صحافة دولية

صحيفة روسية: ما دلالات تحركات ماكرون بعد انفجار بيروت؟

قالت الصحيفة إن انفجار مرفأ بيروت لم يضرب العاصمة اللبنانية فقط، وإنما هز العالم بأسره- جيتي
قالت الصحيفة إن انفجار مرفأ بيروت لم يضرب العاصمة اللبنانية فقط، وإنما هز العالم بأسره- جيتي

نشرت صحيفة "إيزفيستيا" الروسية تقريرا سلطت فيه الضوء على الجدل الواسع الذي أثاره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا بزيارته إلى لبنان وظهوره بصورة "المنقذ".

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن البعض رأى في جهود قصر الإليزيه رغبة صادقة في مساعدة لبنان على تجاوز أزمته الاقتصادية والسياسية، بينما رأى البعض آخر أن باريس تحاول استعادة الإرث الاستعماري. 

ماكرون في بيروت


قالت الصحيفة إن انفجار مرفأ بيروت لم يضرب العاصمة اللبنانية فقط، وإنما هز العالم بأسره.

وأعرب المجتمع الدولي ومعظم زعماء العالم عن تعاطفهم مع لبنان وعرضوا المساعدة، لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو أول من تحرّك بشكل عملي من خلال زيارته للعاصمة اللبنانية، حيث تفقّد موقع الحادث وتحدث مع سكان المنطقة وعمال الإنقاذ ومسؤولي الميناء.


كانت الفكرة الرئيسية من وراء زيارة ماكرون هي إطلاق مبادرة لتقديم مساعدات عاجلة للبنان. وفي ظل السخط الشعبي والاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اجتاحت البلاد عقب الانفجار، وعد الرئيس الفرنسي بأن هذه المساعدات "لن تقع في أيدي المسؤولين الفاسدين".  

أثناء الزيارة، توجّه أحد المواطنين باللوم إلى ماكرون بسبب لقائه بعدد من المسؤولين، وقد رد الرئيس الفرنسي قائلا: "لست هنا لمساعدتهم. أنا هنا لمساعدتك". 


وتحت رعاية ماكرون، عُقد يوم 9 آب/ أغسطس اجتماع فيديو ضم عددا من قادة الدول الذين تعهدوا بتقديم 300 مليون دولار مساعدات للبنان، بشرط وحيد وهو ضمان الشفافية في طريقة إنفاق هذه الأموال.

وحسب وكالة رويترز، فإن الدول المانحة أبدت تحفظات على تحويل المساعدات إلى الحكومة اللبنانية بسبب الفساد الذي ينخر في مفاصلها، كما أن بعض هذه الدول تخشى تحديدا من النفوذ الإيراني في البلاد، ممثلا في حزب الله الشيعي.

 

اقرأ أيضا:

FT: لبنان بحاجة لحكومة مصداقية قبل انفجار غضب الناس

 

 

شروط الدول المانحة وصندوق النقد الدولي


أشارت الصحيفة إلى أن الخسائر الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت تُقدّر بـ15 مليار دولار، ما يعني أن حجم المساعدات التي وعدت بتقديمها الدول المانحة ليست كافية بالمرّة. 

وتشترط الدول المانحة من أجل تقديم المزيد من الأموال، استجابة السلطات اللبنانية لمطالب المحتجين والبدء بإجراء إصلاحات في مختلف المجالات.

 

ويطالب صندوق النقد الدولي لبنان بإجراء إصلاحات اقتصادية حتى يعيد النظر في طلب الحكومة الحصول على قرض بقيمة 10 مليارات دولار.


من جانبه، دعا الرئيس الفرنسي إلى إجراء تحقيق شامل ومستقل حول أسباب الكارثة، قائلا إنه من الضروري أن يشترك فيه خبراء من الخارج، لكن الرئيس ميشال عون رفض الفكرة وأكد أن التحقيق لن يكون دوليا.

 

خطاب استعماري


أضافت الصحيفة أنه بالنظر إلى الوضع الحرج الذي يعيشه لبنان، فإن زيارة ماكرون كانت ذات رمزية كبيرة بالنسبة للبعض، وأكثر من كونها مجرد بادرة تضامن ودعم. 

وقد بدا أن تصريحات ماكرون والطريقة التي خاطب بها السلطات، فيها استحضار للإرث الاستعماري، إذ كان لبنان تحت الانتداب الفرنسي رسميا حتى 1943، وعمليا حتى 1946، وحتى بعد الاستقلال، ظلت علاقته مع فرنسا وثيقة للغاية، وبقيت الفرنسية اللغة الثانية في البلاد بعد العربية.

وانتقد ماكرون في تصريحاته السلطات اللبنانية واتهمها بالفساد، كما أنه دعا إلى ضرورة الحد من نفوذ حزب الله.

وبحسب الصحيفة، فإن ما قام به ماكرون أثار سؤالا جوهريا حول النوايا الفرنسية: هل باريس تسعى لمساعدة لبنان فعلا، أم إنها تحاول احتلاله مجددا؟

واستنكر منتقدو الرئيس الفرنسي خطواته الأخيرة معتبرين أنها "تدخل استعماري جديد من قبل زعيم أوروبي يسعى لاستعادة الهيمنة في دول شرق أوسطية مضطربة، وصرف الأنظار عن المشاكل المتراكمة في بلاده".


ويرى الكثير من الفرنسيين أنه كان من الأجدر أن يهتم رئيسهم بالأزمات التي تمر بها فرنسا، سواء ما يتعلق بانتشار فيروس كورونا، أو الحرائق في جنوب البلاد، بدلا من زيارة بيروت.

وعلّقت صحيفة "لوبينيون" الفرنسية على الزيارة قائلة إنها جعلت ماكرون يشعر بأنه "بطل ومنقذ للبنان"، وقد تجلى ذلك من خلال حشد من "البرجوازية الفرنكفونية" التي استقبلته وأظهرته بصورة "المسيح المخلّص" الذي جاء ليخرج البلاد من أزمتها الصحية والاقتصادية.  

وردا على الانتقادات، فقد أكد ماكرون أن تحركاته ليس الهدف منها إعادة الانتداب الفرنسي للبنان. 

وفي مقابلة مع قناة "بي أف أم" قال الرئيس الفرنسي إن تحركات باريس تأتي في إطار "الصداقة ومد يد المساعدة"، وليس وراءها أي نوايا للتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. 

وأضاف ماكرون أن الدعوة إلى إجراء إصلاحات هي مجرد تأكيد على مطالب الشعب اللبناني، كما أنه وعد بالعودة إلى لبنان قريبا للاطلاع على ما تحقق من نتائج.

 

موقف موسكو


ذكرت الصحيفة أن موسكو حذّرت من خطورة التدخلات الخارجية في لبنان، حيث قال السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسيبكين: "لا يجب أن تتحول المطالب بإجراء إصلاحات إلى مطالب متعلقة بحزب الله ودوره في لبنان.. هذا في الواقع تدخل في الشؤون الداخلية".

 

ومن ناحيته، لا يعتقد الخبير ماكسيميليان فيلش، الأستاذ في جامعة هايكازيان في بيروت، أن تصرفات ماكرون تشكل تدخلا في الشؤون اللبنانية. 

ويقول فيلش في هذا السياق: "فرنسا مهتمة بالحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الفرنكوفونية في الشرق الأوسط وأفريقيا".

 

صراع إقليمي


اعتبرت الصحيفة أن عودة الانتداب الفرنسي في لبنان سيناريو غير وارد، لكنها ترى أن باريس ترغب بشدة في تعزيز نفوذها في منطقة شرق البحر المتوسط، في ظل صراعها المحتدم مع تركيا. 

وبحسب الصحيفة، فإن فرنسا خسرت المواجهة مع الأتراك في ليبيا، وتريد أن تفوز على الجبهة اللبنانية التي بدأت المعركة فيها للتو.

وأضافت الصحيفة أن مهمة فرنسا لن تكون سهلة رغم الروابط التاريخية التي تمنحها العديد من المزايا، إذ إن ماكرون لن يتعامل فقط مع القيادة اللبنانية، بل سيكون مضطرا للتعامل أيضا مع إيران، وخصمها الإقليمي المملكة العربية السعودية.

للاطلاع على النص الأصلي (هنا)

التعليقات (0)