هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
برزت مخاوف في الجزائر من ارتفاع حالات وتيرة الإصابة بفيروس كورونا، بعد قرار الحكومة الأخير استئناف معظم النشاطات التجارية، وما صاحبه من تهافت على المحلات والأسواق دون مراعاة لشروط الوقاية.
وقررت الحكومة الجزائرية استئناف معظم الأنشطة التجارية للحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تجميدها بعد تفشي كورونا.
وتشمل القطاعات المرخص لها بمعاودة النشاطات، "سيارات الأجرة الحضرية، ومحال الحلاقة، وصناعة الحلويات، والملابس والأحذية، وتجارة الأجهزة الكهرومنزلية، وتجارة أدوات المطبخ، وتجارة الأقمشة والخياطة والمنسوجات".
وتضمن الإجراء، أيضا السماح بمزاولة "تجارة المجوهرات والساعات، وتجارة مستحضرات التجميل والعطور، وتجارة الأثاث والأثاث المكتبي، والمكتبات وبيع اللوازم المدرسية، وتجارة الجملة والتجزئة لمواد البناء والأشغال العمومية".
وبمجرد إعلان الحكومة عن قرار رفع التجميد، لوحظ إقبال كثيف على بعض أنواع السلع، مثل أدوات وأواني المطبخ فضلا عن الحلويات التقليدية التي تعرف رواجا كبيرا خصوصا في شهر رمضان.
ورصدت "عربي 21"، في جولة ببعض بلديات ولاية البليدة (40 كيلومترا جنوب غربي العاصمة) التي تعد الأكثر تضررا من الوباء، حالة من عدم الاكتراث بإجراءات الوقاية الصحية، إذ لا تراعى في الغالب مسافة الأمان داخل المحلات التجارية والمخابز، كما أن معدل لبس الكمامات الطبية الموصى بها بشدة في هذه الفترة ضعيف جدا.
وبرر مواطنون وتجار هذا السلوك، في المدن الأكثر تضررا من الفيروس، بعامل نفسي في الأساس، إذ إن استمرار الحجر الصحي لمدة 6 أسابيع، أدى إلى نوع من القلق لدى المواطنين والرغبة في استعادة الحياة الطبيعية.
غير أن مشاهد الاكتظاظ عند أبواب المحلات، خاصة في المناطق التي تمثل بؤرا للوباء، أثارت امتعاض الأطباء الذين يواجهون الفيروس، خوفا من عودة المنحنى التصاعدي للمرض.
اقرأ أيضا: الجزائر تعلق رسوم جمارك المنتجات الطبية لمواجهة كورونا
مخاوف موجة ثانية
وقال محمد يوسفي، رئيس مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى بوفاريك الأكثر استقبالا للمرضى بولاية البليدة، إن هذا التراخي المسجل لدى المواطنين في التقيد بإجراءات الوقاية، قد تكون له تداعيات من ناحية انتشار الوباء غير معروفة العواقب.
وأوضح يوسفي في حديث لـ"عربي21"، أن الحكومة أدرى بالقرارات التي اتخذتها بخصوص فتح النشاط التجاري، لكن الواجب، وفق رأيه، أن على من يضطر للخروج سواء للعمل أو قضاء حوائجه، أن يلتزم حرفيا بإجراءات الوقاية، خصوصا ما يتعلق بارتداء الكمامات وتجنب المصافحة أو الاحتكاك بالأشخاص والحرص على تنظيف اليدين وتعقيم المحيط.
وأضاف يوسفي الذي يرأس أيضا النقابة الوطنية للأطباء الأخصائيين، أن ولاية البليدة، تسجل حاليا استقرارا في عدد الحالات، وهو مؤشر جيد على إمكانية التحكم في المرض، لكن هذا لا يلغي إمكانية ظهور الفيروس من جديد في موجة ثانية.
وتابع قائلا: "المخاوف من موجة ثانية للفيروس مشروعة، بالنظر إلى حالات دول عاود فيها المرض الانتشار بعد انحساره مثل الصين وسنغافورة. كما أنه من الناحية الطبية، لا يزال الفيروس بالنسبة لنا مجهولا، إذ لا نعلم لحد الآن، ما إن كان الأشخاص الذين شفوا من المرض قد اكتسبوا مناعة ضده أم لا".
وسجلت الجزائر إلى غاية الثلاثاء، 3649 حالة إصابة مؤكدة منذ ظهور المرض، منها 437 حالة وفاة وهو الرقم الأكبر في القارة الأفريقية، بينما وصل عدد الحالات التي تماثلت للشفاء إلى 1651.
اقرأ أيضا: الجزائر.. العلمانية والتدين في قلب معركة الإغاثة ضد كورونا
التجار يدافعون
لكن مثلما يوجد متوجسون من فتح المجال التجاري على مصراعيه، هناك من يرى فيه بالمقابل قرارا حكيما لأنه يأتي في وقت بدأت تظهر فيه بوضوح ملامح أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.
ودافع طاهر بولنوار، رئيس اتحاد التجار الجزائريين، بقوة عن قرار رفع التجميد عن النشاط التجاري، مقللا من المخاوف الصحية في حال فرضت الإجراءات الوقاية اللازمة.
وقال بولنوار في تصريح لـ"عربي21"، إن قرار الحكومة لم يكن أبدا متسرعا لأنه لم يعد ممكنا الانتظار وقتا أطول، مشيرا إلى أن رفع التجميد على النشاط التجاري ينطوي على 3 أهداف.
وأشار المتحدث إلى أن الهدف الأول، يكمن في الاستجابة إلى حاجيات العائلات الجزائرية التي لا تستغني عن بعض السلع في رمضان مثل الحلويات وملابس العيد، وبالتالي التخفيف على صغار التجار الذين تضرروا كثيرا جراء الغلق.
وأضاف أن الهدف الثاني، يتعلق بالمحافظة على مناصب الشغل على مستوى ورشات الإنجاز ومحترفي نشاط التوزيع والمؤسسات الصغيرة، وهي نشاطات وصل أصحابها إلى حال من الضيق بحيث فكر بعضهم في إلغاء سجله التجاري.
أما الهدف الثالث، حسب المتحدث، فتتوخى الحكومة من خلاله، ضمان الحد الأدنى من الحركة الاقتصادية حتى لا ننطلق بعد مرور أزمة جائحة كورونا من الصفر.
عدم القدرة على التعويض
وأرجع أستاذ الاقتصاد الجزائري سليمان ناصر، استئناف السلطات الجزائرية للأنشطة الاقتصادية إلى دوافع اقتصادية بالدرجة الأولى.
وقال ناصر في حديث لـ"عربي 21"، إن السلطات لم تستطع أن تتحمل تبعات الغلق الشامل للمحلات والمؤسسات خاصة منها التابعة للقطاع الخاص، إذ أن الحكومة، حسبه، وجدت نفسها في ورطة في كيفية تعويض هؤلاء حسب الصيغة القانونية المناسبة.
وأردف: "مستخدمو القطاع الخاص، إذا رفض أرباب العمل دفع أجورهم أثناء فترة الحجر المنزلي، فلا يمكن تعويضهم من صناديق الضمان الاجتماعي مثلا لأن التوقف عن العمل لا يتعلق بمرض ولا بحادث أثناء العمل، كما لا يمكن تعويضهم أيضا من الصندوق المسمى "كاكوبات" لأن هذا الصندوق يتدخل في قطاعات معينة، بالتعويض في حالة التوقف عن العمل بسبب الأحوال الجوية".
ومما يزيد الأمر تعقيدا، وفق الأكاديمي الجزائري، غياب آلية لإحصاء المتضررين، وكيفية تعويضهم، ومقدار هذا التعويض، دون نسيان أن جزءا كبيرا من اليد العاملة، حسبه، غير مصرح به وبالتالي قد يستثنون من التعويض مع أن معظمهم في نفس الوقت أرباب عائلات ومتضررون اقتصاديا واجتماعيا من التوقف عن العمل.
وأضاف ناصر للمبررات الاقتصادية، تضرر عوائد الخزينة العمومية من التحصيل الضريبي، قائلا إن "الجباية العادية التي تشكل حوالي 60 بالمائة من موارد موازنة الدولة ستتضرر بالتأكيد بسبب التوقف عن العمل. أما الجباية البترولية التي تشكل حوالي 40 بالمائة الباقية، فسوف تتضرر كثيرا هي أيضا وذلك بسبب تهاوي أسعار النفط".
ويرى أن الحكومة راعت أولوية الظرف الاقتصادي، لكنها استعجلت القرار ولم تدرسه بالعناية الكافية، حسبه، بالنظر إلى النقص الكبير في التزام المواطنين، "خاصة وأننا لم نبلغ بعد مرحلة الذروة في هذا الوباء".