هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: سوسيولوجيا الهامش في زمن الكورونا الخوف ـ الهشاشة ـ الانتظارات
الكاتب: ماهر حنين
الناشر: المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تونس.
الطبعة الأولى نيسان (أبريل) 2020
(104 صفحة من القطع الكبير).
لفترة قريبة جدَا، ظلت أرقام الفئات الاجتماعية الهشة والمهمشة غير معروفة بصورة دقيقة لدى الرأي العام التونسي، أمّا اليوم أصبحت هذه المعطيات متداولة بين عموم الشعب من خلال الخطاب الحكومي والتغطية الإعلامية. فإلى جانب 700 ألف عاطل عن العمل في تونس، ينضاف إليهم 285 ألف عائلة معوزة، و622 ألف عائلة ذات دخل محدود، وحوالي 70 ألف عامل حضيرة، و40% من 950 ألف متقاعد يتقاضون جراية اقل من الأجر الأدنى المضمون. ونضيف إليهم آلاف النساء العاملات في القطاع الفلاحي و اللواتي يمثلن 70% من مجمل اليد العاملة الفلاحية، قاعدة الهرم الاجتماعي العريضة التي تشكوالفقر المدقع.
من الجدير بالذكر أنَ هذه الفئة الهشة من النساء العاملات في القطاع الفلاحي تعدّ من أكثر الفئات الهشة عرضة لدفع كلفة اجتماعية باهظة اليوم فهن ضحايا عمل في ظروف قاسية وبأجور ضعيفة دون حماية اجتماعية كافية وشاملة وعرضة باستمرار لحوادث مرور سميت بحوادث "شاحنات الموت".
تقول الباحثة فاتن مباركي في مقال نشر سابقاً بجريدة "السفير العربي" :"وقفت على معاناة المرأة الريفية فكتبت "تعتبر النساء الريفيات في تونس الفئة الأكثر تضرراً في المجتمع التونسي، فهن يعملن بشكل رئيسي كمعينات بدون أجر في الفلاحة الأسرية، أو كعاملات موسميات بأجور متدنية وفي إطار غير مهيكل، ودون تغطية أو ضمان اجتماعي، حيث تظهر الإحصائيات أنَّ 33.3% فقط من النساء الريفيات منخرطاتٌ في منظومة الضمان الاجتماعي، وهذه النسبة ضئيلة جداً مقارنة بعدد الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي الذي يعتبر أحد ركائز الاقتصاد التونسي، حيث يمثل 9 % من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر 16% من فرص الشغل، وهو يقوم بدرجة أولى على قوّة العمل النسائية، حيث يستوعب حوالي نصف مليون امرأة، أي ما يقدر بحوالي 43% من النساء الناشطات في الوسط الريفي، من بينهن 32.5% أجيراتٌ في إطار العمل غير المهيكل داخل المقاطع الفلاحية، والمزارع الكبرى" (ص 37 من الكتاب).
تواجه الدولة التونسية اليوم جائحة كورونا في ظل سيادة اللامساواة التي تجعل المجتمع لا يواجه الصعوبات والأزمات بنفس الإمكانيات ونفس الحقوق.
إنّ موضوع الاحتكار للمواد الغذائية والتلاعب بالأسعار لا يطرح بشكل معزول في الرؤية الشاملة لأداء الفاعلين اليوم رغم تشتتهم وعدم التنسيق بينهم ولكن يطرح ضمن رؤية أشمل هي مشروع دولة القانون العادلة بين مواطنيها
يقول الباحث ماهر حنين: "مشاهد الراهن في الوسط الريفي وفي هوامش المدن تعيد إلى أذهان البعض ما سجّله المؤرخون من حول هشاشة الفئات الفقيرة أمام الأوبئة والجفاف والمجاعات التي استمرت في تهديد نفس الجهات ونفس الجهات بشكل مضاعف " فقد كان سكان الوسط والجنوب يعانون من الانحباس المزمن للمطر "الزمة" كما كانت أمراض الماشية وزحوفات الجراد تأتي على قطعان الماشية والمحاصيل الزراعية وقد اكتسحت بعض المجاعات الأرياف والبوادي (مجاعة العام الأبيض 1887، مجاعة 1936 ـ 1937 المعروفة بعام الرّوز ثم مجاعة 1944 ـ 1947). هناك ذاكرة عميقة مرتبطة بالغذاء "بالخبزة" وحين تتكررهذه العبارة اليوم كما تتكرر سابقاً في مقولات الفاعلين "يلزمني نلقط خبزتي وخبزة صغاري" (ص53 من الكتاب).
يعطي لشكاوي المواطنين وآلامهم المعلنة من قلة الموارد المالية، ونقص التزود بالمواد الغذائية الأساسية، إضافة إلى ارتفاع الأسعار، أبعادًا سياسية حين يقترن ارتفاع الأسعار ونقص المواد بالمحسوبية ودوائر النفوذ، لأنه يطرح مشكل الفساد وتحديداً فساد النّخب في عيون المهمّشين خاصة وأن واحداً من أهم شعارات الثورة هو مقاومة الفساد. فالكشف عن مخازن سرية للبضائع في مثل هذه الأيام وتوريد معدات فاقدة الصلاحية والتستر على مسؤولين محليين وجهويين ووطنيين موّرطين في مساعي الإثراء زمن الجائحة كورونا، ورفض من هم من ذوي الحظوة الالتزام بالإقامة بمركز الحجر الصحي يجعل المجتمع غير واثق من جديّة النخب والطبقة السياسية في محاربة الفساد وتفكيك منظومة الفساد، وهي المنظومة التي قال عنها تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد "لقد تدعمت تدريجاً وأحكمت قبضتها على الدولة والمجتمع وتجسمت عناصرها خاصة داخل عدد من المؤسسات السياسية والإدارية والقضائية للدولة وعدد من الجماعات العمومية والمؤسسات العمومية وتنظيمات سياسية على رأسها التجمع الدستوري الديمقراطي ووسائل إعلام واتصال وأدت إلى إرساء سلوكيات ومواقف في المجتمع أثرت على العقلية الاجتماعية".
لا يبدو مثل هذا التذكير بلا جدوى اليوم لأنه يطرح مشكلا اجتماعيا وسياسيا لا يزال قائماً وهو التداخل بين مجمل مكونات منظومة الفساد التي لا تمثل أشكال الاحتكار الأخيرة ومحاولات استغلال الظرف إلا قمة الجبل والحال أن الشبكة أكثر تعقيد وموغلة في الدولة، نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة كانت في دورها بمثابة استفتاء شعبي ضدّ الفساد وما تكرر من تصريحات القادة السياسيين في قرطاج والقصبة يعطي مؤشرات لأخذ هذه المعركة محمل الجد.
يقول الباحث ماهر حنين:" تشكي عموم الناس الفقراء الأكثر تضرراً من ارتفاع الأسعار والمحسوبية هو حلقة أخرى من معركة سياسية مركزية اليوم في تونس وفي مسار انتقالها الديمقراطي هي معركة الحوكمة الشفافة والمساءلة والتصدي للإفلات من العقاب والحماية السياسية للمتهمين بالفساد والمتهربين من الضرائب هذه الجولة الجديدة من تصعيد الضغط على النخب السياسية والاقتصادية لتطهير الحياة الاقتصادية والسياسية وتعرية من يتورّط في الفساد واستغلال النفوذ وتعميم تجارب ما يسمي بحزر النزاهة.
الدّلالات السياسية الأخرى لشمولية الوعي السياسي الممكن هي أولاً بيانات المجتمع المدني التي نبهت لهشاشة فئات ضعيفة وحماية حقوق الإنسان وضرورة تطبيق القانون على الجميع دون تمييز.فالمنتدى نبه لضرورة حماية العاملين في قطاع النظافة ،والرابطة التونسية لحقوق الإنسان نبهت لمخاطر تطبيق الحضر الصحي والتعدي على حقوق الأفراد،وعديد منظمات المجتمع المدني تصدت بقوة لمشروع قانون بادر به النائب مبروك كشريد وعدد من النواب يضيّق على الحريات الفردية تحت مسمى "أخلقة الحياة السياسية" جمعية القضاة طالبت النيابة العمومية بفتح تحقيق حول عدم التزام رجل أعمال بالحجر الصحي الذاتي بأحد النزل بسوسة.
إنّ موضوع الاحتكار للمواد الغذائية والتلاعب بالأسعار لا يطرح بشكل معزول في الرؤية الشاملة لأداء الفاعلين اليوم رغم تشتتهم وعدم التنسيق بينهم ولكن يطرح ضمن رؤية أشمل هي مشروع دولة القانون العادلة بين مواطنيها، وهو ما يعدّ من مكاسب الثورة أولا وضمانات الحريات ومن القوة التي اكتسبها وراكمها المجتمع عامة سواء المجتمع المدني المهيكل وكذلك المجتمع التحتي"(ص 71 من الكتاب).
إقرأ أيضا: الاستثناء التونسي بين سطح الواقع وقاعه من منظور علمي
إقرأ أيضا: قراءة في حياة المجتمعات الهامشية في مدن وأرياف تونس