هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي"، مقالا يتناول فيه تأثير انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة على مستقبل بشار الأسد في سوريا.
واعتبر كاتب المقال الذي ترجمته "عربي21"، إياد يوسف، الطالب في جامعة أكسفورد، أن بقاء نظام بشار الأسد بات يعتمد على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين ثاني/ نوفمبر المقبل، وماذا ستعني بالنسبة للعلاقات الأمريكية الإيرانية.
وقال: "الأوضاع الاقتصادية في إيران، الداعم المالي الرئيس لدمشق، سيئة جدا، لذلك توجب على الأسد الاعتماد على موارده المحدودة، ولكن دون أي أثر يذكر لهذه الخطوة".
وأضاف أن تدهور الاقتصاد السوري كان بشكل كبير نتيجة لتدمير البنية المدنية التحتية منذ بداية الحرب الأهلية في 2011، يضاف إليها عقوبات اقتصادية صارمة فرضتها أمريكا.
وقال البنك الدولي في آب/ أغسطس 2019، إن إجمالي الناتج المحلي تراجع إلى حوالي ثلث ما كان عليه قبل الصراع، وبحسب التقرير فإن 64 في المئة من النمو السلبي كان بسبب دمار البنى التحتية.
ففي الظروف العادية، كانت سوريا تتوقع الاعتماد على إيران للمساعدة المادية، ولكن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018 أضعفت الاقتصاد الإيراني إلى درجة كبيرة، ما اضطر إيران إلى استخدام مواردها التي أصبحت محدودة محليا، تاركة سوريا تواجه مشاكلها الاقتصادية وحدها.
اقرأ أيضا: عضوان بفريق "قيصر" الأمريكي يكشفان تفاصيله لـ"عربي21"
وزادت جائحة كورونا من ضعف الاقتصاد الإيراني متسببة بتراجع إجمالي الناتج المحلي بحوالي 15 في المئة.
ويرى الكاتب أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا حظيت بدعم من الحزبين معظم الوقت، وتبنت إدارتا أوباما وترامب مقاربات شبيهة تجاه البلد، وتدخلت أمريكا عسكريا لهزيمة تنظيم الدولة، وفرضت عقوبات اقتصادية صارمة على نظام الأسد.
ولكن بينما كان التدخل الأمريكي وسيلة لانهيار الاقتصاد السوري، فقد كان بإمكان الأسد دائما الاعتماد على دعم إيران لتعزير حظوظ بلده. ولهذا السبب كان لمقاربتي ترامب وأوباما المختلفتين بخصوص إيران أكبر الأثر على الاقتصاد السوري.
فأوباما تفاوض على اتفاق النووي مع إيران عام 2015، الذي ساعد من بين أشياء أخرى في تخفيف الضغط الاقتصادي على البلد بشكل كبير.
ورفعت الاتفاقية القيود عن الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج، وسمحت لاقتصادها بأن يزدهر، مانحة إياها الفرصة للإنفاق على حلفائها في الخارج بما فيهم دمشق.
ورحب كل من الأسد ومستشارته بثينة شعبان، بالاتفاقية، وتوقعا أن يستمر الدعم المالي الإيراني على قدم وساق.
وفي الواقع كان الدعم الإيراني عاملا حاسما في إبقاء نظام الأسد عائما وسط الصراع، واستخدم هذا الدعم لهزيمة تنظيم الدولة، وقوات المعارضة، وإعادة سلطته إلى مساحات واسعة من البلد.
ولعبت روسيا أيضا دورا مهما في سوريا. فبالإضافة لتوفير الدعم اللوجستي والجوي لقوات الأسد، فقد لعبت روسيا دورا سياسيا أساسيا في حماية النظام السوري بأكثر من 14 قرارا لمجلس الأمن باستخدامها حق الفيتو.
اقرأ أيضا: نذر حرب جديدة بإدلب.. المعارضة: النظام يريد تهديد حدود تركيا
وفي اتجاه آخر، تسبب قرار ترامب الانسحاب من اتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران في 2018، بأن عكس هذه العملية كلها. فبعد تحرك ترامب، نشرت وكالة أنباء على علاقة بالنظام السوري أن فرصة الاقتراض من إيران قطعت، ما جعل قطاع النفط السوري –الذي تعتمد عليه البلد بشكل كبير– ينهار.
وردت حكومة النظام السوري على الأزمة الإيرانية بفرض إجراءات تقشف صارمة.
وقال نائب وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في كانون ثاني/ يناير، بأن كل عائلة، بغض النظر عن حجمها، يحق لها 4 كغم سكر و3 كغم أرز و1 كغم شاي في الشهر، بسعر مدعوم، وعن طريق برنامج "البطاقة الذكية"، هذا إضافة إلى حصص الغاز التي فرضتها الحكومة عام 2019.
وكان الأسد قد أصدر مرسومين تشريعيين عام 2019، زاد فيهما رواتب المتقاعدين والموظفين الحكوميين بهدف توفير المزيد من المال للناس على أمل أن يقود ذلك إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات في محاولة لتحفيز الاقتصاد.
بالإضافة لخسارة رؤوس أموال ملموسة، فقد منعت العقوبات الاقتصادية سوريا من الأسواق الدولية، ما حد من إمكاناتها في جذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما أدى بدوره إلى تعطيل إمكاناتها الإنتاجية.
وأكثر من ذلك، فإن إمكانية التمويل الذاتي للاقتصاد محدودة وبالذات لأن العائلات السورية تعتمد على مدخراتها بشكل أكبر لتتدبر أمورها.
وأضاف الكاتب: "حتى طبقة التجار في البلد فهي لا تساعد كثيرا، فقد سحب أفرادها معظم أموالهم من البنوك السورية، وقاموا بإعادة استثمارها في البلدان المجاورة. وما كانت تجده البلد من موارد طبيعية تساعدها قليلا تعطلت بسبب خسارة النظام لحقول النفط، وبسبب منع أمريكا إرسال النفط إلى سوريا. ولذلك فقد فشلت مبادرات الأسد برفع الرواتب من تجاوز التحديات المتعددة التي تواجه الاقتصاد".
وكان البنك المركزي السوري عاجزا تقريبا بسبب استنفاده لاحتياطي العملات الأجنبية والذهب، ما ترك البنك غير قادر على تثبيت سعر صرف الليرة ولا تمويل شراء الواردات. فكانت قيمة الاحتياطي من العملات الأجنبية والذهب في حدود 407 ملايين دولار في كانون ثاني/ يناير 2018 مقارنة مع مستواها في 2010 الذي كان 20.6 مليار دولار.
هذا الاحتياطي المتدني تسبب في أن تتراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار منذ أيار/ مايو 2018، ما زاد من تكلفة الواردات وخدمة الديون الخارجية.
وتراجعت العملة في كانون ثاني/ يناير لتصل إلى 1230 ليرة سورية للدولار بينما كانت قبل الحرب 50 ليرة سورية للدولار.
ولأن صحة الاقتصاد السوري تعتمد بشكل كبير على حصول الحكومة على مساعدة مالية من إيران، فإن مستقبل البلد –ومستقبل بشار الأسد رئيسا– يعتمد على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
فإن فاز ترامب في دورة ثانية، فإنه يمكن للسوريين أن يتوقعوا مزيدا من الوضع الحالي، حيث غالبا ما تستمر إدارة ترامب بحملة الضغط الأقصى على طهران، وإبقاء العقوبات الصارمة على البلد وتضطرها إلى تركيز مواردها على اقتصادها المتداعي والشعور المتنامي بالاستياء العام تجاه النظام.
ولكن، إن فاز المرشح الديمقراطي المتوقع جو بايدين فغالبا ما سيعود للدبلوماسية ويختار التعامل مع إيران ويعود لاتفاق النووي. وكجزء من العملية ستقوم إدارة بايدين غالبا برفع العقوبات عن إيران، وتسمح لها مرة أخرى باستخدام مواردها في الخارج.
وبالطبع، فإن هذا سيقوي الأسد في سوريا ويقوض العقوبات الأمريكية على النظام هناك ويقوي إيران في الشرق الأوسط. ولكنه أيضا سيخفف من معاناة الناس ويضع الاقتصاد السوري على طريق التعافي والاستقرار.
والمفارقة في كل هذا، أن ما هو جيد للشعب في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري جيد أيضا للأسد، على الأقل لحد الآن. وعودة تدفق الأموال من إيران ستقوي نظامه بدون شك، ما سيسمح له بإعادة بناء شرعيته في الوطن بتخفيف السخط الشعبي بين السوريين الفقراء.
ولن يرفع أي من ترامب أو بايدين العقوبات عن سوريا، ولذلك فستبقى إمكانية النمو محدودة، ما دام الأسد في السلطة. ولكن إن استطاعت سوريا أن تعتمد مرة أخرى على الدعم من إيران فيتوقع أن يستطيع الأسد الإمساك بزمام السلطة إلى وقت غير محدود.