ مارس، فإنه فقد في أقل من ثوان نسبة 30% من قيمته، وهي أكبر خسارة له منذ حرب الخليج في عام 1991، ففي كانون الثاني/ يناير ارتفع إلى 70 دولارا للبرميل، وانهار الآن إلى 30 دولارا للبرميل، مشيرا إلى أن انهيار النفط ضرب الأسواق المالية، التي تعاني من ضعف بسبب فيروس كورونا، بالإضافة إلى أن النمو الاقتصادي عانى بسبب الفيروس.
ويقول الكاتب إن حملة الصدمة والترويع السعودية كانت محاولة عدها البعض انتقاما من روسيا، والهدف، بحسب هذه النظرية، هو جلب موسكو للتفاوض من جديد.
ويعلق الموقع قائلا إن "هذا تفسير منطقي، فلماذا تريد السعودية دفع أسعار النفط إلى مستويات منخفضة؟ صحيح أن الرياض تبدو بأن لديها ميزة على روسيا في مجال أسعار النفط، بسبب ما لديها من قدرات إضافية للإنتاج وكلفة منخفضة للإنتاج (3 دولارات للبرميل)".
وينوه التقرير إلى أن روسيا لا تستطيع متابعة السعودية في القدرة الإنتاجية، إلا أن موسكو قادرة على الدفاع أكثر من السعودية، ففي السنوات الأخيرة قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحضير ميزانية احتياطية للحرب من أموال النفط، وزاد الاحتياط لديه منذ عام 2015 بنسبة 60% مقارنة مع السعودية التي تراجع احتياطها الأجنبي بنسبة 28%، وعلاوة على هذا فإن العملة الروسية معومة وقادرة على استيعاب جزء من الضربة، ولأن المجتمع الروسي عانى منذ سنوات من العقوبات الأمريكية فهو قادر على تحمل آلام جديدة.
ويشير بلاس إلى أنه "حتى الآن لم تؤد أساليب السعودية إلى دفع روسيا إلى التفاوض من جديد، فهي لم تفاجأ بتراجع أسعار النفط، ولا ترى حاجة لعقد لقاء مع أوبك، والسبب هو أن حرب الأسعار منحت موسكو شيئا تريده، فقد دفعت شركات إنتاج النفط من الزيت الصخري الأمريكية إلى تخفيض النفقات، وبدلا من الانتظار، كما يقول المدير في (غولدمان أند ساكس غروب إنك) بريان سينغر، فإن مديري شركات الزيت الصخري تحركوا بسرعة وخفضوا النفقات بدلا من المراقبة والانتظار، كما حدث عندما حاولت السعودية في الفترة ما بين 2014- 2016 إفلاسهم، (ففي هذه المرة كان التخفيض سريعا)".
ويقول الموقع إن "السؤال المطروح الآن هو لماذا لم تقم السعودية بتخفيض الإنتاج من طرف واحد لدعم الأسعار؟ والجواب هو أن التاريخ يقدم لنا أمثلة، فبعد سنوات من أزمة النفط في عام 1979 قام وزير النفط السعودي، أحمد زكي اليماني، بخفض الإنتاج ودون مساعدة من أحد، لكنه عزل من منصبه عام 1985 وتم التخلي عن سياسته، وبعد أن زادت المملكة من إنتاجها ارتفع سعر النفط بنسبة 70% من تشرين الثاني/ نوفمبر 1985 إلى أيار/ مايو 1985".
ويلفت التقرير إلى أنه باستثناء صعود سعر النفط أثناء حرب الخليج 1990- 1991، فإن السوق احتاجت 15 عاما لتعود إلى مستوى سعر للبرميل بـ34 دولارا، ووعد كل وزير نفط سعودي بعدم تكرار خطأ اليماني، مشيرا إلى أن الأمير عبد العزيز لا يختلف عنهم.
ويفيد الكاتب بأنه عندما فتح الروس الفيضان في فيينا فإن السعوديين قفزوا، وزادت أرامكو معدل الإنتاج إلى 13 مليون برميل في اليوم من 12 مليون برميل، وهو التزام مكلف جدا، فعندما قررت أرامكو عام 2004 زيادة الإنتاج إلى 12 مليون برميل في اليوم من 11 مليونا، فإنها قضت ستة أعوام وأنفقت مليارات الدولارات على المشروع، مشيرا إلى قول وزير الطاقة خالد الفالح في عام 2018، إن زيادة الإنتاج ستكلف المملكة ما بين 20- 30 مليار دولار. ومن الصعب الرجوع إلى الوراء.
وينقل الموقع عن مدير معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة، بسام فتوح، قوله: "في الوقت الذي يزيد فيه السعوديون الإنتاج، فإن قدرتهم واستعدادهم لتخفيض الإنتاج يصبحان أكثر صعوبة؛ لأنه لا يوجد منتج يريد العمل بأقل من قدراته الإنتاجية القصوى".
وينوه التقرير إلى أن السعودية أصبحت مهووسة بسوق الطاقة، التي بات يشكلها التغير المناخي، ففي دليل اكتتاب أرامكو عام 2019، قالت إن الطلب على النفط قد يصل ذروته في الـ20 عاما المقبلة.
ويقول بلاس إن هذا ربما كان تعبيرا عن استراتيجية جديدة، فالاحتياط النفطي الكبير يدفع السعوديين على ما يبدو لتحويله إلى سيولة نقدية بسرعة، مشيرا إلى أن هذه استراتيجية تعطي السعودية حصة في السوق، وتدفع الشركات ذات الكلفة العالية في الإنتاج للخروج من السوق، وليس شركات الزيت الصخري، لكن الشركات الكبرى التي تتعرض لضغوط من المساهمين لزيادة الأرباح.
ويجد الموقع أن انخفاض أسعار النفط قد يبطئ من تبني السياسات البيئية والخضراء، خاصة تلك الرفيقة بها مثل السيارات الكهربائية، مشيرا إلى أنه لو استطاع الروس والسعوديون إخراج عدد من المنافسين من السوق فإنها قد تصبح مقتصرة على عدد محدود.
ويستدرك التقرير بأن سياسة تحويل الاحتياط إلى سيولة نقدية تحمل مخاطر، فإنتاج كبير وطلب قليل يعني أسعارا منخفضة، ولو انضم إليها عدد آخر فإن الطلب سيقل كثيرا، وهو ما لا تتحمله السعودية؛ لأنها بحاجة إلى 80 دولارا للبرميل، وستواجه السعودية دون هذا الأمر عجزا في الميزانية، وربما تأثرت قيمة الريال.
ويختم "بلومبيرغ" تقريره بالإشارة إلى أن محمد بن سلمان اتخذ قرارات خطيرة، لكن تغيير سياسة النفط قد يكون القرار الأكثر خطورة.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)