نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية
تقريرا لمدير مكتبها في القاهرة ديكلان وولش قال فيه إنه على مدى أكثر من ألف عام
بقيت أبواب المساجد القديمة في القاهرة مفتوحة حتى خلال الطاعون في القرن الرابع
عشر، والكوليرا في القرن التاسع عشر، والانفلونزا الإسبانية خلال شتاء 1918 والتي
تسببت بوفاة 140 ألف
مصري.
وتضيف الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21" إنه في اليوم الأول من إغلاق الجامع الأزهر، مركز العلم الشهير
الذي افتتح عام 972م، سالت دموع المؤذن، الشيخ محمد رشاد زغلول، عندما أذن في مسجد
فارغ من المصلين.
ويقول زغلول للصحيفة: " الأمر ثقيل على قلبي..
عندما أدعو الناس للصلاة لا أحد يستطيع الحضور. إنه شعور بأن الله يعاقبنا".
إغلاق المساجد جاء على أبواب شهر
رمضان الذي سيبدأ
نهاية هذا الأسبوع.
تقول الصحيفة إن رمضان هذا العام سيكون مختلفا لأي
شخص يعيش في القاهرة، ولمليار وثمانمائة مليون مسلم في أنحاء العالم.
ويعتبر رمضان شهر عبادة يمتاز بزيادة التواصل بين
الناس وبالعبادات الجماعية في المساجد وصلاة التراويح، لكنه هذا العام سيتحول إلى
شهر من العبادة الفردية والاحتفال المكبوت والخوف من الفيروس الزاحف الذي أغلق المدينة
التي لا تنام في العادة.
وقال الدكتور عصام حسين، أخصائي فيروسات يعيش في
أمريكا ويدير قناة يوتيوب توجه المصريين بشأن التعامل مع كوفيد-19: "لن يكون
الأمر سهلا.. الناس معتادون على الطقوس.. ستكون تجربة مؤلمة".
ويفرض رمضان تقليديا إيقاعا ألطف من بقية الأيام
الصاخبة في القاهرة، وهي مدينة صاخبة ومترامية الأطراف. في الليل تمتلئ المقاهي
والفنادق بالزوار الذين يسهرون حتى وقت متأخر، ثم يأتي السحور قبل يوم آخر من
الصوم.
وتقوم العائلات بالتزاور، ويعودون المرضى. وحتى
المسلمون المتهاونون يصومون والكثير منهم يتوقف عن تعاطي الكحول.
هذا العام سيكون أهالي
القاهرة في بيوتهم تحت منع التجول الليلي الذي يبدأ في الثامنة مساء. بعض سكان
القاهرة الأثرياء فروا إلى المنتجعات البحرية.
أما المواقع الأثرية مثل
الأهرامات فهي مغلقة والشرطة تحرس أماكن التنزه مثل الجسور على النيل لمنع الناس
من الوقوف عليها.
يقول عبد الرحمن، 19 عاما، في دكان خال من الزبائن
يبيع القناديل في خان الخليلي، أشهر الأسواق في القاهرة: "سيكون رمضان هذا
العام دون طعم". مضيفا: "في البداية اختفى السواح والآن ألغي رمضان، على
الأقل من ناحية تجارية".
ويقول عبد الرحمن، وقد مرت امرأتان محجبتان ومكممتان
من الزقاق الخالي من المارة: "أجلس هنا وأنتظر فقط".
وعلى بوابة زويلة القريبة، حيث كان يعدم المجرمون في
الماضي، يقوم الباعة ببيع القناديل الملونة الجميلة والتي تؤذن بدخول رمضان في
القاهرة. وقال العديد من الباعة إن تجارتهم تراجعت إلى
النصف. ومثل كثير من زبائنه، يرفض أحمد سعيد، مالك أحد المتاجر، أن يلبس كمامة
ويقول: "إن شاء لنا الله أن نموت، فسيكون ذلك".
لغاية الآن لم يكن تأثير الفيروس كبيرا في مصر حيث لا يوجد سوى 3333 حالة مؤكدة توفي
250 شخصا في بلد عدد سكانه 100 مليون شخص، لكن المنحنى يرتفع بسرعة مما يثير
المخاوف بأن الأسوأ لم يأت بعد.
ويضيف التفشي مشاكل إلى مشاكل مصر الاقتصادية.
ويعيش حوالي ثلث سكان مصر في حالة من الفقر بحسب إحصائيات
الحكومة، بمن فيهم خمسة ملايين عامل خسروا دخلهم بسبب الفيروس. ولا يتوقع أن تسد31
دولارا شهريا عرضها الرئيس عبد الفتاح السيسي تلك الثغرة.
ومما سيزيد من ألم الفقراء
هو أن الإفطارات الخيرية التي كانت تقدمها الجمعيات الخيرية والمعروفة بموائد
الرحمن تم الغاؤها.
في منطقة أرض اللواء التي تقطنها عائلات من الطبقة العاملة
يقف علي عبد اللطيف في مقهاه بين الكراسي المكدسة والأرض التي يغطيها الغبار في
دكانه الفارغ، وقد اضطره الفيروس أن ينهي خدمة 10 عاملين معه ولإلغاء الموائد
الخيرية التي كان يقدمها في العادة بالتعاون مع غيره من التجار على جوانب الطريق المغبرة. ومع ذلك فإن
عبد اللطيف لم ييأس، فعلى بعد ميل منه فرضت السلطات الحجر على منطقة كاملة لوقف
انتشار الفيروس، فعمل على وضع الأرز والمرق في علب وأخذ يوزعها على الفقراء في
بيوتهم.
كان المصريون عبر القرون يلجأون للمساجد بدلا من
هجرانها في أوقات انتشار الأوبئة.
وبني مسجد السلطان حسن في القرن الرابع عشر خلال فترة
الطاعون وتقول أمينة البندري، أستاذة الحضارة العربية والإسلامية في الجامعة
الأمريكية في القاهرة بأن الناس كانوا في أوقات الأوبئة يجتمعون في المسجد ليصلوا
لأجل الحماية من الوباء ولكن توقفت مثل تلك الصلوات بعد أن مات معظم المصلين.
ومع ذلك فإن القيود المفروضة على العبادة اليوم لها
آثار بالغة.
على أبوا ب السيدة زينب وهو مسجد مزين في شرق المدينة
يقوم محسن حسين بأداء صلواته على حاجز الشرطة باتجاه البوابة المقفلة. ويقول حسين
الذي يعمل نجارا: "ما دمت واقفا هنا أشعر أنني قريب من السيدة.. من المؤلم أن
يقف بينك وبين من تحب حاجزا".
ومما يخفف الألم خلال الموسم الرمضاني هذا هو
التلفزيون، الذي وبالرغم من منع التجول الليلي فقد سرع في الأسابيع الأخيرة إنتاج
البرامج الرمضانية والتي تشتهر بها مصر من مسلسلات وأفلام ودراما تاريخية وحتى
خيال علمي والتي يتم بثها كل ليلة في شهر رمضان.
وهناك على الأقل 25 برنامجا سيتم بثها هذا العام تقدم
بعد الإفطار، لكن البعض انتقد السماح لبعض شركات الإنتاج بالتصوير في الليل وأثناء
منع التجول بينما المساجد والكنائس مغلقة.
وتقول الصحيفة إن استثناء شركات الإنتاج من حظر
التجول لا يتعلق فقط برغبة السيسي بإلهاء الناس وتسليتهم خلال ليالي رمضان
الطويلة، ففي السنوات الأخيرة تقوم المخابرات بمراقبة كل البرامج وتمويل الكثير منها
لضمان أنها تلتزم بالخط "الموالي لمصر".
ويعلمنا التاريخ بأن التعامل الحساس مع تفشي الأمراض
أمر حكيم. ويقول كريستوفر روز، الأستاذ في جامعة تكساس إن إساءة التعامل مع تفشي
الانفلونزا الاسبانية ساعدت على موجة من الاضطرابات الشعبية والتي أدت إلى ثورة
المصريين ضد حكم المستعمر البريطاني بعد التفشي بعام.
وتعامل السيسي بالقسوة المعهودة في مكافحته لفيروس
كورونا حيث اعتقل مصريين بتهمة نشرهم للشائعات وسجن طبيب اشتكى من نقص أدوات
الوقاية في المستشفى.
أما الإغلاق فبدا مجرد توسع في تشكك السيسي من
التجمعات العامة. فبالنسبة للرئيس المصري، فحتى مظاهرة عامة صغيرة تعتبر تحديا غير
مقبول لسلطته. وفي الأسابيع القادمة، ومن خلال رمضان غير عادي، يريد أن يتأكد بأن
فيروس كورونا لن يغير ذلك.