قضايا وآراء

هل يصمد الأردنيون والفلسطينيون في مواجهة مشروع الضم؟

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

لم تحسم معركة الضم مع الكيان الإسرائيلي بعد؛ فصحيفة جيروزاليم بوست نقلت عن مسؤول كبير في البيت الأبيض مقرب من فريق كوشنير القول: إن إمكانية تنفيذ مخطط الضم بالتنسيق مع الرئيس دونالد ترامب خلال الشهر الحالي أو الإعلان عن خطوات عملية في هذا الشأن، لا تزال قائمة.

تصريح تزامن مع الإعلان يوم أمس الأربعاء 8 تموز (يوليو) الجاري عن اجتماع جديد ضم نتنياهو وجاريد كوشنير إلى جانب المبعوث الأمريكي أفي بيركوفيتش والسفير الأمريكي في الكيان الإسرائيلي المستوطن ديفيد فريدمان لمناقشة خطة الضم الإسرائيلية المؤجلة.

 

ظروف استثنائية

التصريحات واللقاءات الأمريكية ـ الإسرائيلية جاءت في ظروف استثنائية لكل من الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو؛ إذ جاءت بعد يوم واحد من إعلان نتنياهو إمكانية العودة للحظر الشامل في انتكاسة تعد كبيرة بعد محاولات مضنية للتعافي الصحي والاقتصادي والتي كان أبرز عناوينها خفض البطالة التي بلغت 25% ما يعادل مليون نسمة من مواطني الكيان.

نتنياهو عاني من تراجع شعبيته في مدة قياسية فبعد أن سجل نسبة رضى قدرت بـ 74% من مواطني الكيان على سياسيته في مواجهة الكيان عادت شعبيته فانخفضت بعد ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا المستجد وفشله في إدارة ملف الوباء؛ فبحسب مسح إخباري أجرته القناة 12 تراجعت نسبة الرضى عن أداء نتنياهو في التعامل مع وباء كورنا المستجد على التوالي إلى 56% بداية شهر تموز (يوليو) إلى 46% الاثنين الماضي بعد ساعات من إعلانه إمكانية العودة إلى الحظر الشامل؛ تراجع متسارع بالتوازي مع تعثر خطة الضم التي فشلت في مزاحمة ملف كورونا المستجد أو أزاحته عن المشهد السياسي والاقتصادي.

ذات المأزق يعاني منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فشعبيته تراجعت لصالح خصمه الديموقراطي جو بايدن بنسب تأرجحت بين 8 إلى 11%؛ نتائج مدعومة بفشل مماثل بإدارة أزمة مقتل المواطن الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد ووباء كورنا التي بلغت الإصابات اليومية في الولايات المتحدة الـ 54 ألف نسمة في اليوم مع توقعات لخبير الأوبئة وعضو لجنة مكافحة الوباء فوتشي بأن تبلغ معدلات الإصابة 100 ألف إصابة في الأيام القليلة المقبلة .

التطورات المتسارعة تطرح أسئلة كبيرة حول مدى نجاعة وفاعلية استخدام ملف خطة الضم الإسرائيلية كملاذ ومخرج لنتنياهو وترامب من مسلسل الفشل الذي يلاحقهما في ملف كورونا؟ إنه سؤال معقد جدا فالضم من الممكن أن يتحول بدوره إلى ملف فشل جديد سواء من خلال ردود الفعل الدولية أو بالتراجع والتأجيل مرة أخرى.

رحلة البحث لدى ترامب ونتنياهو عن نصر يعزز مكانتهما في صفوف التيار الأشد تطرفا في أمريكا والكيان الإسرائيلي تواجه عقبات كثيرة بعد أن استنفذت أغلب الخيارات وعلى رأسها نقل السفارة الأمريكية وضم الجولان ليتحول الضم برغم تعقيداته ومحظوراته إلى الخيار الأقل كلفة والأكثر تفضيلا لترامب ونتنياهو؛ فهل الرهان على ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية يعد كافيا لتحقيق النجاح للرجلين أم أن هناك ملفات منافسة لملف الضم.

رغم الصخب فإن ملف النووي الإيراني أطل برأسه من جديد ليزاحم ملف الضم بتفاصيله المعقدة والأقل شعبية داخل الكيان والولايات المتحدة الأمريكية في الوقت ذاته إذا ما قيس بالملف النووي الإيراني؛ فالملف لا تقتصر أهميته على بعده الاستراتيجي فقط بل إنه فتح الطريق واسعا ليوسي كوهين رئيس الموساد الإسرائيلي لتعزيز مكانته لدى الجمهور الصهيوني خصوصا وأن التسريبات المتعلقة باستهداف مفاعل نطانز أرجعت إليه لتعزيز مكانته وشعبيته.

 

إحباط خطوة الضم لم يعد مستحيلا في ظل تزاحم الملفات وتشابكها وفي ظل الفوضى والتشتت في الإدارة الأمريكية ولدى القيادة الصهيونية؛

 



الملف يفتح الباب لترامب أيضا ليظهر كمنتصر في العراق وسوريا بل وكمروض لطهران في حال تمكن من إجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات أسوة بالرئيس الكوري الشمالي الذي عاد ترامب ليغازله بدعوته إلى لقاء جديد؛ فترامب يتحرك في الساحة الدولية بعد الفشل في ساحته الداخلية على أمل حشد المؤيدين والداعمين له من الإنجيليين ومن المواطنين الأمريكيين العاديين في ملفات تعد أكثر شعبية لدى البسطاء والإيديولوجيين المتحمسين لعودة المسيح.

 

حظوظ إحباط خطة الضم

إحباط خطوة الضم لم يعد مستحيلا في ظل تزاحم الملفات وتشابكها وفي ظل الفوضى والتشتت في الإدارة الأمريكية ولدى القيادة الصهيونية؛ بيد أن النجاح فيها يتطلب رفع الكلف القانونية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والسياسية والانتخابية؛ خصوصا أن إدارة الرئيس ترامب تعد المعطل والمحفز الفعلي لمخطط الضم؛ أمر لا يعتبر مستحيلا فالكلف مرتفعة جدا دبلوماسيا وسياسيا داخليا وخارجيا لأمريكا وللكيان الإسرائيلي؛ خصوصا وأنها خطوة لا تحظى بكبير شعبية في ظل جائحة كورونا سواء داخل الولايات المتحدة أو الكيان الإسرائيلي.

التشتت والإرباك وتراجع الزخم يفتح الباب لمزيد من الجهود لمواجهة خطة الضم وتسجيل نجاح  فلسطيني وأردني؛ إذ يمثل حافزا كبيرا للأردن لتوسيع تحركاته الدبلوماسية وتفعيلها؛ والتي بلغت ذروتها يوم الثلاثاء الموافق 7 تموز (يوليو) الجاري بلقاءات مكثفة لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا ومصر ومسؤول جهاز الشون الخارجية في الاتحاد الأوروبي؛ اتبعه لقاء موسع مع ثمان من وزراء الخارجية العرب ضم مصر وفلسطين والكويت والمغرب وتونس وعمان والسعودية بالإضافة للإمارات؛ للتأكيد على رفض الضم وحل الدولتين على أساس الشرعية الدولية والمبادرة العربية التي تقيد أي محاولة للتطبيع مع الكيان في ظل غياب حل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

الأردن لم يكتف بالتحرك في محيطة العربي إذ وسع دائرة نشاطه نحو محيطة الإقليمي والإسلامي من خلال لقاء رئيس مجلس النواب الأردني الدكتور عاطف الطراونة مع السفير التركي إسماعيل أراماز والذي أكد بدوره على موقف تركيا الرافض لخطة الضم الإسرائيلية.

خطة الضم تحولت من كارثة وجائحة سياسية للأردن وفلسطين إلى فرصة لتسجيل نجاح سياسي ودبلوماسي أردني ليعزز مكانته في إدارة الصراع فاتحا الباب لمواجهة الكيان الإسرائيلي في المحافل الدولية ومحاصرة قراراته غير الشرعية في ملف القدس والجولان.

فرصة أسهمت في تضيق مساحة وفجوة الانقسام الفلسطيني بين "فتح" و"حماس" بفتح الباب لحوار ومصالحة فلسطينية داخلية تنهي الانقسام أو بعض ملفاته على الأقل؛ فرصة أسهمت فيها العديد من العوامل أبرزها وباء كورونا وتصاعد التوتر مع إيران والانقسام السياسي والحملات الانتخابية في الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية.

ختاما: هل يحافظ الأردن والفلسطينيون في "فتح" و"حماس" على زخم المواجهة ويحققون المزيد من المكاسب أم يتراجعون بحجة محدودية الإمكانات وخطورة المآلات؟ إنه السؤال الأهم في مواجهة خطة الضم؛ فخطة الضم رغم التحديات التي تحتويها إلا أنها تمثل فرصة بحق لمقارعة الاحتلال بفاعلية يجب استثمارها والبناء عليها لحشد المزيد من الدعم لمواجهة الاحتلال ومحاصرة رموزه .

hazem ayyad
@hma36

التعليقات (0)