كتاب عربي 21

رأس كل خطيئة في أزمة سد النهضة!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

خذ هذه القنبلة!

 

لكن قبل تفجيرها، أود القول إن النظام العسكري الحاكم في مصر، يسري عليه المثل الشعبي ومفاده بتصرف: "ابني على كتفي وأسأل أين هو؟".

فيبدو هذا النظام مشغولاً بالعمل على تدارك الأخطار المترتبة على بدء ملء سد النهضة، دون اتفاق، في الوقت الذي يحرص فيه على عدم إلغاء اتفاقية المبادئ، أو الاتفاق الإطاري الموقع بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، وهو الذي أسس لهذا العدوان على حقوق مصر التاريخية من مياه النيل، والتي يسخر منها الجانب الإثيوبي الآن في وثيقة رسمية أرسلها لمجلس الأمن، رداً على كتاب السلطة المصرية للمنظمة الدولية.

إن شئت فقل إن حال السلطة في مصر، هو أقرب لحال جحا في الأمثال الشعبية، عندما سُئل "ودنك منين يا جحا؟"، فرفع يده اليسرى ومر بها خلف ظهره ليلمس أذنه اليمنى ثم يصيح صيحة من هتف ذات يوم: "وجدتها"، إذ بدا حجا فرحاً وكأنه اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح وهو يقول: "ها هي". وكان يمكنه أن يتوصل لذلك بسهولة، إن هو رفع يده اليمنى لأذنه القريبة، أو بالعكس، إذا كان أيسر كما أهل الحكم في المحروسة!

فعقب توقيع اتفاقية المبادئ، أعلن خبير السدود الدكتور أحمد المفتي استقالته المسببة من اللجنة الدولية لسد النهضة، وقال إن هذه الاتفاقية لا تضمن لمصر والسودان قطرة مياه واحدة، ومع ذلك خاض القوم التجربة لمدة خمس سنوات، ربما ليؤكدوا صحة مقولته وسلامة موقفه، هذا إذا استبعدنا تماماً أن النظامين، السوداني والمصري، يدركان المخاطر منذ البداية، وقد وقعا على الاتفاق لأمر يخص كل نظام على حدة!

إلى القنبلة:


وننتقل إلى القنبلة التي وعدنا بتفجيرها منذ البداية، فبحسب ما أذاعته قناة "العربية"، ونشره موقعها الإلكتروني "العربية نت"، ونشرته صحف إماراتية أخرى مثل "البيان" في نيسان/ أبريل 2014، فإن مصر نجحت في استصدار قرار أوروبي بوقف تمويل سد النهضة الإثيوبي، وأن القرار صدر من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وإيطاليا والبنك الدولي، بوقف تمويل بناء سد النهضة وتجميد قروض دولية لإثيوبيا بقيمة 3.7 مليار دولار، بينها قرض صيني بمليار دولار!

وجاء في الخبر: "وأفاد الدكتور نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري الأسبق، أن قرار وقف تمويل بناء السد سيجبر أديس أبابا على التفاوض مرة أخرى مع مصر، مؤكداً أن القرار طبيعي، وكان من المفترض اتخاذه منذ بداية المفاوضات مع إثيوبيا".

والمعنى هنا، أن التمويل الدولي لبناء السد كان قد توقف في التاريخ المذكور، لكن عادت بعض الدول لتمويل عملية البناء، ويعد البنك الدولي أهم الممولين، بعد الموافقة المصرية المكتوبة على بناء السد، وذلك بعد أقل من عام من توقف التمويل، فاتفاق المبادئ جرى توقيعه في آذار/ مارس 2015، وهو ما يمثل رأس كل خطيئة!

ولم يكن هذا الاتفاق الجريمة فقط هو المسؤول الأول عن عملية بناء السد، الذي لم تكن إثيوبيا قد انتهت بأكثر من بناء عشرة في المئة منه عندما وقع الانقلاب العسكري، حيث بدأ الحكم الحقيقي للسيسي ومثل أداة أمان للممولين، ولكنه أهدر قيمة اتفاقية أبرمت مع الجانب الإثيوبي في سنة 1902 في أديس أبابا، تعهد فيها إمبراطور إثيوبيا الإمبراطور منليك الثاني، في البند الثالث منها بألا يصدر تعليمات، أو أن يسمح بإصدارها، في ما يتعلق بعمل أي شيء يعطل عملية سريان المياه، وأن هذا التعهد سار على الأجيال القادمة!

ولم تكن إثيوبيا خاضعة للاحتلال كما يروج البعض عند توقيع هذه الاتفاقية الملزمة، فمصر هي التي كانت محتلة، وقد وقع الاحتلال البريطاني نيابة عنها. وحتى لو كانت إثيوبيا تحت الاحتلال وقتها، وهذا ليس صحيحاً، لما انتقص هذا من كونها معاهدة ملزمة، هذا فضلاً عن أن سقوط هذه الاتفاقية يعني سقوط عملية تقسيم الحدود بين السودان وإثيوبيا، الأمر الذي تضمنته ذات المعاهدة، وبسقوطها يصبح لمصر الحق بالمطالبة بالأرض الذي بني عليها السد باعتبارها أرضاً مصرية خالصة!

التبديد:

وهكذا استطاع الحاكم العسكري، بكل ما عُرف عن العسكر من غطرسة، أن يبدد ما جاء في هذه الاتفاقية، كما بدد قرار وقف تمويل السد، بتوقيعه على اتفاقية المبادئ التي لا تضمن لمصر قطرة مياه واحدة، ولكن لا يزال متمسكا بها مع أنه يستطيع إلغاءها عن طريق البرلمان، لا سيما أن الدستور يلزم بعرض الاتفاقيات والمعاهدات الدولية على البرلمان، وهي لم تعرض ولم تنشر في الجريدة الرسمية إلى الآن، وكأن فقدان مصر لحقوقها التاريخية مقصود في حد ذاته، وإلا فلماذا هذا التمسك بهذه الاتفاقية الجريمة بعد أن تبين الرشد من الغي؟!

ولأنها سلطة ابنها على كتفها وتسأل أين هو، فإنها الآن تهدد باللجوء إلى مجلس الأمن، ويصفق لها البعض على هذا الخيار الاستراتيجي. وفضلاً عن أنها لم تطلب منه أكثر من حث إثيوبيا للعودة لمائدة المفاوضات، فإنه لجوء باطل بمقتضى المادة العاشرة من اتفاقية المبادئ، والتي تنص على: "تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهما الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا، فيمكن لها مجتمعة طلب التوفيق، الوساطة، أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/ الحكومات".

وهو نص لا يمكن أن يقره سوى غائب عن الوعي، أو مستهدف للوصول إلى الحالة الحالية، فلا شيء عن اللجوء لخيار التحكيم، ولا حديث عن احتكام ملزم إلى طرف خارجي يلجأ إليه المتضرر منفرداً. فطلب الوساطة هنا أو إحالة الأمر إلى عناية الرؤساء، يكون بالتوافق بين الأطراف الثلاثة "مجتمعين"، ولا شيء عن حجية ما ينتهي إليه الطرف الوسيط!

وقد شاهدنا هذا عندما تم اللجوء للطرف الأمريكي، كيف أن إثيوبيا في نهاية المفاوضات رفضت الحضور والتوقيع على ما تم الانتهاء منه، ولم يكن هناك نص يلزمها بقبول شيء، ثم ها هي تقول الآن إنها غير موافقة على طلب مصر الذي تقدمت به لمجلس الأمن، والذي تقدمت به منفردة. والسؤال هنا: ماذا لو وافقت الأطراف الثلاثة عليه، وكل ما يطلبه الجانب المصري هو حث إثيوبيا على العودة لمائدة المفاوضات، والتي كانت إهداراً للوقت واستنزافا للجهد، وانتهت إلى الفشل الذريع؟!

إثبات الخيبة:

لقد تعاملت أبواق النظام على أن الشكوى لمجلس الأمن هي خطوة جريئة، وتمثل ضماناً للحقوق التاريخية، وإلزاما لإثيوبيا بالامتثال لصوت العقل والحكمة، مع أن نظامهم سبق له أن تقدم بشكوى لمجلس الأمن، فلم تعد حقاً ولم تخف خصماً ولم ترتب أوضاعاً جديدة، ولم تكن سوى محاولة فاشلة لاستدرار العطف وإثبات الخيبة وتأكيد الضعف أمام الصلف الإثيوبي!

إن اللجوء لمجلس الأمن جاء بناء على الفصل السادس، الخاص بحل المنازعات حلا سلميا، وهو يدخل في باب التوصيات، وليس فيه نص إلزامي، فيدعو أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بالطرق السلمية إذا رأى ذلك، وله فحص أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو يثير نزاعا، لكي يقرر ما إذا كان هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدوليين، فإذا رآه كذلك، "يوصي" بما يراه ملائما من شروط حل النزاع.

ثم نأتي إلى المهم الذي نصت عليه الفقرة (2) من المادة (36): "على مجلس الأمن أن يراعي ما اتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم"، وهو ما يعيدنا مرة أخرى لاتفاقية المبادئ.

ولأنه يوم الأمثال الشعبية، فقد ترك السيسي ما في يده ويبحث عن ما في جيبه، ولا يدرك أنه خالي الوفاض!

فهل فعل هذا عامداً أم متعمداً، أم فعله بحسن نية وسلامة طوية؟

مهما يكن الأمر فالطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة!

لقد خربها!

twitter.com/selimazouz1

التعليقات (2)
طير حيران
الثلاثاء، 23-06-2020 08:51 ص
العبيد الأغبياء المخلصون ... هذا هو عنوان 90% من أهل مصر .. أتى المماليك ليخدكوا أهل مصر فوجدا أهلها عبيد فإستعبدوهم وهذا ليس بغريب ولا جديد وذك الله هذا ( إستخف قومه فأطاعوه ) إذا هناك حقائق لابد من معرفتها جيدا لا فائدة من هؤلاء المصريين عبر التاريخ ولم يكن لهم ولا لجيشهم تاريخ يذكر إلا حرب 73 وما دون ذلك فهى خيانات وهزائم ...... فالسيسي مملوك لغيره وإستعبدهم لدرجة أنهم نسوا ماء الرى والعطش وكورونا ولم يعد هناك خدمات بالمستشفيات للتعامل مع مرضاها وسيتم التعامل ( بهم ) وليس معهم بدون الحماية والإحتراس من العدوى فلم تعد إمكانات الصحة تطيق كل هذا العبئ من شعب العبيد المخلص لسيده ويوافق الجميع هذا التعامل ( حيث أن البلد ستحارب تركيا ) وليس التفرغ لسد النهضة عماهم الله وزادهم ضلال .... وطلب الهداية لهم من الله هو عبث لأنهم يؤمنون بتقارب إلههم ( ديفيد ) ومفتيهم ووزير أوقافهم وشيخ أزههم من الخالق ألم يؤمن الجميع فيهم أن الله خلق ملائكة لحماية البلاد ولم يخلق لمص لأنه هو يحميها ... إنهم ضالون وسفهاء . وتلك كانت خطيئة الإخوان لم يفهموا طبيعة هذا الشعب الضال الذليل
الكاتب المقدام
الإثنين، 22-06-2020 06:25 م
المشكلة يا سادة ليست في كون السيسي قد فعل ما فعل من جرائم في حق مصر والمصريين "عن نية مبيتة أم بحسن نية وسلامة طوية؟" كما يقول الكاتب، لإن الإجابة معروفة لكل ذي عقل، منذ أن خرج عليهم الدجال يخبرهم أنه طبيب الفلاسفة، وأمرهم بأن لا يستمعون لأحد غيره فهو وحده الذي يعلم ما لا يعلمون، كما أبلغهم أن الوقت قد حان ليغيروا ما قدسوه لقرون، "ولا يوجد مقدس لدينا إلا كتاب الله وسنة رسوله"، وفي حضور عمائم على رمم وليست على رؤوس وعقول، التهبت أكفهم بالتصفيق لإلاههم الجديد المتربع على عرش مصر، الذين تراصوا حوله وروجوا لدجله، وطائفة أخرى منهم قال كبير من قساوستهم بأنه "يموت عشقاً فبه". فالنكبة النكراء أن المصريين الذين يؤلهون حاكمهم، وراثة عن فراعينهم الذين يفتخرون بتأليههم والانتماء إليهم، واتباعاً لعقيدة الباطنية الفاطميين الذين حكموهم لقرون واقنعوهم أن صفات الله قد حلت في حكامهم واستوجبت طاعتهم والخنوع لهم، وانشأوا لهم نصب حسينهم ليطوفوا حوله ويوجهون له الدعاء دوناً عن رب العالمين، ولا عجب من ذلك، فالمعاصرون منهم ورثوا عن أباءهم تقديس ناصرهم المأفون، ونعتوا المقبور بالرعيم الخالد، وما زالوا يزورون جثته في معبده طالبين منها البركة، بعد أن القى بأبناءهم الذين جندهم بنظام السخرة في سيناء تارتين في 56 وفي 67، ليقدمهم قرباناً لآلهة بني صهيون، ليحافظوا له على عرشه، كما صدقوا ساداتهم الذي ادعى كذباً بأنه آخر الفراعنة، وما هو إلا عبد ذليل للصهاينة والذي زين له كيسنجر اليهودي أفعاله في معسكر داوود، واحتفلوا معه بما سماه نصره، بعد أن سمح له اليهود بفك الحصار عن جيشه المحاصر في سيناء بعد أن وصلوا إلى احتلال أراضي مصر حتى الكيلو 101 "من القاهرة"، وما زالوا يتبعون دجالهم الجديد السيسي الذي قال عنه رهبان معبده أنه أعظم الجنرالات الذي يخوض حرباً أعظم من الحرب العالمية في سيناء، ويصفقون له وهو يدمر بخسة وجبن مساجد ومنازل ومدارس ومدن ومزارع أهل سيناء ويقتل أبناءهم ونسائهم حفاظاً على أمن بني صهيون وتنفيذاً لأوامرهم، وسيقودهم الدجال إلى حتفهم وهلاك أبناءهم، إلا إن أعملوا عقولهم ورجعوا لدينهم، وواجهوا دجالهم ومن دعمه وأيده وأذاقوهم ما يستحقون.