هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت صحيفة "فايننشال تايمز" إن المصارف اللبنانية التي كانت تمثل جوهرة بارزة في تاج الاقتصاد اللبناني شريكة في صناعة الأزمة الاقتصادية بالبلاد.
وأضافت الصحيفة في تقرير لمراسلتها كلوي كورنيش، ترجمته "عربي21": "في بيروت كانت تبرز أفرع المصارف بواجهاتها الزجاجية اللامعة وقاعاتها الجميلة حيث كان المصرفيون يستضيفون زبائنهم المهمين بالسيجار ويدعونهم إلى أفضل المطاعم، والآن بعد أقل من عام، أصبحت الواجهات الزجاجية محصنة خلف ألواح معدنية واقية لحمايتها من قنابل المتظاهرين الحارقة ونفس المصرفيين أصبحوا يخشون الظهور في الساحات العامة".
وقد أشعلت النيران الشهر الماضي خارج مكتب البنك المركزي في مدينة طرابلس شمال لبنان، بينما كتب شعار "يسقط، يسقط حكم المصرف" على الجدران في مناطق بيروت المختلفة.
ولفتت الصحيفة إلى أنه "مع منتصف عام 2019 زادت موجودات المصارف مجتمعة بنسبة 83 بالمئة خلال ثماني سنوات إلى 253 مليار دولار. وهو ما يساوي تقريبا خمسة أضعاف الناتج الاقتصادي للبلد".
وتابعت: "تسارعت أزمة اقتصادية ومالية ونقدية في لبنان منذ آذار/ مارس، عندما لم تسدد الحكومة أقساط دين بقيمة 90 مليار دولار. وزاد التضخم الشهري بنسبة 56.5 بالمئة في أيار/ مايو، وارتفع الفقر والبطالة ويعتقد الكثير من اللبنانيين بأن المصرفيين – والسياسيين – هم المسؤولون عن ذلك".
اقر أ أيضا: التليغراف: نذر انهيار اقتصادي بلبنان مع توقف سبل الإنقاذ
وقال الاقتصادي اللبناني جاد شعبان، إن البنوك التي ربحت كثيرا على طول الطريق هي شريكة في صناعة الأزمة، بنفس المقدار مثلهم مثل الأحزاب الحاكمة التي سرقت الأموال وقتلت الناس" بحسب تعبيره.
وتعتمد لبنان على الاستيراد، ولسنوات ساعد البنك المركزي على تمويل عجز الميزان التجاري بإعطاء نسب فائدة عالية – أحيانا أكثر من 10 بالمئة في العام – على حسابات الدولار من الدائنين التجاريين. ومرر البنك هذه الأرباح لزبائنه ما ساعد على جذب الأموال من الأشخاص المحليين واللبنانيين الذين يعيشون في الخارج.
وساعد هذا النظام البنوك اللبنانية على توليد أرباح كبيرة. ولكن خلال الصيف الماضي تراجعت ثقة المستثمرين وبدأ تدفق الدولارات يجف وبدأ النظام بالانهيار. وبدأت المظاهرات التي اشتعلت بسبب الإحباط من عدم المساواة في تشرين أول/ أكتوبر والتي أدت في المحصلة إلى سقوط الحكومة.
وأغلقت المصارف لأسابيع خلال المظاهرات وقلق الزبائن حول استعادة أموالهم. وحرص الدائنون على ألا تحصل حملة سحب للأموال بشكل جماعي ففرضوا حدا على المبالغ المسحوبة، فانعكس اتجاه تدفق الدولارات إلى البنوك التجارية في البلد.
وبحسب شركة أكسفورد إكونوميكس للأبحاث، فإن ما لا يقل عن 25 مليار دولار، أي ما يعادل 10 بالمئة من موجودات القطاع المصرفي مجتمعا، غادر القطاع المصرفي عام 2019.
وبعد أن فشلت الدولة في دفع قسط سداد الدين في آذار/ مارس، أصبح وضع المصارف في لبنان أسوأ حيث كان القطاع المصرفي أحد كبار المستثمرين في السندات الحكومية. ويملك الدائنون التجاريون مبلغ 25 مليار دولار كديون بالعملة المحلية والعملات الأجنبية على الحكومة وهو ما يساوي 12 بالمئة من موجودات القطاع المصرفي.
وتقدر الحكومة مجموع الخسائر في القطاع المصرفي بـ69 مليار دولار بما في ذلك 50 مليار دولار خسائر البنك المركزي وحده.
اقرأ أيضا: ماذا يعني دخول لبنان مرحلة "التضخم المفرط".. وما الحل؟
وقال رئيس مجلس إدارة بنك بيمو، رياض عبجي: "إذا اتبعت ما تقوله المعايير الدولية فلم يعد هناك مصارف لديها قيمة مالية، بل جميعها مفلس.. وإن لم يدفع البنك المركزي لنا فبالتأكيد سنفلس"، وأشار إلى أن الدائنين أخروا نشر حساباتهم كاملة لعام 2019.
ويلوم المصرفيون الحكومات لفشلها في إصلاح الشؤون المالية للدولة، ومع ذلك فقد استمروا في شراء أذون خزانة، مصنفة بأنها غير مرغوب بها، ذات عائدات عالية وحققوا أرباحا جيدة من جهود محافظ البنك المركزي رياض سلامة لدعم القطاع المصرفي وجذب العملات الأجنبية منذ عام 2016.
وحقق القطاع المصرفي أرباحا صافية قيمتها 2.6 مليار دولا عام 2017، بعد عام من إطلاق سلامة لأول عملية "هندسة مالية". وأكثر من نصف موجودات القطاع موجودة الآن في البنك المركزي.
وقال أحد كبار المصرفيين طالبا عدم ذكر اسمه إن الدائنين كانوا "عميا بإرادتهم" لعرضتهم المتزايدة لخطر الديون السيادية، لأنهم كانوا يحققون أرباحا كبيرة.
والآن تحاول حكومة رئيس الوزراء حسن دياب، الذي تم تعيينه في كانون ثاني/ يناير أن تدفع بإصلاحات لاستقرار الاقتصاد وتأمين التمويل الضروري من صندوق النقد الدولي.
ويريد دياب أن يقلص القطاع المصرفي المتضخم ويضخ السيولة لكل الدائنين. ولكن المصرفيين يقاومون ذلك. لأن كفالة إنقاذ حكومي مفروضة – باستخدام نسبة من أموال المودعين لإعادة تمويل المصارف – ستدمر الثقة نهائيا وتضر بالنمو الاقتصادي المستقبلي، بحسب المصرفيين.
وقال عبجي إن الإدارة "تصرفت بشكل غير مسؤول" لأنها لم تسدد ديونا للحكومة السابقة، مضيفا أن "القيادة السياسية خلقت المزيد من "الغموض.. بقولها إن لبنان أفلست".
ويقول مايك آزر، وهو اقتصادي لبناني ومحاضر سابق في جامعة جونز هوبكنز في واشنطن، إن مثل هذه الحجج تساوي القول: "كان على الحكومة ابقاء الاحتيال مستمرا بالكذب على الناس".
وخيار آخر تدعمه جماعة ضغط المصارف هو استخدام الموجودات القومية مثل شركتي اتصالات تملكهما الدولة كسداد دين قيمته 25 مليار دولار تدين به الدولة للمقرضين التجاريين.
ولكن أزار شكك بعدالة استخدام مثل عملية البيع هذه لحماية الأشخاص ذوي رؤوس الأموال الكبيرة والذين سيواجهون احتمال اقتطاعات من ودائعهم. وقال: "أن يقال إننا بحاجة إلى بيع أصول الدولة للتعويض عن الخسائر التي يواجهها أثرياء، هذا ليس عدلا".