هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يعد أهالي مدينة "دورا" جنوب الخليل جنوب
الضفة الغربية المحتلة يستغربون من مشاهدة الطفلين "جميل" و"نزار"
غنام وهما يقومان بتربية النحل برفقة والدهما "ناصر"، حيث يقومان
بذلك ببراعة، وصارت المهنة جزءا من حياتهما.
وبدأت حكاية الطفلين مع تربية النحل منذ ثلاث سنوات ونصف،
حيث كان والدهما ناصر يعمل في حقل تربية النحل الخاص به، حين قررا الذهاب معه
والعمل في هذا المجال، وباتا يعرفان الآن كل تفاصيل المهنة، ويعملان وحدهما دون
توجيه أو إرشادات.
ويقول ناصر غنام لـ"عربي21" إنه بدأ بفكرة
تربية النحل قبل أكثر من 12 عاما حين كان يسعى للحصول على عسل نقي طبيعي لاستخدامه
الخاص، فقام بشراء خلية نحل واحدة والاعتناء بها، ثم أعجب أشقاؤه بالفكرة واشتروا
كذلك خلايا خاصة بهم، وبدأ ناصر بالاعتناء بها حتى اقتنع بفكرة أن تصبح
"تربية النحل" مشروعا يبيع من خلاله العسل الصافي.
وخلال عمل "ناصر" طيلة هذه السنوات كانت عيون طفليه "جميل"
(12 عاما) و"نزار" (11 عاما) تلاحقانه، ويكرران عليه الطلب بمرافقته في
العمل.
وفتحت إصابة تعرض لها ناصر في ساقه، وأعاقته عن العمل،
فرصة ليستعين بطفله الأكبر "جميل"، فبدأ يرشده نحو آليات العمل، حتى
تعلق بالمهنة كثيرا، ما أثار غيرة طفله الأصغر "نزار"، الذي بدأ يطلب
مرافقتهما أيضا.
ويضيف: "بعد توسلات نزار، أصبحت أصطحب الطفلين معي،
وأقوم بإرشادهما حول العمل، ولكنني وجدت صعوبة كبيرة، خاصة بإيجاد لباس واق لكل
منهما، فكل الألبسة تأتي بأحجام كبيرة، وكنت أضطر لإجراء تعديلات على اللباس
المتوفر حتى يلائمهما، وأخيرا وبعد إلحاح شديد تمكن أحد التجار من إيجاد لباس
يناسبهما".
اقرأ أيضا: منظمة إسرائيلية: حكومة نتنياهو تخنق الفلسطينيين كجورج فلويد
ويصاحب تربية النحل مخاطر جمة أبزرها "اللسعات"
التي شكلت عائقا أمام الطفلين، فكانا في البداية يهابان العمل ويسيران في حقل
النحل بخوف، ولكن مع مرور الوقت أصبحا معتادين على ذلك، وأصبحت أجسادهما لا تشعر
بألم اللسعة إلا كوخزات بسيطة.
وبحسب ناصر فإن تربية النحل ليست بالأمر السهل، حيث
يحتاج لعناية ومراقبة مستمرة حسب الموسم. ففي موسم الربيع يجب التأكد من وجود
الملكة ومن وضع الإطارات لإنتاج الشمع ومعالجة الأمراض إن وجدت، وفي موسم إنتاج
العسل يكون ضغط العمل أكبر، حيث يتم التأكد من تقطيع الشمع واستخراج العسل النقي
وتوزيعه في العلب الخاصة.
ويرى ناصر بأن تربية النحل تجارة مربحة له، وصار يبيع
العسل الصافي في جميع مناطق الخليل ورام الله وأحيانا يبيعه خارج فلسطين كالأردن
والإمارات، وبات مؤخرا من كبار النحالين في منطقة جنوب الضفة.
أما "جميل" و"نزار" فاحترفا المهنة،
وأصبحا يفضلانها على أي شيء آخر، لكن ضغط العمل يدفعهما أحيانا إلى تفضيل اللعب مع
أصدقائهما، ما يلزمه جولة من التشجيع العائلي لهما ليساعدا والدهما.
ويقول جميل لـ"عربي21" إنه يطمح لأن يصبح مثل
والده في تربية النحل، وأن يمتلك الخبرة الكافية التي تؤهله لشراء مزيد من الخلايا
لتربيتها، وكأن العمل يمنحه متعة بعيدة عن حسابات البيع والشراء.
ويوضح بأن العمل في حقول النحل كان غريبا بين أصدقائه،
ولكنهم أصبحوا يتمنون مشاركته في العمل، كما أن كل من يراه يسأله عن أمور النحل،
وهو أمر أحبه كثيرا بأن يرتبط اسمه بهذا العمل.
وفي ظل الوضع الاستثنائي الذي يعيشه الفلسطينيون في ظل
انتشار فيروس كورونا، كانت حقول النحل متنفسا للطفلين بحيث لم يؤثر عليهما الحجر
وإغلاق المدارس، بل وجدا شيئا آخر يستمتعان به ويقضيان أوقاتهما بالعمل فيه.
ويقول الوالد: "أنا فخور بهما، فهما تعلما المهنة
في وقت قصير، وأبدعا فيها، والآن لا يحتاجان لتعليماتي، بل يقومان بالعمل وحدهما
رغم صعوبته وحساسيته، وحين أجدهما يشعران بالملل في المنزل، أقول لهما هيا إلى
الحقل فيشعران بسعادة بالغة، وبذلك أصبح الأمر ليس مجرد عمل بل متعة لهما".