ينزلقُ
لبنان بخطى سريعة نحو الانهيار الشامل الذي بات يقترب يوما بعد يوم. والانزلاق الكبير جرف كل ما في البلد الصغير من مؤسسات وشركات، أغنياء وفقراء، مواطنين ولاجئين ونازحين، وكل من علقت قدماه في "مرقد العنزة"، حتى بات المشهد أقرب الى فوّهة بركان، لا ندري في أيّ لحظةٍ سينفجر من شدّة الغليان.
لم يعد يخفى على أحد أنّ نسبة البطالة عند
الفلسطينيين في لبنان لامست الـ90 في المئة، بداية مع قرار وزير العمل، مرورا بثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، ووصولا إلى الأوضاع المزرية التي آلت إليها البلاد بعد تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، حيث أظهرت عدّة تقارير أنّ الليرة خسرت حوالي 80 في المئة من قيمتها في الفترة الأخيرة. ومع ذلك عضّ الفلسطيني على الجرح وتقاسم الوجع مع الشّعب اللبناني الذي ذاق الأمرّين على أرضه.
لكن بات ملاحظا وجود قرارات وإجراءات عنصريّة بشكل مفرط، وكأنّ الفلسطيني هو سبب شقاء هذا البلد وتعاسته!
هنا يقف اللاجئ على هامش الوطن بفمٍ مشدوه وعينين ذابلتين وجسد مصلوب، يُصارع لتأمين لقمة عيشه التي باتت اليوم من أصعب المعارك التي يواجهها المواطن اللبناني، فكيف إن كان أجنبيا أو لاجئا أو "لاجي" لا قدر الله! واللاجئ (بعيد عنك) هو كل فلسطيني مقيم في لبنان استطاع على مرّ السنين ومُرّها، أن يجمع بين ممنوعات اللاجئ وممنوعات الأجنبي في آن معا، فسبق نظراءه في الدّول المجاورة وغير المجاورة، حتى بات محسودا على هذه الامتيازات التي تقدّمها الدولة اللبنانية له!
فالفلسطيني ممنوع من التملّك في لبنان كونه لاجئا، ولكن عليه أن يلتزم بقرار وزير العمل كونه أجنبيا. كما يُحرم الاستفادة من ضخ الدولار في السوق كونه لاجئا أو أجنبيا، لا فرق، المهم أنه فلسطيني!
أضف إلى ذلك العديد من الإجراءات والقرارات المماثلة التي تنهال عليه وتقصم ظهره الى نصفين، آخرها وأغربها تصريح وزير الاقتصاد الذي حرم الفلسطيني من الاستفادة من الدّعم على المواد الغذائية كونه أجنبيا، فبات عليه أن يدفع ثمن المواد الغذائية أضعافا عن السعر المحدّد للمواطن اللبناني، لا لشيء فقط لأنه فلسطيني، أي مواطن من الدرجة الثانية!
إنّ كل هذا التضييق القديم الجديد، يواجَه بصمتٍ غير مسبوق من كل الأطراف، وكأنّ الجميع قد اتفق على قتل اللاجئ الفلسطيني ببطء دون أن يحرّك ساكنا أو تهتز له بقايا ضمير. فـ"الأنروا" تكتفي بالتّكتّف والتأسف آملة أن نحظى بحظٍ موفّق، أما الفصائل واللّجان الفلسطينية فيَصِل شخيرها الى الصين، حتى بتنا نعتقد أنهم مجرّد صور لأشخاص وهميين أو أساطير الأوّلين.
قد تكون النجاة الوحيدة لكل "لاجئ" هي التكاتف والتكافل والدّعاء، وكأنّه يعيش في صحراء قاحلة، فطوبى للغرباء العرب في الدول العربية!