مع تنامي الظروف المعقّدة الحاليّة في
العراق صرنا أمام إشكاليّة تحديد هوية الدولة ومستقبلها، ومع ذلك أظنّ أنّ القراءة الموضوعيّة تُشير إلى مستقبل غامض لبلاد تُعاني من مشاكل مركبة لا يمكن الجزم بإمكانيّة حلّها بسهولة.
مشاكل العراق اليوم عميقة ومتداخلة، وهي مشاكل سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة وصحّيّة، والمشكلة الأعمق هي الفشل الحكوميّ في التعامل مع المظاهرات الشعبيّة الرافضة لشكل الحكم، ولكلّ مخرجاته التي لم تبن دولة حقيقيّة قادرة على تحقيق آمال الشعب وطموحاته.
وفي ضوء هذه الفوضى هنالك العديد من القراءات حول المستقبل، ومنها فرضيّة "انهيار العراق"!
وهي كلمة مخيفة وتوصيف مرعب لمستقبل بلاد هي الآن في حالة شبه غيبوبة سياسيّة، بسبب التناحر على توزيع الوزارات بين الكيانات الفاعلة في البرلمان.
في العاشر من نيسان/ أبريل الحاليّ (2020) حذّر تقرير نشرته مجلّة "إيكونوميست" البريطانيّة من أنّ" مسألة انهيار العراق باتت مسألة وقت، في حال لم يتّخذ القادة السياسيّون العراقيّون خطوات إصلاحيّة حازمة، بما في ذلك الحدّ من نفوذ الجماعات الموالية لإيران".
وسلّط التقرير الضوء على مجموعة من العوامل والمعطيات الاقتصاديّة والأمنيّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي تعزّز هذا التوجّه!
تحذير "الإيكونوميست" ليس جديدا، وربّما يمكن القول إنّ الدولة العراقيّة كانت على شفا الهاوية والانهيار في أكثر من مرحلة، لكن أعتقد أنّ القرار الخارجيّ بتغيير قواعد اللعبة في العراق لم يحن بعد!
من أكبر أسباب الانهيار المتوقّع أو المرتقب للدولة العراقيّة هو التناحر السياسيّ للحصول على الحصص الوزاريّة في الحكومة المقبلة!
ورغم الرفض الشعبيّ لتكليفه، يبدو أنّ
الكاظمي يتصوّر، حتّى اللّحظة، أنّه سيحصل على "مباركة البرلمان" بأريحيّة، وذلك بسبب حضور الغالبيّة العظمى من الكتل الشيعيّة والسنّيّة والكرديّة لمراسيم تسليمه كتاب التكليف من رئيس الجمهوريّة برهم صالح!
وبتقديري، أتوقّع أنّ حضورهم كان لغايات إعلاميّة وليس لمساع حقيقيّة لدعم الكاظمي أو حتّى العمل معه بشفافيّة لتشكيل حكومته، بدليل أنّ الكاظمي، ومنذ أكثر من أسبوعين،
يسبح عكس التيّار في مفاوضات توزيع الحقائب الوزاريّة على القوى الحاكمة!
التناحر على الحقائب الوزاريّة صار من الأعراف السياسيّة التي لا يمكن القفز عليها في عراق ما بعد 2003!
تسريبات الصالونات القريبة من الحكومة ذكرت بعض الشخصيّات الأكاديميّة المقترحة لتسنم مناصب وزاريّة في حكومة الكاظمي، وهم من المقبولين لدى بعض القوى الكبيرة الحاكمة!
ورغم ذلك وجدنا بعض الاعتراضات عليهم، وآخرها ما ذكرته قناة السومرية نقلاً عن مصدر سياسيّ بأنّ "الأمور لم تعد ميسّرة أمام الكاظمي الذي جاء بأسماء مرضية لبعض القوى فقط"!
وقال تحالف مقتدى الصدر إنّ "الكابينة المقترحة يصعب تمريرها داخل مجلس النوّاب"!
ومع هذه التناقضات يمكننا القول إنّ بناء الدولة العراقيّة وإعادة الاستقرار إليها؛ يمكن أن يكون عبر جملة من الخطوات الجريئة، ومنها:
1. إعادة النظر بهيكليّة وزارتي الدفاع والداخليّة وتصفيتهما من العناصر غير النقيّة.
2. ضبط الفوضى القائمة في وزارة الداخليّة، حيث إنّ غالبيّة مديريات الشرطة عبارة عن بؤر لتفريخ الأعداء بسبب العدوانيّة في التعامل مع المعتقلين.
3. تفعيل دور القضاء العادل والقادر على تقديم القتلة والمجرمين للعدالة بعيداً عن مكانتهم السياسيّة والاجتماعيّة، ونشر الإنصاف لكسب المواطنين.
4. إعادة النظر في أحكام وأوضاع السجون والسجناء.
5. تقليص عدد الوزارات على الأقل للأربع سنوات القادمة ودمج المتقاربة منها، لتكون على النحو الآتي:
أ. التجارة والزراعة.
ب. التربية والتعليم.
ج. الداخليّة والهجرة.
د. النقل والمواصلات.
هـ. الشباب والثقافة.
و. الصناعة والكهرباء والعمل.
ز. الماليّة والتخطيط!
6. تشكيل لجنة عليا لضبط موارد الدولة، وإعادة الحياة للقطاعات الصناعيّة والزراعيّة وتشجيع إعمار المدن.
7. تنقية التعليم من المذهبيّة والطائفيّة.
8. إنصاف المهجرين في داخل العراق وخارجه من الذين أجبروا على ترك وظائفهم وممتلكاتهم، بعد أن تمّ احتسابهم من الإرهابيّين دون أيّ دليل.
9. إنهاء "كارثة" الرواتب المتعدّدة، وحسم الأمر باحتساب الراتب الأعلى وإلغاء بقيّة الرواتب للمشمولين بالأمر.
10. إلغاء مجالس المحافظات وإعطاء صلاحيّات استثنائيّة للمحافظين المستقلّين حقيقة، ولو لمرحلة مؤقتة.
هذه المقترحات وغيرها يمكن أن تؤسّس لبداية البناء الصحيح، ونهاية عصر
المليشيات والمزاجيّة في إدارة الدولة.
فهل سيُسمح لأيّ شخصيّة القيام بهذه المهمّة الوطنيّة؟